لم يعثر الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، بعد، على الشخصية المناسبة لترشيحها لتولي رئاسة حكومة الوحدة الوطنية، وذلك قبل 24 ساعة من موعد سحب الثقة من حكومة الحبيب الصيد.
بدا ذلك واضحاً في اللقاء الأخير الذي جمع السبسي بعدد من الصحافيين، إذ تبيّن أن الهدف من اللقاء هو رغبة الرئيس التونسي في توضيح موقفه من ردود الفعل، التي توالت بسرعة، نتيجة إصرار الصيد على رفض الاستقالة، والتوجه مباشرة نحو البرلمان عبر آلية تقديم طلب تجديد الثقة أو سحبها من حكومته، وهو ما سيتم عملياً يوم السبت المقبل.
وقال السبسي إنه "يتحمل مسؤولية اختيار الصيد وترشيحه لكي يتولى رئاسة الحكومة، رغم اعتراض معظم كوادر حزب نداء تونس، الذين كانوا في غمرة شعورهم بالانتصار". وبرر اختياره، كونه كان راغباً في الرد على تهمة التغول التي وجهت لحزبه.
أما اليوم، فإن الظروف تغيرت، وذلك بعد أن فشلت الحكومة في جميع المجالات، حسب السبسي، الذي قال: "كل المؤشرات أصبحت حمراء .. وإذا ما استمر نسق الأوضاع على ما هو عليه، فإن البلاد تتجه نحو الهاوية".
كما أشار إلى اضطرار الحكومة للحصول على 23 قرضاً، دون أن ترافق ذلك زيادة ملموسة في الإنتاج، في حين تجاوزت تونس الأرقام العلمية الخاصة بعدم تحقيق التوازن بين الزيادة في الأجور، وبين ارتفاع نسق الإنتاج.
كما عاب السبسي على الحكومة عجزها عن معالجة أزمة الفسفاط، التي لا تزال تعصف بالاقتصاد التونسي وتحرمه من تدفق مالي حيوي بلغ حوالى 5 مليارات دولار، وهو ما اعتبره من بين مؤشرات عديدة على أزمة النشاط الحكومي.
من جهة أخرى، دافع الرئيس التونسي، عن موقفه الخاص بعدم إعلام الصيد بقراره، وهو ما جعل هذا الأخير يفاجأ مثله، كبقية المواطنين بإعلان رئيس الجمهورية عبر الهواء عن ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية.
وكانت تلك هي القشة التي أحدثت أزمة الثقة بين الرجلين، إذ اعتبر السبسي أنه غير مطالب دستوريا أو سياسيا بضرورة التشاور مع رئيس الحكومة الراهن حول تغييرها أو تعديل فريقها، مؤكداً في نفس السياق أنه لم يستشر أحدا في هذا الشأن.
كذلك، أكد السبسي في حواره مع الإعلاميين، أنه مقيد بنص الدستور، وأنه حريص على ذلك، رغم عدم اقتناعه بالنظام السياسي القائم والذي وزع صلاحيات السلطة التنفيذية بطريقة سيئة.
السبسي يؤيد النظام الرئاسي، لكنه يشدد على أنه مؤمن بالديمقراطية وغير مستعد للخروج عليها، وبالتالي لا يجب مطالبته بما ليس من صلاحياته، وإن اعتبر أن ما أقدم عليه في هذا الشأن يندرج ضمن اختصاصاته. وأعاد إلى الأذهان، قوله" لم أشارك في الثورة لكني حافظت عليها من الانزلاق ".
صحيح أنه من الناحية الدستورية لا يحق لرئيس الجمهورية أن يختار رئيسا للحكومة وأن يعينه، لكن من الناحية العملية، وبحكم كونه مؤسس الحزب الفائز في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ونظرا للتحالف القائم بينه وبين حركة النهضة، والتفاف معظم الأحزاب حوله، فإن ترشيح السبسي حاليا لأية شخصية لرئاسة الحكومة سيكون كافيا لكسب ثقة الأغلبية.
إذن، فالسبسي مطالب بحسن اختيار البديل للحبيب الصيد، وذلك بأن يكون أفضل منه، وأكثر جرأة لمواجهة التهديدات الأمنية والاقتصادية والسياسية، وأن يكون قادراً على مواجهة المافيات الصاعدة والعاملة على ضمان هيمنتها على مؤسسات الدولة.
ويبدو واضحاً أن السبسي لم يقتنع، حتى الآن، بأنه يوجد داخل حزب "النداء" من هو قادر على أن يقدم أداء أفضل من الصيد، وهو ما يفتح المجال أمام احتمال أن يكون رئيس الحكومة القادم من خارج الحزب الحاكم، ولكنه مقرب منه.
وفي هذا السياق، انتقد السبسي من يتهمونه بكونه قد انحاز إلى أسرته، ونفى مجددا هذه الاتهامات الرائجة جدا في الأوساط السياسية المحلية.
السبسي، الذي رحبت به أغلبية التونسيين، وأوصلته إلى قصر الرئاسة، يواجه اليوم خطر تدهور شعبيته، واهتزاز صورته في ظل أوضاع صعبة وقاسية.
ورغم كونه قد شكك في مصداقية استطلاعات الرأي الأخيرة، التي أثبتت ذلك، إلا أنه يشعر حاليا بأن عليه أن يفعل أقصى ما يستطيع لمعالجة الأزمة الراهنة، ومهما كانت حدود النجاح لما سيقدم عليه خلال الأيام القليلة القادمة، فالمؤكد أن أي إجراء خاطئ قد يصدر عنه سيكلف تونس الكثير، وستكون له تداعيات خطيرة على مسيرة السبسي السياسية، فهو أولا وأخيرا المسؤول المباشر عن المنعطف الخطير الذي تمر به تونس حالياً.