كسر برلمان تونس تعهدات الحكومة، بعدم فرض ضرائب جديدة خلال العام المقبل 2019، ليؤيد في خطوة مفاجئة فرض مساهمة استثنائية بنسبة 1% على أرباح البنوك وشركات التأمين والاتصالات والمحروقات، خلال مناقشته قانون المالية للعام المقبل (الموازنة).
وجاء إقرار هذه الضريبة، مساء أمس الأحد، استجابة لما دعت له كتل برلمانية، بشأن ضرورة إشراك المؤسسات الخاصة التي تحقق أرباحا في تحسين الوضع المالي لصناديق المعاشات التي بلغت مرحلة العجز الهيكلي.
ولم تتضمن نسخة مشروع قانون المالية المقدم من الحكومة، هذا الصنف من الضرائب، ما تسبب في ارتباك بسوق الأسهم (البورصة)، حيث تراجع المؤشر العام للسوق في تداولات أمس الإثنين، متأثرا بهبوط أسهم البنوك التي تمثل أكثر من 50% من مجموع الشركات المدرجة.
ومن المقرر أن تطبق المساهمة الاستثنائية بداية من الأول من يناير/كانون الثاني المقبل، وتوجه عائداتها إلى الصناديق الاجتماعية، رغم إقرار ضريبة بنسبة 1% على الدخل في قانون مالية العام الجاري 2018، وجهت لتعزيز الموارد المالية لهذه الصناديق.
وبرر سالم الأبيض عضو البرلمان، تبني مساهمة استثنائية من معاملات البنوك وشركات التأمين والاتصالات والمحروقات، بقدرتها على تحمل ضرائب إضافية نظرا لحجم الأرباح المهمة التي تحققها.
وقال الأبيض، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "كل الكتل البرلمانية أجمعت على أن المساهمة الجديدة ستؤدي إلى إنقاذ صناديق المعاشات من الإفلاس"، مضيفا أن "الحكومة تبنت التعديل الذي أدخله البرلمان على قانون المالية والذي لم تتضمن نسخته الأولى هذا النص نظرا لتعهدها بعدم فرض ضرائب جديدة خلال 2019".
وتابع أن "دراسة جدوى الإجراء الجبائي الجديد أثبتت أن قطاع البنوك وحده قادر على توفير 65 مليون دينار (22 مليون دولار) سنوياً لصالح صناديق المعاشات"، مشيرا إلى أن هذه الضريبة التي أقرها البرلمان ليست استثناء تونسيا، وأن إسبانيا تبنت أخيراً إجراءً مماثلا من أجل ضمان حقوق المتقاعدين.
لكن خبراء ماليين انتقدوا ما سموه "قرارات اللحظات الأخيرة"، التي تتخذ دون أي دراسة جدوى أو استشارة للقطاعات المهنية، معتبرين أن من شأن هذه الضريبة أن تزيد الأعباء المالية التي تتحملها الشركات.
وقال وليد بن صالح، الخبير المالي والجبائي، إن "مصادقة البرلمان على هذه الضريبة دون مناقشة مسبقة يؤكد إصرار الدولة على إغراق المؤسسات بالضرائب دون تحقيق فائدة اقتصادية تذكر".
وأضاف بن صالح أن رد فعل السوق المالية كان سريعا، حيث شهدت البورصة في التعاملات الصباحية تهاوي أسهم البنوك التي تمثل أكثر من 50% من مجموع الشركات المدرجة، وكذلك هبوط أسهم قطاعي التأمين والاتصالات.
وتابع صالح أن "فرض ضرائب جديدة لفائدة صناديق المعاشات لن يساعد على إصلاحها نظرا لغياب خطة إصلاح واضحة"، متوقعا أن تسبب الزيادة المرتقبة في الضرائب على هذا الصنف من المؤسسات زيادة رسوم التأمين والاتصالات والخدمات البنكية، على اعتبار أن الشركات المعنية بالجباية الجديدة لن تتحمل بمفردها الضريبة المفروضة عليها وستتقاسمها مع العملاء، ما يعمّق الأزمة المعيشية للتونسيين أكثر.
ويبدأ البرلمان التونسي في وقت لاحق من ديسمبر/كانون الأول الجاري، في مناقشة مشروع قانون جديد للتقاعد يطرح حلولا لتعبئة موارد مالية لفائدة صناديق المعاشات، منها رفع سن التقاعد إجباريا إلى 62 عاما، ثم التدرج إلى سن 65 عاماً مع الزيادة في مساهمات الأعضاء وهي خيارات تصطدم برفض النقابات العمالية وكتل برلمانية.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قال وزير الشؤون الاجتماعية محمد الطرابلسي أمام البرلمان إن عجز الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية (صندوق معاشات القطاع الحكومي) يصل شهرياً إلى حدود 100 مليون دينار (35 مليون دولار).
وأشار الوزير إلى أن الدولة تساهم بصفة استثنائية بقيمة تتراوح بين 80 و100 مليون دينار شهرياً، لضمان سداد أجور المتقاعدين في آجالها، لافتا إلى أن معدل مخصصات المتقاعدين في تونس يناهز شهريا 1.2 مليار دينار (428 مليون دولار)، في حين أن استخلاص مستحقات الصناديق الاجتماعية لدى المؤسسات العمومية أقل بكثير.
وتعد أزمة الصناديق الاجتماعية من الملفات العالقة منذ أكثر من 12 سنة، حيث تنبهت الحكومة إلى هذا الوضع المالي الحرج منذ 2005، غير أن تأخر الحكومة والأطراف الاجتماعية في بحث الحلول أدى إلى تأزم وضعيتها، ما جعل وزارة الشؤون الاجتماعية تقرع أجراس الخطر.