19 أكتوبر 2019
تمزّق شمل "العائلة الثورية" في الجزائر
من بين أهم انعكاسات الأزمة الحالية في الجزائر، والتي لم تكن متوقعة بهذا الحجم، تمزّق شمل ما اصطلح على تسميتها "العائلة الثورية"، والمتكونة من منظمتي المجاهدين وأبناء الشهداء، وحزب جبهة التحرير الوطني وبقية الأحزاب والجمعيات السائرة في فلكها.. وتعد هذه "العائلة" إحدى الركائز الأساسية للنظام الجزائري منذ الاستقلال، وبذلك تتحمّل مسؤولية تاريخية، إلى جانب المؤسسة العسكرية، في ما آلت إليه الأمور في البلاد، فلولا دعم "العائلة الثورية" اللامشروط للنظام، لكان المشهد الجزائري مغايراً لما هو عليه اليوم، فهي في واقع الحال جزء أساسي من النظام، واحترفت التخوين، بدعوى "الشرعية الثورية" في حق كل من تسوّل له نفسه انتقاد النظام و/أو انتقاد رموزها. ويمكن العودة إلى تصريحات رموزها في بعض المناسبات، مثل الانتخابات الرئاسية، لتبيان مدى ثقل خطابها وموقفها وصلابة درعها الواقي للنظام القائم، فهي مارست الإقصاء والتهميش في حق كل من ينتقدها، وحتى في حق "أبنائها" الذين خرجوا عن "طاعة أولي الأمر"؛ تمرّدوا على الخطاب المهيمن، حباً في الجزائر لا في النظام. ذلك الخطاب المهيمن جعل النظام مرادفاً للدولة، فاستحال النقد لأنه يقود حتماً إلى التخوين، فالخلط تام بين الحاكم والدولة التي لا تتجسّد إلا في شخصه وفي حكمه التسلطي. وأتذكّر إحدى العبارات القاتلة التي وردت في نشرة إخبارية للتلفزيون الحكومي، في العام 2008، خلال التهليل الرسمي لتعديل الدستور، حتى يترشح عبد العزيز بوتفليقة لعهدة ثالثة، وهي: "لو خيرت بين الجزائر والديمقراطية فماذا ستختار؟". تُلخص هذه العبارة بؤس السياسة في الجزائر، والتدني الحاد في مقاربة الشأن العام إلى درجة الخلط اللامعقول بين الدولة وشكل نظام الحكم! وهذا المنطق التعيس الذي أثبتت الأزمة الحالية مدى تموقع أصحابه خارج التاريخ لا يتوقف عند هذا الحد، لأن بيت القصيد في "الدولة"، والمقصود بها هنا النظام الحاكم.
طبعاً يجب ألاَّ نكون مجحفين في حق "العائلة الثورية"، لأن فيها أناسا ضحّوا في سبيل حرية الجزائر، لكن المشكلة أن كثيرين من أعضائها نهبوا، على غرار غيرهم من غير المنتمين
للعائلة ذاتها، البلاد و/أو تستروا على نهبها، كما أن مجرّد تحول "العائلة الثورية" إلى "مؤسسة" قائمة بحد ذاتها داخل النظام الحاكم مشكلة، لأن ذلك فتح الباب لكل ألاعيب التوظيف السياسي للتاريخ، وفرض رواية معينة للثورة الجزائرية، أقصي منها الفاعل الأكبر، أي الشعب.
على الرغم من الاستحقاقات والمحن السياسية والأمنية التي مرّت بها الجزائر، أثبتت "العائلة الثورية" تماسكها، مستمرة في دعمها اللامشروط للنظام، وكيف يمكنها فعل غير ذلك، وهي جزء منه. ربما هناك قضية وحيدة، يمكن اعتبارها محل خلاف بين "العائلة الثورية"، في معظمها، والنظام في عهد بوتفليقة، هي تجريم الاستعمار. إذا تطالب مختلف مكونات هذه العائلة بسن قانون تجريم الاستعمار الفرنسي، لكنها واجهت رفضاً من السلطة التنفيذية التي لم تسمح للمجلس الشعبي الوطني (الغرفة السفلى للبرلمان)، والذي تتحكم فيه سياسياً وقانونياً من خلال تحكمها في مجلس الأمة (الغرفة العليا للبرلمان)، بمناقشة الموضوع وإصدار قانون.
مع استفحال الأزمة السياسة في البلاد، منذ بداية الحراك الشعبي في فبراير/ شباط 2019، بدأت بعض التصدعات في النظام الجزائري، خصوصا مع وقوف منظمة المجاهدين في الأيام الأولى مع الحراك الشعبي ومطالبه، في وقت واصلت باقي مكونات "العائلة الثورية" دعمها الرئيس بوتفليقة، قبل أن تلتزم الصمت، ثم تدعم الحراك على مضض، خوفاً من استهدافه له لنية. ولكن سرعان، ما عادت الأمور إلى مجاريها، إن صح التعبير، لأن مكونات "العائلة الثورية" الأخرى وأحزاب الموالاة تبنّت إستراتيجية الوقوف مع الحاكم، مهما كان الأمر (والتي تتفنن فيها): ذهب ولاؤها لبوتفليقة إلى رئيس أركان الجيش، أحمد قايد صالح، بعد أن أصبح هذا الأخير الرجل القوي في البلاد، عقب إجبار الأول على الاستقالة.
ولكن تحويل الولاء هذا لم يكف ليقي "العائلة الثورية" انعكاسات الحراك الشعبي، وتحديداً "الفتنة" البينية، والمتمثلة في مطالبة منظمة المجاهدين، يوم الثلاثاء الفارط (20/8/2019)، بسحب اسم "جبهة التحرير الوطني" من حزب جبهة التحرير الوطني،
بتطبيق قانون الأحزاب، الصادر في 2012، ما يعني حله. ليست هذه المرة الأولى التي تتعالى فيها أصوات في الجزائر تطالب بإدخال حزب جبهة التحرير الوطني "المتحف"، لأنه يحمل اسماً هو إرث جماعي لكل الجزائريين، ولا يمكن أن يُختزل في حزب سياسي تسطير عليه أقلية، هي جزء أساسي من النظام الذي يتهمه الجزائريون بخيانة مبادئ ثورتهم الخالدة. إلا أن موقف منظمة المجاهدين ضربة موجهة لحزب جبهة التحرير الوطني الذي يعد أحد المكونات الأساسية لـ "العائلة الثورية"، وركيزة الموالاة التي دافعت عن بوتفليقة وبقائه في الرئاسة مدى الحياة، لولا الحراك الشعبي وانعكاساته على التحالفات القلقة داخل النظام. كما كان متوقعاً، ردّت قيادة هذا الحزب بقوة على تصريحات الأمين العام بالنيابة لمنظمة المجاهدين مستنكرة تصريحاته. والواضح أن قيادة جبهة التحرير لم تجد حججاً للرد، فكان أن لجأت إلى الخطاب التخويني الذي تتقنه "العائلة الثورية" بامتياز، حيث اتهمت الأمين بالنيابة لمنظمة المجاهدين بـ "خدمة أجندات خفية تتقاطع ودعوات أخرى لها امتدادات خراج الوطن".
بغض النظر عن هذه "الفتنة" بين عضوي "العائلة الثورية" الأكثر ثقلاً ونفوذاً، فإنه يمكن القول إن حزب جبهة التحرير الوطني جزء من المشكلة السياسية في الجزائر، لسبب بسيط ولكنه وجيه، وهو أن هذا الحزب لم يتذوّق إطلاقاً "جرعة المعارضة"، فهو كان دائماً حزب السلطة، والفترات الوحيدة التي لم يحكم فيها، بشكل مباشر، تناوب فيها مع حزب التجمع الوطني الديمقراطي، الذي خرج من رحمه عام 1997. ويشكل عدم انتقال حزب جبهة التحرير الوطني إحدى العقبات الأساسية للانتقال الديمقراطي في الجزائر، لأن ذلك يحول دون القطيعة مع النخبة التسلطية التي تحكم البلاد منذ الاستقلال.
على الرغم من الاستحقاقات والمحن السياسية والأمنية التي مرّت بها الجزائر، أثبتت "العائلة الثورية" تماسكها، مستمرة في دعمها اللامشروط للنظام، وكيف يمكنها فعل غير ذلك، وهي جزء منه. ربما هناك قضية وحيدة، يمكن اعتبارها محل خلاف بين "العائلة الثورية"، في معظمها، والنظام في عهد بوتفليقة، هي تجريم الاستعمار. إذا تطالب مختلف مكونات هذه العائلة بسن قانون تجريم الاستعمار الفرنسي، لكنها واجهت رفضاً من السلطة التنفيذية التي لم تسمح للمجلس الشعبي الوطني (الغرفة السفلى للبرلمان)، والذي تتحكم فيه سياسياً وقانونياً من خلال تحكمها في مجلس الأمة (الغرفة العليا للبرلمان)، بمناقشة الموضوع وإصدار قانون.
مع استفحال الأزمة السياسة في البلاد، منذ بداية الحراك الشعبي في فبراير/ شباط 2019، بدأت بعض التصدعات في النظام الجزائري، خصوصا مع وقوف منظمة المجاهدين في الأيام الأولى مع الحراك الشعبي ومطالبه، في وقت واصلت باقي مكونات "العائلة الثورية" دعمها الرئيس بوتفليقة، قبل أن تلتزم الصمت، ثم تدعم الحراك على مضض، خوفاً من استهدافه له لنية. ولكن سرعان، ما عادت الأمور إلى مجاريها، إن صح التعبير، لأن مكونات "العائلة الثورية" الأخرى وأحزاب الموالاة تبنّت إستراتيجية الوقوف مع الحاكم، مهما كان الأمر (والتي تتفنن فيها): ذهب ولاؤها لبوتفليقة إلى رئيس أركان الجيش، أحمد قايد صالح، بعد أن أصبح هذا الأخير الرجل القوي في البلاد، عقب إجبار الأول على الاستقالة.
ولكن تحويل الولاء هذا لم يكف ليقي "العائلة الثورية" انعكاسات الحراك الشعبي، وتحديداً "الفتنة" البينية، والمتمثلة في مطالبة منظمة المجاهدين، يوم الثلاثاء الفارط (20/8/2019)، بسحب اسم "جبهة التحرير الوطني" من حزب جبهة التحرير الوطني،
بغض النظر عن هذه "الفتنة" بين عضوي "العائلة الثورية" الأكثر ثقلاً ونفوذاً، فإنه يمكن القول إن حزب جبهة التحرير الوطني جزء من المشكلة السياسية في الجزائر، لسبب بسيط ولكنه وجيه، وهو أن هذا الحزب لم يتذوّق إطلاقاً "جرعة المعارضة"، فهو كان دائماً حزب السلطة، والفترات الوحيدة التي لم يحكم فيها، بشكل مباشر، تناوب فيها مع حزب التجمع الوطني الديمقراطي، الذي خرج من رحمه عام 1997. ويشكل عدم انتقال حزب جبهة التحرير الوطني إحدى العقبات الأساسية للانتقال الديمقراطي في الجزائر، لأن ذلك يحول دون القطيعة مع النخبة التسلطية التي تحكم البلاد منذ الاستقلال.