ومنذ إعلان الشركة عن قرارها الناتج عن توقف الإنتاج واعتصام العمّال منذ أكثر من ثمانية أشهر، انطلقت الأطراف السياسية في تحميل بعضها بعضاً المسؤولية عن القرار، بيد أنّ شبه اتفاق ساد آراء جميع الأطراف، أنّ حكومة الحبيب الصيد السابقة تتحمل القدر الأكبر في هذا المأزق، بين من يتهمها بالعجز عن التحاور مع المعتصمين وبين من نعتها بالتهاون المقصود.
وعقدت رئاسة الحكومة، أمس، ندوة صحافية حول إعلان الشركة مغادرتها البلاد، أعلن خلالها المتحدث الرسمي باسم الحكومة، أياد الدهماني، أنّ" قرار الشركة نهائي إلا أنّه يمكن إثناءها إذا ما أقنعت الحكومة المعتصمين بالعودة للعمل واستئناف الإنتاج".
وفي هذا السياق، أكّدت مصادر، لـ"العربي الجديد"، أنّ "الحكومة تتجه نحو تأمين المنشأة النفطية عسكرياً، خلال الفترة المقبلة، إلى حين غلقها وإنهاء إجراءات مغادرة بتروفاك البلاد".
ولم تنجح مساعي حكومة، يوسف الشاهد، في إقناع طرفي النزاع في ملف "بتروفاك" للعودة عن قراراتهما، إذ يتمسك المحتجون في جزيرة قرقنة (وسط غربي البلاد) بمطالبهم المتمثلة في امتيازات واعتمادات مخصصة للتنمية وحماية البيئة أو إيقافهم للإنتاج، تمسّكت الشركة بمغادرتها البلاد بعدما اصطدمت بمواصلة الاعتصام على الرغم من موافقتها على المطالب".
وفي وقت لم توجّه الحكومة الحالية فيه صراحة أصابع الاتهام إلى سابقتها في سوء إدارة الخلاف بين المعتصمين، فإن متدخلين عدّة في الملف حمّلوها جزءاً من المسؤولية، ووجّهوا اتهاماتهم لـ"الجبهة الشعبية" و"الاتحاد العام التونسي للشغل" أيضاً، كما تحدّث آخرون عن مسؤولية حزب "التحرير" في ما وصل إليه الوضع باعتباره ساهم في إفشال كل الاتفاقات وانتشار حالة الفوضى في المنطقة.
في المقابل، بادر "الاتحاد العام التونسي للشغل" بتبرئة ساحته من قرار غلق المنشأة، في بيان أصدره أمينه العام، حسين العباسي، ليل أمس، معتبراً أنّ "المنظمة النقابية لعبت دور الوسيط بين المعتصمين الذين طالبوا بحقوق مشروعة وبين الشركة والحكومة، لكن حكومة الصيد اعتمدت سياسة اللامبالاة تجاه الأزمة متجاهلة نتائجها".
واعتبر العباسي أنّ "أهالي المنطقة وعمّالها الأكثر ضرراً من انعكاسات غلق الشركة، نظراً لما سيواجهونه من بطالة قسرية"، مضيفاً أنّ "النقاشات بين المعتصمين والحكومة الجديدة شارفت على الوصول إلى اتفاق، على الرغم من أن المفاوضات كانت تجري تحت ضغط الشركة وتهديداتها بالغلق، وإذا ما تم استئنافها وعدول الشركة عن مغادرتها فإن ذلك سيمثل منطلقاً هاماً للوصول إلى حل نهائي".
بدورها، اعتبرت "الجبهة الشعبية" أنّ "حضورها في الاعتصام بالجزيرة لا يعدّ مساهمة منها في إغلاق الشركة فقد كانت جزءاً من الحل لا من المشكل".
وأكّد القيادي في الجبهة، المنجي الرحوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "ما نقلته وسائل إعلام أنّ الجبهة هللت لمغادرة بتروفاك خاطئ، إذ إنّها ترحب بجميع الاستثمارات والمستثمرين في تونس، لكن على أساس الحفاظ على حقوق الجميع شركة وعمالاً وبيئة ومواطنين".
واعتبر الرحوي أنّ "من يتحمل مسؤولية ما حصل في بتروفاك هو حكومة الحبيب الصيد وحزب التحرير أيضاً، فالأولى تتحمل مسؤولية الأزمة لأنها استقالت من دورها في إدارة الأزمة، وعندما كان الحل ممكناً تراجعت وفضّلت الحل الأمني قبيل حصول اتفاق بتدخل منه شخصياً ومن المنظمة النقابية كوسطاء لحل الأزمة، ما أدى إلى تعكر الأوضاع وتعفنها وبقيت الجزيرة دون أمن لأشهر".
وربط الرحوي توتر الوضع بـ"اختيار الحكومة للحل الأمني والمواجهات مع الأهالي ثم الانسحاب من الجزيرة، ما مثّل فرصة مناسبة لأطراف كحزب التحرير للانقضاض على الجزيرة لأنه ليس من مصلحته وجود الأمن أو أي من تمظهرات الدولة هناك".
من جهته، ردّ حزب "التحرير" على الاتهامات الموجهة إليه أولاً من رئيس الحكومة السابق، الحبيب الصيد، ولاحقاً من الرحوي ومنظمات أخرى بتعميق الأزمة واستغلال الاعتصام والمطالب المشروعة حزبياً لتوسيع أنشطته في الجزيرة والتصعيد لإخراج الشركة، إذ قال عضو مكتبه السياسي، محمد مقيديش، إنّ "الحزب لم يتم تشريكه في أي من جلسات التفاوض".
ولفت مقيديش، في تصريح صحافي، إلى أنّ "بقاء بتروفاك يعدّ فضيحة، فالعقود تمضى على عقد أو عقدين فيما تواصل الشركة استغلال الحقل ثلاثين سنة، وأنّه على الدولة التونسية البحث عن بدائل في مقدمتها التأسيس لصناعة نفطية وطنية".
ولا تزال حكومة الشاهد متمسكة بورقتها الأخيرة من أجل الإبقاء على الشركة، إذ انعقد، اليوم الخميس، بمقر المحافظة اجتماع ضم ممثلين عن الحكومة والنقابة والمعتصمين، للوصول إلى اتفاق نهائي يتم عرضه على الشركة في مرحلة لاحقة لإثناءها عن المغادرة.