ذات شتاء، خرج عشرات الآلاف في تونس الخضراء، يصرخون بصوت واحد: "خبز وماء وبن علي لا". هرب بن عليّ، وارتفعت أسعار الخبز وكل ما له علاقة بمعيشة التونسيّين، وحتّى الماء ها هو يشحّ عن المواطنين في مناطق عطشت في عهد الرئيس المخلوع، وما زالت عطشى حتّى بعد هروبه.
يبدو الحديث عن مشكلة الماء في تونس لمن لا يعرفون البلاد جيّداً مغالاة، أو تهويلاً في معضلة يظنّها البعض خياليّة، نظراً لطبيعة البلاد الحبلى بالأنهار والبحيرات وخصائصها المناخيّة الممطرة طوال أكثر من نصف السنة. ولكنّ جولة صغيرة في غرب البلاد وجنوبها، ستكشف أنّ "الخضراء" تذبل، وأن الحصول على الماء الصالح للشرب لا يزال إحدى الأساسيات المفقودة في مئات القرى.
"الأخضر ليس سوى لون الواجهة، أما الباقي فهو يسير شيئاً فشيئاً نحو التصحّر والجفاف"، هكذا بدأت المتخصصة في الدراسات البيئيّة والمناخ، نور الهدى شعبان، كلامها. فقد أكّدت أنّ تونس كغيرها من الدول العربيّة تعاني من مشكلة شحّ الموارد المائيّة. فثلاثة أرباع حاجيات البلاد من الماء يتم توفيرها اعتماداً على المياه السطحيّة أي مياه الأنهار والأمطار. والمشكلة الأساسيّة، وفق شعبان، أنّ الأمطار في تونس لا تتركّز إلا في مناطق محدودة في شمال البلاد وغربها، كما أنّ الكميّات السنويّة متذبذبة، ممّا يجعل من خطر الجفاف هاجساً سنويّاً مرتبطاً بالعوامل المناخيّة.
أمّا العامل الثاني المسبّب لمشكلة شحّ المياه فهو استهلاك ما يزيد عن 58% من احتياطي المياه العذبة في الزراعة، في حين لا يتجاوز نصيب الأفراد للمياه الصالحة للشرب 18%، بحسب الدراسات الصادرة عن وزارة الزراعة والصيد البحري السنة الماضية. وأضافت شعبان أنّ الدولة تجد نفسها مرغمة على استنزاف الثروة المائيّة في الأنشطة الفلاحية، نظراً لاعتماد الاقتصاد المحليّ على الزراعة التي تساهم في 8% من الناتج المحليّ، وتشغّل 17% من إجمالي اليد العاملة، بالإضافة إلى شحّ الأمطار في باقي المناطق الزراعيّة وسط وجنوب البلاد، وهو ما يدفع مصالح الريّ إلى ضخّ المياه إلى تلك المناطق التي تمارس الزراعات السقويّة.
أمّا عن ظاهرة العطش، خصوصاً في المناطق الداخليّة والقرى الجبليّة في شمال البلاد الغنيّة بالمياه، فقالت شعبان إنّ التقرير الأخير لبنك التنمية الألماني يشير إلى أنّ معضلة العطش لا تقتصر على فئة من التونسيّين دون غيرها، فموارد المياه محدودة، سواء من حيث الكمية أو النوعية. إلا أنها لا تنفي وجود فروق في كميات المياه.
وقالت الخبيرة في الهندسة الهيدروليكيّة وإدارة الموارد المائيّة، نهلة الباجي، إنّ الدولة استثمرت في مشاريع كبرى كالسدود للمحافظة على الموارد المائيّة للبلاد، ولكنّ الخلل الرئيس يكمن في عملية التوزيع التي تتوّلاها عدّة أطراف. ولفتت إلى أنّ توزيع الماء بصفة عامّة هو من اختصاص الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه التي تعمل تحت إشراف وزارة الفلاحة، وهي المسؤولة الرئيسيّة عن نظام إمدادات المياه في المناطق الحضرية وفي المراكز الريفية الكبيرة. ولكنّها لا تتكفّل بإمدادات المياه إلى القرى الصغيرة والمناطق الجبلية. ويعود ذلك إلى صعوبة هذه العمليّة من الناحية الفنيّة وضخامة الاستثمارات التي تتطلّبها.
أمّا عن انقطاعات المياه المتكرّرة في تلك المناطق فهي تعود إلى تقاعس السلطات الرسميّة في صيانة وإصلاح الأعطاب التي تلحق بمعدّات الضخّ أو بالخزّانات، بالإضافة إلى مشاكل التوصيل بالكهرباء اللازمة لتشغيل مضخّات الماء، وفق الباجي. وأضافت أنّ المعاناة في تلك المناطق مضاعفة، فالأوضاع الاجتماعيّة والاقتصادية للأهالي لا تسمح لهم بشراء صهاريج المياه وتخزين حاجياتهم، إذ تكلّف تلك الصهاريج ما يقارب 15 دولاراً، في حين لا يزيد الدخل الشهري لسكان تلك القرى عن 150 دولاراً شهريّاً. كما أنّ البنى التحتيّة وغياب موزعي المياه، كما هو الحال في المدن، يمنعهم من التحايل على انقطاع الماء عبر اقتناء قوارير المياه المعدنيّة لاستهلاكهم اليوميّ، فهذا الخيار يعدّ من المستحيلات لأناس لم ينالوا الحد الأدنى من أساسيات الحياة قبل الحديث عن كمالياتها.
"الأخضر ليس سوى لون الواجهة، أما الباقي فهو يسير شيئاً فشيئاً نحو التصحّر والجفاف"، هكذا بدأت المتخصصة في الدراسات البيئيّة والمناخ، نور الهدى شعبان، كلامها. فقد أكّدت أنّ تونس كغيرها من الدول العربيّة تعاني من مشكلة شحّ الموارد المائيّة. فثلاثة أرباع حاجيات البلاد من الماء يتم توفيرها اعتماداً على المياه السطحيّة أي مياه الأنهار والأمطار. والمشكلة الأساسيّة، وفق شعبان، أنّ الأمطار في تونس لا تتركّز إلا في مناطق محدودة في شمال البلاد وغربها، كما أنّ الكميّات السنويّة متذبذبة، ممّا يجعل من خطر الجفاف هاجساً سنويّاً مرتبطاً بالعوامل المناخيّة.
أمّا العامل الثاني المسبّب لمشكلة شحّ المياه فهو استهلاك ما يزيد عن 58% من احتياطي المياه العذبة في الزراعة، في حين لا يتجاوز نصيب الأفراد للمياه الصالحة للشرب 18%، بحسب الدراسات الصادرة عن وزارة الزراعة والصيد البحري السنة الماضية. وأضافت شعبان أنّ الدولة تجد نفسها مرغمة على استنزاف الثروة المائيّة في الأنشطة الفلاحية، نظراً لاعتماد الاقتصاد المحليّ على الزراعة التي تساهم في 8% من الناتج المحليّ، وتشغّل 17% من إجمالي اليد العاملة، بالإضافة إلى شحّ الأمطار في باقي المناطق الزراعيّة وسط وجنوب البلاد، وهو ما يدفع مصالح الريّ إلى ضخّ المياه إلى تلك المناطق التي تمارس الزراعات السقويّة.
أمّا عن ظاهرة العطش، خصوصاً في المناطق الداخليّة والقرى الجبليّة في شمال البلاد الغنيّة بالمياه، فقالت شعبان إنّ التقرير الأخير لبنك التنمية الألماني يشير إلى أنّ معضلة العطش لا تقتصر على فئة من التونسيّين دون غيرها، فموارد المياه محدودة، سواء من حيث الكمية أو النوعية. إلا أنها لا تنفي وجود فروق في كميات المياه.
وقالت الخبيرة في الهندسة الهيدروليكيّة وإدارة الموارد المائيّة، نهلة الباجي، إنّ الدولة استثمرت في مشاريع كبرى كالسدود للمحافظة على الموارد المائيّة للبلاد، ولكنّ الخلل الرئيس يكمن في عملية التوزيع التي تتوّلاها عدّة أطراف. ولفتت إلى أنّ توزيع الماء بصفة عامّة هو من اختصاص الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه التي تعمل تحت إشراف وزارة الفلاحة، وهي المسؤولة الرئيسيّة عن نظام إمدادات المياه في المناطق الحضرية وفي المراكز الريفية الكبيرة. ولكنّها لا تتكفّل بإمدادات المياه إلى القرى الصغيرة والمناطق الجبلية. ويعود ذلك إلى صعوبة هذه العمليّة من الناحية الفنيّة وضخامة الاستثمارات التي تتطلّبها.
أمّا عن انقطاعات المياه المتكرّرة في تلك المناطق فهي تعود إلى تقاعس السلطات الرسميّة في صيانة وإصلاح الأعطاب التي تلحق بمعدّات الضخّ أو بالخزّانات، بالإضافة إلى مشاكل التوصيل بالكهرباء اللازمة لتشغيل مضخّات الماء، وفق الباجي. وأضافت أنّ المعاناة في تلك المناطق مضاعفة، فالأوضاع الاجتماعيّة والاقتصادية للأهالي لا تسمح لهم بشراء صهاريج المياه وتخزين حاجياتهم، إذ تكلّف تلك الصهاريج ما يقارب 15 دولاراً، في حين لا يزيد الدخل الشهري لسكان تلك القرى عن 150 دولاراً شهريّاً. كما أنّ البنى التحتيّة وغياب موزعي المياه، كما هو الحال في المدن، يمنعهم من التحايل على انقطاع الماء عبر اقتناء قوارير المياه المعدنيّة لاستهلاكهم اليوميّ، فهذا الخيار يعدّ من المستحيلات لأناس لم ينالوا الحد الأدنى من أساسيات الحياة قبل الحديث عن كمالياتها.