استمع إلى الملخص
- التحديات الاقتصادية والسياسية للنظام السوري: يواجه النظام ديوناً كبيرة لإيران تُقدّر بـ50 مليار دولار، مما دفعه لتحسين علاقاته مع دول مثل الإمارات والسعودية، في ظل تراجع الدعم الإيراني والمطالبة بتسديد الديون.
- التنافس الإيراني-الروسي في سوريا: يشهد النفوذ الإيراني تحديات بسبب التنافس مع روسيا، رغم التعاون بينهما. تسعى إيران لتعزيز نفوذها في جنوب سوريا، مستغلة انسحاب بعض القوات الروسية نتيجة الحرب في أوكرانيا.
يبدو موقف النظام السوري من الحرب الإسرائيلية على لبنان وضد حزب الله الأكثر إثارة للاهتمام والمراقبة، وذلك لأسباب عديدة، أولها هو أن سورية هي الدولة الأساسية في تحالف محور المقاومة الذي شكّلته إيران من أجل خدمة مشروعها في الشرق الأوسط والخليج العربي، ويضم إلى حزب الله اللبناني فصائل الحشد الشعبي العراقية، وجماعة الحوثيين في اليمن، وحركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين.
السبب الثاني هو أهداف الحرب، التي يبدو منها أنها موجّهة إلى ضرب المشروع الإيراني في الشرق الأوسط، حيث تضع إسرائيل ثقلها في المرحلة الأولى على توجيه ضربة قاصمة إلى حزب الله في لبنان، ولكنها لن تستثني في مرحلة ثانية استهداف وجوده في سورية، حيث ينتشر على مساحات واسعة من الجغرافيا السورية، تمتد من أقصى الشرق في ريف محافظة دير الزور وحتى أقصى الجنوب في محافظتي السويداء ودرعا والجولان، مروراً بحلب وإدلب وحمص ودمشق. والسبب الثالث هو العلاقة الوثيقة والروابط المتينة بين حزب الله ونظام بشار الأسد، التي تعززت بشكل قوي خلال الدعم العسكري الذي قدّمه له الحزب منذ بداية الثورة السورية، وقد شارك بفعالية في أهم المواجهات التي خاضها النظام، ولا يزال يحتفظ بعدة آلاف من مقاتليه منتشرين في سورية.
تقدّر ديون الأسد لطهران بحدود 50 مليار دولار
لا "وحدة مصير" بين الأسد ومحور المقاومة
انطلاقاً من هذه المعادلات، يرتبط النظام السوري وحزب الله بوحدة المصير ضمن محور المقاومة وما يلحق أحدهما من ضرر ينعكس تلقائياً، وعلى نحو سريع، على الآخر. ومثل ما نَجَد الحزب النظام، كان من المتوقع أن يرد النظام الجميل، ويتحرك من أجل مساندة حليفه، ولكن ذلك لم يحصل، وقد شكّل صدمة كبيرة، البيان الهزيل الذي صدر عن وزارة خارجية النظام السوري واعتبر أن اغتيال إسرائيل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله هو "عدوان دنيء". وجاء في بيان مقتضب لم يتجاوز عدد كلماته الخمسين: "تشارك الجمهورية العربية السورية الشعب اللبناني الشقيق أحزانه بمصابه الجلل باستشهاد سماحة السيد حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله... وتعلن الحداد الرسمي العام لمدة ثلاثة أيام".
لا يمتلك النظام المقومات العسكرية لدعم حزب الله، بعد أن باتت سورية مكشوفة بصورة تامة أمام إسرائيل، التي نفّذت عليها عدداً كبيراً من العمليات العسكرية التي استهدفت الوجود الإيراني، ومن الواضح أن النظام ليس في وضع من يستطيع المشاركة العسكرية، لكن الوقائع تبيّن أنه لا يريد ذلك، ولو على نحو رمزي.
لا يريد النظام الانخراط في المعركة. وقد ساد الظن أن سبب ذلك، عندما تعلق الأمر بإسناد غزة، يعود إلى موقف النظام السلبي من حركة حماس، لكن عدم إبداء أي موقف حتى لو كلامي، يكشف عن مسافة مع محور المقاومة تجلت صراحة خلال الأشهر الأخيرة، والتي امتنع فيها النظام عبر وسائل إعلامه عن بثّ خطابات نصر الله، والتي كانت مؤشراً صريحا إلى أن المواجهة ذاهبة إلى تصعيد كبير، خصوصاً بعد اغتيال المسؤول العسكري الأول للحزب فؤاد شكر في ضاحية بيروت الجنوبية في 30 يوليو/تموز الماضي.
بدأ النظام انسحابه التدريجي من محور المقاومة منذ بداية حرب إسرائيل على غزة، وقد قام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بزيارة خاصة لهذا الغرض إلى طهران في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، وقام بشار الأسد بزيارة إلى موسكو في يوليو الماضي. وفي زيارة لافروف، جرى بحث مسألة أساسية وهي ضرورة إعفاء النظام من التزامات محور المقاومة لأنه في ظل أوضاعه الاقتصادية والعسكرية، لا يستطيع أن يتحمل أي عبء، وقد ينهار في أي لحظة. وفي لقاء موسكو، تحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع الأسد صراحة، وخلال بث مباشر، نبّه من خطورة تطورات الوضع في الشرق الأوسط، وتأثير ذلك "بشكل مباشر" على سورية. وبحسب مصادر أوروبية، فإن بوتين نقل للأسد مخاوفه من مسألتين مهمتين في حال مشاركته في التصعيد: الأولى هي أنه من غير المستبعد أن تستهدفه إسرائيل شخصياً، وبذلك تخرق قواعد الاشتباك بينها وبين روسيا في سورية، والثانية هي أن أي اشتباك بين النظام وإسرائيل سوف ينعكس على القوات الروسية المنتشرة في سورية، والتي تؤمن حماية جوية للنظام.
بانتظار وعود الإعمار
ويمكن التوقف في هذا السياق عند دور كل من الإمارات والسعودية في سحب النظام السوري خارج محور المقاومة وعملت أبوظبي والرياض على تشجيع النظام عبر العلاقات الثنائية التي تقوم على وعود بمساعدات اقتصادية من أجل إعادة الإعمار، وقد بدأت المساعي بإعادة العلاقات الدبلوماسية وفتح السفارات، وعودة النظام إلى الجامعة العربية في قمة جدة عام 2023. وجاء ذلك في ظل تراجع الدعم الاقتصادي الإيراني للنظام، والمطالبة بتسديد الديون التي قدّرتها طهران بحدود 50 مليار دولار، وظلت العديد من الصفقات على الورق، بما في ذلك مشروع طموح، تم الاتفاق عليه في عام 2019، لبناء 200 ألف وحدة سكنية في سورية. كما سلّطت التقارير الإعلامية، في العام الماضي، الضوء على انخفاض كبير في صادرات إيران إلى سورية، والتي بلغت 120 مليون دولار، نصف ما كانت عليه في العام الذي سبقه، وذلك على الرغم من الجهود الإيرانية لزيادة هذا المبلغ. ويرجع هذا بشكل أساسي إلى الركود الاقتصادي الإيراني، المدعوم بالعقوبات الأميركية الصارمة وسوء الإدارة الداخلية، وعدم قدرة النظام على التسديد.
بدأ النظام انسحابه التدريجي من محور المقاومة منذ بداية حرب غزة
يضاف إلى ما سبق طموح النظام السوري لتموضع جديد، ويبدو أن ذلك نابع من سببين. الأول اليأس من إمكانية أن يوصله الطريق الإيراني إلى برّ الأمان، والثاني هو أن إغراءات الالتحاق بمنظومة أخرى أكثر ضمانة لبقائه وإصلاح أوضاعه، خصوصاً أن الأطراف الثلاثة التي تزين له ذلك روسيا والإمارات والسعودية، متفقة في ما بينها على تشجيعه كي يقفز من المركب الإيراني، وهي ستتكفل بإعادة تعويمه.
تُظهر خطوات النظام في العام الأخير أنه على استعداد للابتعاد عن طهران، حيث تخلى عنها عسكرياً في سورية. وعلى الرغم من أن دعايتها تقوم على أن مهمتها في سورية هي من أجل الدفاع عن النظام، فلم تظهر ردود فعل تجاه الغارات الإسرائيلية المتواصلة ضد الوجود العسكري الايراني، وهناك شائعات مصدر بعضها أطراف قريبة من إيران بأن أطرافاً من النظام على تعاون مع الأجهزة الإسرائيلية والأميركية، وهي التي زودتها بمعلومات عن مواقع إيران وحزب الله داخل سورية، بما في ذلك مخازن ومصانع الأسلحة، ومواعيد تحرك قيادات عسكرية ووصول شحنات عسكرية، الأمر الذي جعل منها هدفاً سهلاً.
وفي ظل الضربات الإسرائيلية المتلاحقة ضد حزب الله في لبنان، ثمة سؤال يطرح نفسه حول قواته المنتشرة في مناطق عدة بسورية. وقبل كل شيء، يظل دور إيران في تشكيل هياكل الأمن في سورية ضعيفاً نسبياً. ويعكس هذا، إلى جانب التوترات مع نظام الأسد، تنافسها مع روسيا على النفوذ في سورية. فقد قدمت موسكو للأسد قوة جوية ودعماً لوجستياً حاسماً منذ تدخلها العسكري عام 2015، ما جعلها حليفاً عسكرياً رئيسياً للنظام. وتحتفظ موسكو باليد العليا على طهران داخل هياكل الأمن في سورية، نظراً إلى علاقتها طويلة الأمد مع الجيش الرسمي. وقد أدى هذا إلى خلق ديناميكية معقدة، حيث تتعاون إيران وروسيا إلى حد ما، ولكن لكل منهما أجنداته الخاصة.
نفوذ إيران في جنوب سورية آخذ في النمو، وهو يشكل هدفاً إسرائيلياً
وبحسب عدة مصادر محلية وأجنبية، فإن قوات حزب الله في سورية باتت جزءاً من الوجود الإيراني، وهي على تنسيق مع بعض الأجهزة العسكرية والأمنية السورية، لكنها تتبع في قرارها الحرس الثوري الإيراني، وهي تنتشر في مناطق لا نفوذ فعلياً فيها للنظام السوري، بل لإيران، وهذا يتعلق بقواعد دير الزور وأرياف حلب وإدلب وحمص ودمشق ودرعا. وسارعت إيران إلى استغلال الفرصة التي وفّرتها حرب روسيا على أوكرانيا لتوسيع نفوذها في سورية. ومنذ فبراير/شباط 2022، وكجزء من الأولويات العسكرية المتغيّرة لموسكو، أخلت القوات الروسية بعض قواعدها في وسط وشرق سورية، تاركة إياها لتستولي عليها إيران والمليشيات المتحالفة معها.
تعمل قوات حزب الله في الشرق على تأمين طريق ما بين الحدود السورية العراقية لنقل السلاح من العراق، وإيصال جزء منه إلى لبنان. أما في الجنوب فقد كانت روسيا تعمل منذ مدة طويلة على منع إيران من الدخول إلى هناك كجزء من مشاركة موسكو مع إسرائيل والدول الغربية. والواقع أن إبعاد إيران كان أساس التفاهم الذي تم التوصل إليه في عام 2018 بين الولايات المتحدة وروسيا بدعم أردني وإسرائيلي، والذي فتح الطريق أمام عودة النظام السوري إلى الجنوب. ولكن الحرب في أوكرانيا جعلت موسكو أقل استعداداً وقدرة على تقييد حرية إيران في العمل بناء على طلب إسرائيل. وفي حين تواصل القوات الروسية دورياتها في أجزاء من الجنوب، وقد زادت موسكو من بعض مراكز مراقبة الحدود بين سورية وإسرائيل منذ بدء حرب غزة، فإن نفوذ إيران في جنوب سورية آخذ في النمو، وهو يشكل هدفاً إسرائيلياً كما حصل في الأيام الأخيرة من استهداف لمطار الثعلة العسكري القريب من السويداء.