تسعى الحكومة التونسية لإقناع البرلمان بالمصادقة على مشروع قانون المنافسة والأسعار، الذي يمنحها حق تجميد الأسعار عند مستويات محددة، دون السماح بتغييرها، وتشديد العقوبة على التجار المخالفين والمحتكرين، بعدما سجلت الأسعار ارتفاعات تتراوح بين 50 و100% في السنوات الأربع الماضية.
وتشير بيانات شبه رسمية، إلى أن تونس تحرر أسعار نحو 87% من السلع، مقابل التحكم في
أسعار 13% من بينها الوقود والسكر والحليب.
وتعوّل وزارة التجارة على هذا القانون لمساعدتها في التصدي لحالة الانفلات الذي شهدته الأسعار في كل القطاعات منذ ثورة يناير/كانون الثاني 2011، مما جعل فرق المراقبة التابعة لها، عاجزة عن أداء مهامها في مراقبة الأسواق والمساحات التجارية، خوفا من التهديدات والاعتداءات المتكررة على المراقبين من قبل التجار.
وفي مقابل التفاعل الإيجابي لنواب البرلمان مع مطلب الحكومة بالمصادقة على مشروع القانون، يحاول التجار عبر منظمتهم (اتحاد الصناعة والتجارة) الضغط على الحكومة لسحب هذا القانون، معتبرين أنه لا يتضمن إصلاحات بل إجراءات ردعية تصل إلى السجن وغرامات مالية تصل إلى 30 ألف دينار (16 ألف دولار) دون وضع شروط واضحة لتنفيذ هذه الإجراءات.
ويعتبر وزير التجارة التونسي، رضا الأحول، أن مشروع القانون الذي تسعى الحكومة إلى إصداره لا يتجنب فقط جوانب ردعية، بل ستكون له العديد من المزايا في التحكم في أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية إلى جانب مقاومة تهريب المواد التي تدعمها الدولة.
اقرأ أيضاً:
تونس: أسعار السلع رهينة الحكومة الجديدة
وقال وزير التجارة، في تصريح خاص لـ "العربي الجديد"، "إن هذا القانون سيكون متماشيا مع الوضع الاقتصادي الجديد الذي تعيشه تونس، والذي أدى إلى مرور أكثر من 50% من المعاملات التجارية عبر مسالك غير شرعية ولا تتحكم فيها الدولة، وهو ما جعل المواطن يدفع فاتورة ارتفاع الأسعار على مدى السنوات الأربعة الماضية، إلى جانب الضرر الذي لحق الدولة بسبب عدم تمكن الحكومة من الحصول على الضرائب المفروضة على التجار".
وأضاف الأحول أن البدائل القانونية للتجارة الداخلية في البلاد، متوفرة، وتنظم عمل الأسواق، خاصة أسواق الجملة التي تقتصر الرقابة فيها، مبدئيا، على تجار الجملة.
وقال: "مراقبة هذه الأسواق مهمة جداً. هامش الربح في أسواق الجملة غير محدد، وذلك يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع، بخاصة في أسواق الخضر والغلال".
وقال مدير المنافسة والأبحاث الاقتصادية بوزارة التجارة، محمد عيفة، إن اقتراح التشديد في العقوبات والغرامات الماليّة، عند ارتكاب ممارسات مخلّة بشروط المنافسة من 5% حاليا إلى 10% من حجم المعاملات، ضروري بالنظر إلى الواقع الاقتصادي الذي تعيشه تونس. لافتا
إلى أنّ العقوبات التي أُقرّت في السابق لم تعد تتناسب مع المعاملات التجارية الحالية، خاصة وأن الاتجار بالمواد المدعمة بطرق غير قانونية بات يُحمّل الدولة عبئا ماليا كبيرا، على حد قوله.
وتقول الحكومة، إن صندوق الدعم يشكل عبئا ثقيلا على ميزانية الدولة التي تخصص له نحو ربع الإنفاق في العام.
وخصصت تونس، العام الماضي 2014، نحو 2.7 مليار دولار للدعم الحكومي، منها
1.62 مليار دولار لدعم الوقود والكهرباء ويذهب الباقي لدعم السلع الأساسية.
ويرى عضو اتحاد الصناعة والتجارة، منذر العميري، ان مشروع القانون الجديد يضع جميع التجار في نفس الخانة ويقترح عقوبات صارمة لا تأخذ بعين الاعتبار الحجم المالي للتاجر.
وأشار، في تصريح لـ "العربي الجديد"، إلى أن مشروع قانون المنافسة والأسعار الجديد لن يكون قادرا على حل مشاكل التي يعاني منها قطاع التجارة في تونس، وخاصة التجارة الموازية.
ودعا إلى حذف عقوبة السجن وإلى الغاء قرارات غلق المحلات والتشهير الذي يصاحب القرار، وتوسيع فرق معاينة المخالفات لتشمل ممثلا عن غرفة التجارة والصناعة.
ويرى الخبير الاقتصادي، عبد الجليل البدوي، ضرورة تأخير تطبيق مشروع المنافسة والأسعار، لحين القيام بالإصلاحات الاقتصادية اللازمة وتقليص الفوارق بين الاقتصاد الرسمي والاقتصاد غير الرسمي.
وأشار في تصريح لـ "العربي الجديد"، إلى أنه لا يجوز إصلاح القطاع التجاري ومحاربة التهريب، في غياب الوضوح بين الأنشطة الموجّهة للتّصدير والأنشطة الّتي توجّه نشاطها للسوق الداخلية. داعيا إلى الإسراع في إصلاح النظام الضريبي والأخذ بعين الاعتبار عدم التكافؤ والتوازن السائد في العلاقات الدولية حتى لا يقع إرساء تنافس بين اقتصادات غير متوازنة.
وتشهد تكلفة السلع الاستهلاكية في تونس، منذ الثورة إلى الآن ارتفاعا بنسبة تتراوح بين 50 إلى 100% وفق الخبراء، وذلك بسبب عجز الحكومات المتعاقبة عن كبح جماح الأسعار ومراقبة الأسواق، نتيجة صعوبة الوضع الأمني.
ويربط خبراء الاقتصاد بين مؤشر الأسعار وارتفاع نسبة التضخم، بالوضع الاقتصادي العالمي
وضعف الاستثمارات خلال الفترة الانتقالية التي تعيشها البلاد.
ويرى المراقبون أن ارتفاع تكلفة سلة الإنفاق التونسية بلغت حاليا أكثر من 1.1 ألف دينار
شهريا (500 دولار تقريبا)، أي ضعف الحد الأدنى للأجور بأربع مرات.
والحال أن أغلب مرتبات موظفي الدولة لا تتعدى الـ 700 دينار (360 دولاراً) وهو ما يتسبب في عجز متواصل لميزانية العائلة بنحو 50% مما يجبر التونسيين على الاستدانة والتقشف.
وتواجه تونس ضغوطًا من المقرضين لخفض الإنفاق العام المرتفع، بما فيه الدعم الحكومي للسلع الغذائية الأساسية والوقود، عن طريق إجراء مجموعة من الإصلاحات الحساسة سياسيًّا، ما يُنذر بموجة جديدة في ارتفاع الأسعار.
وقالت وزارة المالية التونسية، الأسبوع الماضي، إنها تسعى لاقتراض 1.3 مليار دولار لسد عجز الموازنة.
اقرأ أيضاً:
تونس تترنح بين العجز التجاري وارتفاع التضخم