يبدو أن التوجس الإسباني من تحركات المغرب لتعزيز ترسانته العسكرية، في الآونة الأخيرة، قد أخذ أبعاداً أخرى، بعدما أطلقت أطراف سياسية في الجارة الشمالية تحذيراً من ارتفاع نفقاته العسكرية، وكذا من العلاقات المتنامية بين الرباط وواشنطن، المزود الرئيسي للمملكة بالأسلحة.
وعلى الرغم من أن تحركات المغرب لتعزيز ترسانته العسكرية ليست بالمعطى الجديد خلال السنوات العشر الأخيرة، إلا أن قلقاً جديداً لدى الأوساط الحزبية الإسبانية بدا لافتاً، بعد أن تقدم حزب "فوكس" اليميني المتطرف بمقترح إلى البرلمان، دعا من خلاله حكومة بيدرو سانشيز إلى الرفع من استثماراتها الدفاعية لبلوغ نسبة 2 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، وكذا تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة لمواجهة التسلح العسكري المغربي والجزائري خلال السنوات الأخيرة، وفقاً لما أوردته وكالة الأنباء الإسبانية غير الرسمية "أوربا بريس"، أمس الاثنين.
ولئن كان حزب "فوكس" يقر بالحق "الشرعي" للمغرب في اتباع مسار تعزيز ترسانته العسكرية، ويعتبره من "الشركاء والأصدقاء"، إلا أنه يرى ضرورة أن تحافظ إسبانيا على تفوقها العسكري في منطقة غرب البحر الأبيض المتوسط، ولا سيما في ظل توفر الرباط على جيش قوامه 200 ألف جندي، يعد من بين الجيوش الأكثر حداثة في أفريقيا، بفضل زيادة الإنفاق الدفاعي بنسبة 50 بالمائة في السنوات العشر الماضية.
وفي الوقت الذي دعا فيه الحزب السلطات الإسبانية إلى ضرورة إعداد تقرير مقارن بين القدرات العسكرية لكل من إسبانيا والمغرب والجزائر، قصد الوقوف على حجم الإنفاق العسكري لهذه البلدان، حذّر "فوكس" من العلاقات المتنامية بين المغرب والولايات المتحدة، باعتبارها مفتاح الرباط لنيل الدعم في حالة نشوب نزاع مع الدول المجاورة، أو للمطالبة بالسيادة على الأراضي أو البحار القريبة من المغرب، في إشارة إلى مدينتي مليلية وسبتة المحتلتين وجزر الكناري.
وعلى الرغم من العلاقات الجيدة التي تسود في عهد الاشتراكيين بين مدريد والرباط واستبعاد نشوب حربٍ بين الطرفين رغم التوترات التاريخية، إلا أن تقارير إعلامية إسبانية تحدثت، خلال الأشهر الماضية، عن توجس المؤسسة العسكرية من "تطوير سلاح الجو المغربي"، وكذا من إعلان الرباط إبرام صفقات عسكرية ضخمة مع واشنطن، كانت آخرها صفقة صواريخ هاربون، التي تتميز بقدرتها العالية على ضرب الأهداف المهددة للممرات البحرية، وبقدرة إصابة دقيقة في البحر وعلى الأرض.
الرباط أبرمت صفقات عسكرية ضخمة مع واشنطن كان آخرها صفقة صواريخ هاربون التي تتميز بقدرتها العالية على ضرب الأهداف المهددة للممرات البحرية
وبرأي الخبير المغربي في الشؤون الجيو استراتيجية والأمنية الشرقاوي الروداني، في حديث لـ"العربي الجديد"، فإن هذا التوجس ليس جديداً، على اعتبار التحول الكبير في معادلات القوى ونقط الارتكاز الاستراتيجية في منطقة غرب حوض البحر الأبيض المتوسط، معتبراً أن الخطاب اليميني الأمني العسكري في إسبانيا يمتد من العقيدة العسكرية الإسبانية التي لا تزال تريد فرض تفوق استراتيجي على دول الجنوب، خاصة المملكة المغربية التي تجمعها معها ملفات استراتيجية وحساسة عدة.
وتبعاً لذلك، تحظى التحركات المغربية على مستوى الهندسة والخصوصيات الفنية لقواته العسكرية باهتمام كبير لدى مدريد، التي ترى في أي علاقة استراتيجية للمملكة المغربية مع دولة من الدول الصناعية الكبرى محدداً قادراً أن يغير من واقع التوازنات على الأرض، وكذلك على مستوى موازنة الدفاع الإسباني التي تريد أن تبقي على مستوى معين من الإنفاق العسكري، بحسب الخبير المغربي.
وأضاف "من الواضح بأن هناك اهتماماً إسبانياً بالمنظومة الأمنية المغربية لاعتبارات كثيرة، منها ضبط أي تكتيك عسكري، على اعتبار أن مراكز القيادة العسكرية في الاستراتيجيات مرتبطة في أسلوبها وعملياتها بقوة المعدات على مستوى التحرك الأرضي والجوي للقوات المسلحة العسكرية".
وأوضح الروداني أنه "في السنوات الأخيرة، طورت المملكة المغربية قواتها العسكرية على مستوى الموارد البشرية والمعدات، كما أن ترسيم الحدود البحرية المغربية أعطى قوة وإشارات مهمة في بلورة استراتيجيات مهمة لحفظ الأمن في مجال جيوسياسي تعتبره مدريد حيوياً بالنسبة لها"، مشيراً إلى أن الوعاء القانوني للمملكة أصبح منفتحاً ومتقدماً في منحى تقوية السيادة الوطنية على مستوى الصناعة العسكرية، وكذلك الأمن القومي المغربي بما فيه الأمن السيبراني.
وبحسب الخبير المغربي، فإن العلاقات الثنائية والاستراتيجية بين المملكة المغربية والولايات المتحدة الأميركية، والدور الكبير الذي أصبحت تلعبه المملكة على مستوى تدبير ملفات قارية، أصبحت تزعج أطرافاً متعددة. كما أن الدور المتنامي للرباط في مجموعة من التحالفات بات مصدر قلق لبعض الجهات في إسبانيا، التي أصبحت ترى فيه منافساً استراتيجياً في توقعات مهمة على مستوى الهندسة العسكرية الأميركية.
وبيّن الروداني أن المغرب، في إطار شراكاته الاستراتيجية، حافظ دائماً على مساحة كبيرة من التفاهمات مع مدريد حول ملفات مهمة، وقد لعبت الرباط ولا تزال دوراً محورياً في الحفاظ على أمن اسبانيا من خلال تعاون أمني وثيق ورفيع، لافتاً إلى أن هذا الارتباط الاستراتيجي أصبحت تدركه مجموعة من الدول الغربية التي أصبحت تعرف أن المملكة المغربية بلد التأثير الاستراتيجي، وأنه أصبح ضرورة ملحة في المعادلات بين الشمال والجنوب، وهو ما تترجمه المناورات العسكرية المتعددة الأطراف كالأسد الأفريقي، ومشاركة القوات المسلحة الملكية في مجموعة من المناورات الدولية في إطار ثنائي أو متعدد الأطراف كمناورات "فلنت لوك".