قالت مصادر مطلعة إن الحكومة التونسية تدرس، وسط تكتم شديد، إمكانية زيادة سعر الخبز، في خطة الدولة لخفض دعم المواد الاستهلاكية الأساسية تدريجياً.
وبالرغم من أن الزيادات في الأسعار طاولت كل المواد الغذائية بنسبة تفوق 40% على مدى السنوات الخمس الماضية، إلا أن التونسيين عموماً يتعاملون بحساسية خاصة مع أي زيادة في أسعار الخبز.
وتحاول وزارة التجارة التخفيف من وطأة القرار المرتقب، مؤكدة على أنّ الزيادة ستكون طفيفة، وعلى أنّ التعديل لن يتجاوز 10 مليمات (الدينار ألف مليم).
وقال مدير عام المنافسة والأبحاث الاقتصادية محمد عيفة، لـ "العربي الجديد"، إن الزيادة المرتقبة ستكون منعدمة التأثير تقريباً، مشيراً إلى أن الوزارة تدرس مع غرفة المخابز السعر الجديد دون تكليف المواطنين أية أعباء جديدة.
وأشار المسؤول بالوزارة إلى أن إقبال التونسيين على أصناف الخبز المدعم يتراجع، وهو ما خفف أعباء صندوق التعويض ونفقات الدعم، فيما تواجه الحكومة صعوبات من نوع آخر بسبب الكميات المهولة للخبز المتلف بسبب الإفراط في الاستهلاك.
ويحتل الخبز في الثقافة الاستهلاكية التونسية مكانة مهمة، وهو ما جعل أغلب الثورات والتحركات الاحتجاجية الكبرى التي مرت بالبلاد مرتبطة بالخبز، وغالباً ما يرفع التونسيون شعار "خبز وماء" في أيام غضبهم.
وفي ظل وضع اجتماعي محتقن، تجد السلطات التونسية حرجاً في الإعلان عن الزيادة في سعر الخبز، خوفاً من اندلاع احتجاجات اجتماعية جديدة، بالرغم من الضغوط المستمرة لدوائر القرار المالي العالمي التي تلح على ضرورة مراجعة الحكومة لسياسة الدعم.
وبالإضافة إلى التفكير في تعديل الأسعار، تسلك الحكومة سياسة توعوية لترشيد استهلاك هذه المادة وتقليص الضغوط على صندوق الدعم.
ويكلف الخبز اقتصاد البلاد مبالغ مالية طائلة، خاصة في ظل ما يتلفه التونسيون من بقايا خبز يومياً، حيث تنتج المخابز التونسية يومياً قرابة 5 ملايين رغيف، منها 3.5 ملايين من الأصناف التي تدعمها الحكومة، بينما تتراوح كميات الخبز التي يتم تبذيرها يومياً بين 700 ألف و800 ألف رغيف، وفق إحصائيات المعهد الوطني للاستهلاك، بسبب سوء تصرف العائلات، أي ما يقارب من 300 ألف دينار يومياً (150 ألف دولار).
ومكنت المكانة المتميزة التي يحتلها الخبز على مائدة التونسيين من تصنيف البلاد الثانية عالميا في استهلاك المعجنات وفق احصائيات حديثة نشرها موقع "اسكنيوز" الإيطالي.
وذكر الموقع أن معدل الاستهلاك الفردي للتونسي من العجائن يرتفع إلى 16 كلغ سنويا.
ويفسر الموقع احتلال التونسيين مرتبة عالمية متقدمة في استهلاك العجين بالعلاقة التاريخية التي تجمعهم بأحد أبرز مكونات الغذاء في الثقافة الغذائية للتونسي إذ هم غالبا ما يربطون بين العمل والخبز بالقول "نخدم على الخبزة"، إلى جانب أنّ تاريخ البلاد يثبت أنّ من أعنف الثورات الاجتماعية التي عرفتها تونس "ثورة الخبز" عام 1984، والتي اندلعت إثر الزيادة في سعر الخبز، وهو ما يؤكد أن العجائن بكل أنواعها وتحديدا الخبر يبقى المادة الغذائية الأكثر استهلاكا لدى التونسيين.