تونس: الهاجس الأمني "قبل الخبز"... والحدود الليبية المشكلة الأكبر

21 أكتوبر 2015
يتطوّر عتاد الأمن التونسي يومياً (حاتم صالحي/الأناضول)
+ الخط -
على الرغم من المشاكل السياسية المتراكمة، التي تشغل الأحزاب التونسية في هذه الفترة الدقيقة، بسبب استعداد أغلبها لعقد مؤتمرات تاريخية في مسيرتها، يبقى الهاجس الأمني سيد الموقف لدى الأحزاب وفي البلاد، ويكاد يكون حجر الزاوية في أغلب مشاريع الدولة واستراتيجيتها، ومحدداً لعلاقاتها الخارجية، الإقليمية تحديداً.

وأظهر استطلاع للرأي، نشرته مؤسسة "سيغما كونساي"، أمس الثلاثاء، أن "نسبة عدم رضا التونسيين عن الوضع العام في البلاد، تجاوزت الـ61 في المئة". وفي هذا الصدد، يقول مدير المؤسسة حسن الزرقوني، لـ"العربي الجديد"، إن "الهاجس الأمني للتونسيين يُحدّد مزاجهم العام، بفعل تراجع القدرة الشرائية وظروف الحياة أمام رغبة التونسيين في استعادة أمنهم، قبل الخبز حتى".

ويبدو أن الحكومة التونسية عازمة على وضع كل إمكاناتها من أجل الاستثمار في تجهيز القوى الأمنية والعسكرية. ويكشف وزير المالية التونسي سليم شاكر، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الدولة ستنتدب في العام المقبل حوالى 12 ألف رجل أمن لوزارتي الداخلية والدفاع، لأن الأهم هو حماية البلاد والحفاظ على أمنها".

ويأتي هذا الانتداب في إطار ملء 15 ألف وظيفة شاغرة، موزّعة على الشكل التالي: 5200 وظيفة في وزارة الداخلية، و6500 في وزارة الدفاع، و1100 في وزارة العدل، و2700 في وزارة الصحة، و190 في وزارة الشؤون الاجتماعية.

وتشكو وزارتا الداخلية والدفاع من قلّة الإمكانيات المادية والبشرية، وهو ما دفع الحكومة إلى عقد اتفاقيات عدة مع عددٍ من الدول الأوروبية والولايات المتحدة، لتعويض النقص الفادح في الأجهزة الإلكترونية والعتاد العسكري لمراقبة الحدود مع ليبيا والجزائر، حيث تتحرك مجموعات "الاٍرهاب" والتهريب. وقد ارتفع مستوى التنسيق بين تلك العصابات في الآونة الأخيرة إلى درجة باتت تُشكّل مجموعات موحّدة، تعمل في تجارة الأسلحة وتهريبها إلى تونس.

اقرأ أيضاً: رئيس "نداء تونس" يُخيّر بين رئاسة الحزب أو البرلمان 

وذكرت وزارة الداخلية التونسية، يوم الإثنين، أنّ "الوحدة الوطنية للأبحاث في جرائم الإرهاب تمكنت من إيقاف شخصين من بلد مجاور (لم تُسمّه)، بيّنت التحريّات استغلالهما التراب التونسي، لعقد صفقات توفير أسلحة نارية من نوع شيلكا، وبي كي تي، وأخرى عيار 14.5 ميليمتراً، إلى جانب 10 سيارات رباعية الدفع مخصصة لجماعات مسلحة".

وبموازاة ذلك، تمكنت وحدات مكافحة الإرهاب بمحافظات تطاوين ومدنين وقابس وسيدي بوزيد (الجنوب)، وأريانة (قرب العاصمة تونس)، من كشف وتفكيك ست خلايا تسفير، تضمّ 27 عنصراً متشدّداً تكفيرياً، من بينهم خمس نساء، بالإضافة إلى عائلة شاركت في أحداث عين طبرنق، في شهر ديسمبر/كانون الأول 2006، كانوا بصدد دخول ليبيا خلسة للالتحاق بالجماعات الإرهابية هناك للتدرّب ثم العودة لاحقاً إلى تونس.

كما تمكنت وزارة الداخلية في ظرف أسبوع واحد، بين 11 و17 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، من إحباط 224 عملية تهريب، قُدّرت قيمتها الإجمالية 2.7 مليار دولار، فضلاً عن توقيف 575 شخصاً، وحجز 130 وسيلة نقل كسيارات وشاحنات. كما حجزت القوات الأمنية منذ نحو أسبوع في مدينة المهدية في الساحل، 25 طناً من الكتب التكفيرية، في مستودع كائن على ملك شخص يدير جمعية خيرية.

وتُعدّ المشكلة على الحدود الجزائرية واضحة، بحكم جاهزية الدولة الجزائرية وانخراطها في محاربة المجموعات المسلّحة، وتنسيقها في هذا الشأن مع السلطات التونسية، خصوصاً أنه في هذا السياق تتطوّر الاستعدادات التونسية بشكل تصاعدي، بفعل حصول الأمن التونسي على معدات مهمة، كالمناظير الليلية والأجهزة الإلكترونية. كل ذلك في انتظار وصول الدفعة الأولى من الطائرات الأميركية المتطورة جداً التي اقتنتها تونس، وتشديد الحصار على المجموعات المسلّحة، التي أصبحت مضطرة لشنّ هجمات على منازل المدنيين القريبة من جبل الشعانبي، حيث يتمركزون، للتزوّد بالمؤن. وأدى ذلك إلى قتل راعي غنم منذ نحو الأسبوع، واختطاف اثنين على متن سيارتهما منذ يومين، لإيصال المؤونة المسروقة إلى الجبل، قبل إطلاق سراحهما.

ويرى مراقبون أن "هذه العمليات تُبيّن شدة الحصار المضروب على الإرهابيين على الحدود مع الجزائر، لكنه يُشكّل أيضاً تحوّلاً نوعياً في عمليات الإرهابيين التي أصبحت تستهدف المدنيين أيضاً". ووفقاً لتقارير إعلامية، فإن الجزائر تنوي أيضاً إنجاز ساتر ترابي في جزء من حدودها الجنوبية مع تونس، لمحاصرة مثلث التهريب الذي يجمع بين ليبيا وتونس ومالي.

وإذا كانت المسألة واضحة مع الجزائر، فإن وجع الرأس الأكبر متأتٍّ من الحدود الجنوبية الشرقية مع ليبيا، حيث أنفقت تونس أموالاً طائلة لتعزيز الساتر الترابي الممتد على أكثر من 200 كيلومتر بوسائل إلكترونية. وقد ساهم الساتر في إيقاف عمليات عدة لتهريب الأسلحة إلى تونس، وتمّ حجز شاحنات كانت تنقل أشكالاً متعددة من الأسلحة إلى الأراضي التونسية.

ويستحوذ الملف الليبي على الجزء الأكبر من الاهتمام التونسي، لتأثيره المباشر على المسألتين الاقتصادية ـ الاجتماعية، والأمنية. وتنحصر الجهود التونسية على المستوى الدولي في البحث عن مخرجٍ للأزمة في جنوب تونس، المُعطّل بفعل ارتباطه التاريخي بليبيا. وقد سعت الحكومة إلى ضخّ الأموال جنوباً، بغية الحدّ من انعكاسات الانفلات الليبي، في ظلّ اقتراب تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) من الحدود التونسية، وتنامي عمليات التهريب إلى درجة أصبحت تُهدد فيه الاقتصاد التونسي بالعمق. غير أن الحلّ في ليبيا بالنسبة إلى السلطات التونسية يبقى سياسياً بالدرجة الأولى، لأن إنهاء الصراع الليبي يبقى الحلّ الأمثل الذي سيقود إلى بداية بناء الدولة، القادرة على مواجهة المجموعات المسلّحة في ليبيا.

وعلمت "العربي الجديد"، في هذا الصدد، أن "حوارات تجري في السرّ في عاصمة عربية مع رجال نظام العقيد المخلوع معمّر القذافي، وتعتبر بعض الأطراف أن الحوار الليبي الجاري حالياً، لن يؤدي إلى حلولٍ واقعية، اذا تمّ استثناء نظام القذافي الذي بقي متغلغلاً في القبائل الليبية، الممسكة بخيوط اللعبة الحقيقية في ليبيا".

وفي السياق، علمت "العربي الجديد" أيضاَ، أن "اللواء خليفة حفتر التقى منذ مدة وزير دفاع دولة أوروبية بارزة في عاصمة مغاربية، وسيلتقي وزيراً آخر في الأيام المقبلة في المكان نفسه، سعياً لمحاولة البقاء رقماً مهماً في المرحلة الليبية الجديدة".

اقرأ أيضاً: السلطات التونسية ترفع حراسة الأمن الرئاسي عن المرزوقي