تونس: "ضرورات" مهّدت لاستئناف العلاقات مع سورية

27 يوليو 2015
المرزوقي قطع العلاقات مع سورية (Getty)
+ الخط -
عادت العلاقة المتشابكة بين تونس وسورية إلى الواجهة، بعد تعيين وزارة الخارجية التونسية إبراهيم الفواري قنصلاً جديداً في دمشق، لمتابعة الشؤون التونسية بسورية. ويُشكّل القرار تحوّلاً هاماً في العلاقات الثنائية بين البلدين، لكونه يُمثّل نقلة نوعية نحو التطبيع الدبلوماسي الكامل مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد. مع ذلك لم يمرّ القرار من دون طرح تساؤلات عدة، كونه جاء في سياق سياسي محلي وإقليمي هام ودقيق، في سورية وفي تونس على حدّ سواء.

تُعتبر العلاقات التونسية ـ السورية من بين الملفات المثيرة للجدل لدى السياسيين التونسيين، فمنذ أن قرر الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين خلال سنة 2012، والخلاف قائم بين من رأى في ذلك "خطأً سياسياً فادحاً"، وبين من يعتقد بأن "الإجراء ينسجم تماماً مع الدبلوماسية الثورية القائمة على مناصرة الشعوب المقاومة للدكتاتورية".

وعلى الرغم من الانتقادات الحادة التي وجّهها خصوم المرزوقي له بسبب القرار، إلا أن انتخاب الباجي قائد السبسي رئيساً، وتحوّل السلطة من "الترويكا" إلى "الائتلاف الحاكم" بقيادة حزب "نداء تونس"، لم يترتب عنه حدوث تغيير جوهري في العلاقة بين البلدين.

ولم يكن تعيين الفواري "مفاجئاً"، باعتبار أن حزب "نداء تونس" وعد مناصريه خلال حملته الانتخابية، البرلمانية والرئاسية، باستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في حال نجاحه. لذلك عمل وزير الخارجية التونسي الطيب البكوش على التعجيل بتنفيذ هذا الوعد، منذ تولّيه حقيبة الخارجية، لكنه اصطدم في ذلك الوقت باعتراض رئيس الجمهورية، المسؤول الأول في الملف الدبلوماسي، وفق الصلاحيات التي حددها الدستور.

اقرأ أيضاً "قانون الاٍرهاب" التونسي: إجماع رغم المخاوف على الديمقراطية

لم يكن الاعتراض قائماً يومها على مبدأ استئناف العلاقات من عدمه، إذ لا خلاف بين الرجلين حول ضرورة إنهاء القطيعة بين تونس وسورية، إلى جانب كونهما ينتميان إلى الحزب نفسه الذي نجح في الانتخابات. غير أن الفارق بين رئيس الجمهورية ووزير الخارجية كان حول المنهجية التي يجب اعتمادها لتحقيق هذا الهدف، إلى جانب الصيغة الأفضل التي يُفترض الأخذ بها لتمرير القرار من دون إثارة ردود فعل سلبية مع قبل أطراف إقليمية ودولية، يحرص الحاكمون حالياً في تونس على إبقائهم ضمن دائرة الأصدقاء أو الحلفاء.

على هذا الأساس تم اعتماد "التدرّج" في عملية "التطبيع" بين البلدين، وفق ما أكده مصدر مسؤول لـ"العربي الجديد". وأفاد المصدر أن "العرف الدبلوماسي جرى على أساس تبادل الترفيع التدريجي بين بلدين، لقياس درجة استعداد كل منهما في استعادة نسق علاقات قديمة".

ومن أجل الوصول إلى هذه الغاية، تم تعيين الفواري، في خطوة لا يُمكن تفسيرها إلا بعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد قطيعة استمرت ثلاث سنوات. لكن هذه الخطوة لا تزال دون ما يتمناه نظام دمشق، أو تطالب به قوى سياسية واجتماعية كثيرة داخل تونس، سواء كانت حليفة لحزب "البعث" السوري أو معارضة له.

ولا تزال هذه القوى تضغط من أجل استئناف فوري للعلاقات، ورفعها إلى مستوى "تعيين السفراء"، لإنهاء ما يعتبرونه "إصلاح الخطأ الكبير الذي حصل من قبل"، في حين أن رئاسة الجمهورية في تونس، اختارت بالتعاون مع وزير الخارجية، الاكتفاء بتعيين قنصل عام يتولى متابعة العلاقات الثنائية، إلى جانب رعاية مصالح الجالية التونسية في سورية.

ويحرص الطرف التونسي على تجنّب القرارات التي تجعله يصطدم بالتوجهات الدولية المتعلقة بنظام دمشق، من دون أن يعني ذلك "فقدان استقلالية القرار السيادي لتونس". لكن ذلك لا ينفي وجود خلافات، حتى داخل مكوّنات التحالف الحاكم في تونس، حول ما يجري داخل سورية.

ويعتقد التيار الغالب داخل "نداء تونس" أنّ "سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أو جبهة النصرة، على جزء هام من أراضي سورية عامل خطر، نظراً لتوجه الآلاف من التونسيين إلى مناطق النزاع، مع ما يُمثله ذلك من تهديد للأمن الاستراتيجي التونسي".

في حين تعتبر "حركة النهضة"، أن "تعيين القنصل ليس مبرراً كافياً لغضّ الطرف عن مسؤولية نظام الأسد في تدهور الحالة السورية، وضرورة تحميله المسؤولية السياسية والأخلاقية، من دون التقليل من حجم التهديدات الصادرة عن التنظيمات الإرهابية على الاستقرار في تونس".

وبات من المؤكد أن العلاقات التونسية ـ السورية تتجه نحو الاستئناف، لكن الطريق لا يزال طويلاً نظراً لتجاوز الملف السوري تونس وإرادة حكامها بكثير. بالتالي باتت العلاقات الثنائية مرتبطة بما ستشهده الأوضاع الميدانية والإقليمية والدولية داخل سورية وحولها.

وحتى تنجلي الأمور، ستبقى الأولوية لدى الدبلوماسية التونسية في هذه المرحلة، العمل على رعاية مصالح التونسيين المقيمين في سورية تحت سلطة نظام الأسد، الذين يتعرّضون لصعوبات كثيرة وخطيرة، إلى جانب رصد حركة التونسيين الذين التحقوا بالتنظيمات المسلحة، تحديداً في صفوف "داعش" أو "جبهة النصرة"، نظراً لما يشكّلونه من تهديد لتونس ولنظامها السياسي.

اقرأ أيضاً: تونس.. ساركوزي يلبي النداء
المساهمون