تنتهي اليوم الخميس آجال ترشيح الأحزاب التونسية للشخصيات التي سترأس الحكومة الجديدة، بعد استقالة الرئيس الحالي إلياس الفخفاخ.
وتأكيداً لما نشره "العربي الجديد" أمس الأربعاء، أكد رئيس كتلة قلب تونس أسامة الخليفي، أن الحزب قرر ترشيح فاضل عبد الكافي لرئاسة الحكومة المقبلة باعتبار خبرته في الشأن الاقتصادي، على حد قوله. وأشار الخليفي في تصريح لإذاعة موزاييك، إلى أن حزبه يتشاور مع مختلف الأطراف السياسية إضافة إلى كلٍّ من اتحاد الشغل ومنظمة رجال الأعمال.
ويُنتظر أن تعلن بقية الأحزاب رسمياً عن مرشحيها، فيما تتواصل المشاورات بين عدد من الكتل لمحاولة تقديم مرشحين يتم التوافق حولهم بغاية الحد من عدد هذه الشخصيات من ناحية، وتيسير المهمة على الرئيس قيس سعيد.
وتتوجه الأنظار بداية من اليوم إلى قصر قرطاج، في انتظار أن يعلن الرئيس سعيد عن الشخصية التي يراها "الأقدر" لتشكيل الحكومة الجديدة، وهو تعبير دستوري يمنح أحقية الاختيار للرئيس في حال استقال رئيس الحكومة.
وكان سعيد قد أقنع الفخفاخ بتقديم استقالته قبل أن تمر لائحة سحب الثقة منه في البرلمان، بما يعيد المبادرة إلى الأخير، وبالفعل أقر البرلمان اليوم أن لا حاجة لمناقشة اللائحة التي قدمت في هذا الصدد بعد أن أصبحت غير ذي موضوع بفعل الاستقالة.
واتخذ الرئيس سعيد الأسلوب نفسه الذي اعتمده في اختيار الفخفاخ بعد فشل حكومة الحبيب الجملي في امتحان الثقة في البرلمان، عبر اعتماد تراسل مكتوب مع الأحزاب دون التشاور معها مباشرة، وهو ما رفضه ائتلاف الكرامة، معتبراً أنه صيغة "استشارات ورقية"، مؤكداً عدم تقديم أي اسم أو قائمة ترشيحات لا خاصّة بائتلاف الكرامة ولا في إطار ائتلافي، مع وقف جميع النقاشات والمفاوضات حول اسم رئيس الحكومة القادم.
وقال في بيان له، اليوم الخميس، إنه يبقى منفتحاً على كافة المبادرات والاقتراحات الرامية إلى المساهمة في إخراج البلاد من الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الخانقة، وإلى الدفع نحو ترسيخ دولة القانون وتحقيق أهداف ثورة الحرّية والكرامة.
سيكون أمام الرئيس التونسي يومان لحسم خياره بخصوص الشخصية التي ستقود مشاورات تشكيل الحكومة
وانتقد ائتلاف الكرامة أسلوب رئيس الدولة، وبين أنه يفرض تصوّره الغريب للمشاورات الدستورية، ويختزلها في مجرّد مراسلة ورقيّة تودعها كل كتلة في مكتب ضبط رئاسة الجمهورية، بكل ما يحمل ذلك من نزعة استعلاء وإهانة للسلطة التشريعيّة ولممثلي الشعب المنتخبين. وتابع أن رئيس الدولة يُصر على تكرار التوجه الخاطئ نفسه المعتمد في اختيار إلياس الفخفاخ، واجترار التجربة الفاشلة نفسها عوض الإقرار بمسؤوليّته والاعتذار للشعب التونسي عنها، حسب نص البيان.
وشدد البيان على أنه ثابت لديه أن اختيار رئيس الحكومة القادمة قد حُسم، وأن "المسؤول الكبير"، في إشارة لسعيد، قد اتخذ قراره، وأن قرار التكليف جاهز، وأن مصير "الاستشارات الورقيّة" سيكون كما كان مصيرها في المرّة الأولى، سلّة مهملات القصر.
ويقلل مراقبون من أهمية هذا الموقف سياسياً، باعتبار أن الائتلاف يتسق مع حركة النهضة وقلب تونس، وهو التحالف الجديد الذي قد يضم أيضاً كتلة المستقبل ونواباً مستقلين.
وفي الجهة المنافسة، أكد أمين عام حركة الشعب زهير المغزاوي، اليوم الخميس، أن الحركة ضد تقديم الأحزاب لأسماء مرشحة لرئاسة الحكومة القادمة من داخلها، قائلاً ''نريده رئيساً مستقلاً عن الأحزاب لكن مسيّساً''.
وأكد المغزاوي في حوار لإذاعة موزاييك، أن حركة الشعب تريد تشكيل حكومة جديدة ''دون حركة النهضة''، قائلاً ''حكومة فيها النهضة لن تعمّر كثيراً… لأنها لا تريد شركاء بل تريد أتباعاً، وهمها الوحيد هو التمكين كما هو الحال اليوم في البرلمان''.
وأضاف ، "نفضل رئيس حكومة لا يكون من "الفتيان الذهبيين" الذين درسوا بالخارج وعندهم مواصفات مديري الشركات..'' وفق تعبيره.
وتؤكد شخصيات من التيار الديمقراطي أن هناك مشاورات مع حركة الشعب وتحيا تونس والكتلة الوطنية لتشكيل أغلبية جديدة تبعد النهضة عن الحكومة، ما يستدعي إقناع قلب تونس بفرط العقد مع النهضة والالتحاق بهم، وهو ما يعد سيناريو مستبعداً جداً.
وسيكون أمام الرئيس يومان لحسم خياره بخصوص الشخصية التي ستقود مشاورات تشكيل الحكومة، رغم أنه أمام خيارين حزبيين من الجبهتين المتنافستين، وسيكون عليه الاختيار على قاعدة الجبهة الأكثرية، مبدئياً النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة وكتلة المستقبل والمستقلين، أو الذهاب إلى اختيار شخصية مستقلة بإمكانها إقناع الطرفين بالتصويت لها وتفادي حالة الانقسام الشديدة التي تهدد وحدة البلاد ومؤسساتها.
إلا أن الاختيار لا يخضع فقط لقاعدة الأكثرية العددية في البرلمان، فتجربة الفخفاخ ستلقي بظلالها على الرئيس سعيد، وسيكون عليه التحري الشديد حتى لا يتحمل مسؤولية فشلٍ ثانٍ، ولكن الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة ستكون معياراً مهماً لتحديد ملامح هذه الشخصية.
وأمام التطورات الإقليمية الخطيرة على الحدود مع ليبيا، وحديث الرئيس عن مؤامرات لضرب استقرار البلاد من الداخل والخارج، سيكون الاختيار بالضرورة سياسياً حتى يضمن الرئيس حليفاً في الحكومة، يقاسمه هذه الأفكار والتوجهات، وهو ما سيجعل من اختيار رئيس الحكومة الجديد عملية معقدة تتداخل فيها هذه المعطيات كلها.