تبدو الأزمة الأخيرة بين دول مجلس التعاون الخليجي في كثير من تجلياتها ابنة شرعية وطبيعية للراهن العربي المأزوم والمؤسف. وإن كان للمرء أن يحزن على حال هذا المجلس، فذلك لكونه البناء الوحدوي العربي الوحيد الذي صمد لسنوات طويلة، بعد تعثر كل محاولات الاتحاد والتعاون بين أقطار عربية في المشرق والمغرب.
ورغم تعدد الأزمات البينية التي مر بها مجلس التعاون الخليجي، ودوله الأعضاء، منذ تأسيسه مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، غير أن اللافت في الأزمة الخليجية الراهنة، إذ تصطف السعودية والبحرين والإمارات في خندق مواجه لدولة قطر، هو منسوب السقوط الإعلامي والسياسي المرتفع مقارنة بما كان يحدث في أزمات سابقة، من قبيل خلاف السعودية والإمارات في العام 2009، الذي وصل إلى حد إغلاق السعودية حدودها أمام الإمارات، والأزمة العمانية – الإماراتية في العام 2011، بعد ضبط مسقط شبكة تجسس إماراتية على أراضيها، وصولاً إلى أزمة عام 2014 بين قطر من جهة والإمارات والسعودية من جهة أخرى.
ودون الخوض في الابتذال الذي عكسته شاشات بعض القنوات الإعلامية، وتجاوز كثير منه قاع الدرك الأسفل، وبعيداً عن الهبوط الذي ظهر على صفحات بعض الصحف الصفراء والخضراء، وقد وصل كثير منه إلى حافة الهبل، فإن المحزن والمُؤسف في ما يجري هو تهاوي الدبلوماسية السعودية منذ وفاة عميدها وعمادها، سعود الفيصل. فمهما اختلف القوم على الرجل في حياته الطويلة والحافلة، إلا أن الشهادة تقتضي الاعتراف بأن الراحل كان يتقن السير على "حافة الهاوية" ببراغماتية عالية ودقيقة، أهّلته للبقاء على رأس الدبلوماسية السعودية لأربعة عقود، استحق بها لقب "عميد الدبلوماسية الدولية".
الوضع المُؤسف الذي انحدرت إليه الدبلوماسية السعودية منذ وفاة سعود الفيصل، وتولي عادل الجبير حقيبة الخارجية، ظهر جلياً في قلة خبرة الوزير الجديد على ترجمة المصالح السعودية، رغم أن حرفته الأساسية هي الترجمة. بل حرف نهج سلفه سعود الفيصل، في الدبلوماسية الناعمة والرزينة، البعيدة عن الأضواء، نحو دبلوماسية استعراضية ارتجالية، لم تثمر حتى اللحظة إلا زج المملكة في أزمات خارجية حرجة، لا يبدو أن حصار دولة قطر الظالم، في شهر رمضان، وزعزعة وحدة مجلس التعاون الخليجي ومستقبله، سيكون آخرها.