حان دورها، وقفت وسط المجتمعين، فتحت لفافة الورق التي خطت عليها بنود "فرمانها" الطويل، وشرعت تقرأ على الملأ أمنياتها للعام 2016.
هي ذاتها أمنيات العام السابق، بل الأعوام السابقة، والتي بدأتها بـ: "أولاً: إنهاء الحرب في سورية واليمن والعراق و.ز."، قاطعها المجتمعون متهكمين ومحتجين على هذه الأمنية التي لن تتحقق في 2016.
تداخلت التعليقات التي أجمعت على أن الحرب مستمرة، ليس من باب التشاؤم بقدر ما هو فهمٌ لمجريات السياسة والأحداث والتحالفات و... إلخ.
هزت رأسها موافقة، وانتقلت لأمنيتها الثانية "أن يعود اللاجئون والنازحون والمهجّرون ...". من جديد قاطعتها الأصوات والأيادي المعترضة، على أساس أن عودة الناس إلى بيوتهم وأوطانهم مرتبطة بإنهاء الحرب. ومثل معادلات الرياضيات البسيطة، تبطل الأمنية الثانية طالما أن الأمنية الأولى باطلة سلفاً.
انتقلت إلى الأمنية الثالثة، وقد بهت وجهها، مع توقعها بأن تنال الاعتراض أيضاً "أتمنى أن يطلق سراح كل معتقلي الرأي والأسرى و...". هنا علت صيحات الاحتجاج، وبدا الامتعاض على الوجوه، واتضح لها أن كيل الحاضرين بدأ يمتلئ ويفيض. "معهم حق"، هكذا خاطبت نفسها، "كأنني أعيش خارج هذا العالم وهذه الأوطان، عن أية حرية أتكلم وأي رأي؟".
أمعنت النظر بالأمنية الرابعة، التي نصتها في "الفرمان". ترددت للحظة، أتقرأها أم تقفز عنها إلى الخامسة مباشرة. العيون مصوبة نحوها. بصوت خافت تمنت "أن تقفل مصانع الأسلحة ويتفق العالم بأسره على منع استخدامها دولاً وأفراداً". تنكست الرؤوس يائسة منها ومن تمنياتها السوريالية. شعرت كمن جلب الإهانة لنفسه، وكأنها لا تفقه بأن صناع السلاح يتحكمون بقرارات الدول والأنظمة، وبأن الأمر يختلط على الشعوب ويصدقون أن السلاح وجد لحمايتهم.
باشرت بلف "فرمانها"، لتترك المجال لأمنيات غيرها. شعر الموجودون بالحرج الذي أوقعوها به. صاروا يطالبونها بالمزيد ليلطفوا الأجواء ويخففوا من ارتباكها. حتى أن أشد المستخفين بأمنياتها ألحّ عليها لتكمل ما بدأته. أخذت نفساً عميقاً أرفقته بـ"خامساً"، أبعدت عيونها عن الناظرين، وأردفت "أتمنى أن يتحول شعار محو الأمية واقعاً ويتوافر العلم للجميع". ساد الصمت. وعرفت عندها أنها في مأزق كبير، وأن من الأفضل لها أن تتنحى جانباً.
إحدى الحاضرات كسرت السكون. تقدمت نحوها ملقية نظرة على ما كتبته، وعندما قرأت ما تيسر لها من أمنيات ومنها "القضاء على الجوع... حماية الكوكب... العنف الأسري... المساواة... العنصرية... الإرهاب... التعصب... إلخ إلخ إلخ."، سألتها متهكمة "تلك أمنيات أم بيان سياسي؟".
طوت "فرمانها" كيفما اتفق. اعتذرت من الحاضرين، وحشرت نفسها بين الجالسين على الكنبة الكبيرة. لكن الهمهمات والوشوشات هنا وهناك، استفزتها. وقفت تاركة قائمة أمنياتها "السوريالية" خلفها. وبتصميم على إنقاذ ماء وجهها، وإعادة اعتبارها لدى الحاضرين، قررت ارتجال بعض الأمنيات، التي قد يجدها السامعون أكثر واقعية وتناسب العام الجديد.
بكل ثقة قالت: "أتمنى أن أشارك في رحلة إلى الفضاء". صفق الجميع وانفرجت أساريرهم. فاجأتها ردة الفعل، فتابعت "وأن أربح الجائزة الكبرى"، علت الضحكات وسيطر الفرح. زادها حال المستمعين ذهولاً، ولكي تواصل مسايرة الأجواء، تمنت أن تتمكن من المحافظة على لياقتها، وأن تنال الترقية التي تستحقها... وهكذا هدأت النفوس وارتاحت القلوب.
عرفت أن ما حدث ليس سخفاً ولا تسطيحاً للأمور، بل إشارة واضحة إلى أن النفوس لم تعد تحتمل الواقع الميئوس منه، وأن القلوب تبحث عن مخارج تبعدها عن الحزن والغضب المسيطر، وأن العيون تتطلع إلى بصيص أمل يخترق السواد الدامي. إنها هزيمة جماعية تجعل التمنيات الأكثر واقعية... "سوريالية".
إقرأ أيضاً: تاريخ ثورة السكر المجهضة في المغرب