وذكرت وكالة أنباء النظام الرسمية (سانا) أن "وحدات من القوات المسلحة تمكنت من السيطرة على قرى الجنينة والجيعة وشمرة الحصان وحويقة المعيشية، شرق نهر الفرات"، التي كانت تحت سيطرة "قسد"، شمال شرقي مدينة دير الزور. وقالت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" إن السيطرة تمت بمشاركة عناصر من الدفاع الوطني ولواء الباقر المدعوم من إيران وحزب الله العراقي. وأضافت أن مقاتلي "قسد" شنّوا هجوماً عكسياً في المنطقة واستعادوا العديد من النقاط بدعم من طائرات التحالف الدولي، مشيرة إلى أنهم مستمرون باستعادة ما خسروه. ولا يتوقع أن تتخلى أميركا عن هذه المنطقة الاستراتيجية بالنسبة إليها على مقربة من الحدود العراقية، حيث النفوذ الإيراني الرئيسي، وهو ما أعرب عنه صراحة قبل يومين وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس الذي جزم بأن أي انسحاب أميركي لن يحصل قريباً من منطقة شرقي الفرات في دير الزور.
في غضون ذلك، تحتدم الاشتباكات في الجنوب الدمشقي بين قوات النظام ومليشيات فلسطينية مرتبطة بها من جهة، وتنظيم "داعش" من جهة أخرى، في ظلّ تحقيق قوات النظام تقدماً على التنظيم الذي فقد السيطرة المركزية بسبب خلافات بين مسلحيه، فيما تستعدّ بلدات في جنوب دمشق تسيطر عليها المعارضة، للتهجير بعد التوصّل لاتفاق مع النظام شبيه باتفاق غوطة دمشق والقلمون الشرقي.
في المقابل، أشار "المرصد" إلى استمرار القصف الصاروخي من قبل قوات النظام على أماكن في الجنوب الدمشقي، مؤكداً حدوث اشتباكات بين قوات الأسد ومسلحي "داعش" على محاور في محيط وأطراف أحياء التضامن ومخيم اليرموك والحجر الأسود والقدم. وكانت قوات النظام حققت مساء السبت، وفق المرصد "أهم تقدّم لها منذ بدء عمليتها في الجنوب الدمشقي"، حيث تمكّنت من السيطرة على أجزاء واسعة من مناطق المادنية والعسالي والجورة، والتي تشكّل معاً حي القدم الدمشقي في القسم الغربي من مناطق سيطرة التنظيم في جنوب العاصمة.
وتسعى قوات النظام لحصر التنظيم داخل جيب صغير في جنوب دمشق، وتقطيع أوصال مناطق سيطرته وتشتيت قوته والتقدّم لإجباره على تنفيذ الاتفاق السابق الذي جرى التوصّل إليه بين التنظيم والنظام بواسطة وجهاء من المنطقة، والذي يقضي بخروج مقاتلي "داعش" إلى أماكن سيطرة الأخير في عمق البادية السورية.
وأفادت مصادر إعلامية معارضة بمقتل نحو 85 على الأقل من قوات النظام ومليشيات فلسطينية مرتبطة بها خلال 9 أيام من المعارك، بينهم عدد من الضباط، فيما قتل 74 عنصراً من تنظيم "داعش". وأكدت مصادر محلية لـ "العربي الجديد" أنه "لم تعد هناك قيادة مركزية للتنظيم في الجنوب الدمشقي نتيجة الانقسامات التي حدثت داخله في الآونة الأخيرة"، مشيرةً إلى أنّ "كل مجموعة تقاتل لوحدها من دون وجود تنسيق مع المجموعات الأخرى".
وأكدت المصادر أن 68 عنصراً من "داعش" خرجوا من جنوب دمشق "منذ يومين" بتسهيل من قوات النظام عبر حاجز "بردى" باتجاه مناطق سيطرة التنظيم في ريف درعا الغربي على الحدود السورية المشتركة مع الأردن والأراضي الفلسطينية المحتلة. وأشارت إلى أنّ قسماً من مسلحي التنظيم "ينتظرون التسوية مع النظام من أجل الخروج إلى البادية السورية، فيما قرّر قسم آخر القتال حتى النهاية"، في تكرار واضح لسيناريو مدينة الرقة التي دمرها طيران "التحالف الدولي".
وأشارت المصادر إلى أنّ "استشراس مقاتلي جبهة النصرة المسيطرين على القسم الشمالي من مخيم اليرموك، في مقاومة قوات النظام، يعود لعدم امتلاكهم أي خيار آخر"، موضحةً أنّ "قوات النظام من أمامهم ومسلحي تنظيم داعش من ورائهم، وليس لديهم أي خيار سوى المقاومة".
وأكدت المصادر ذاتها أنّ قوات النظام تتعمّد تدمير الجنوب الدمشقي لتنفيذ مخطط باتت معالمه واضحة وهو إفراغه من غالبية أهله، وإعادة تنظيم المنطقة التي تقع جنوب "المتحلق الجنوبي"، وصولاً إلى بلدة السيدة زينب، لإسكان شيعة غير سوريين فيها، في سياق استراتيجية إيرانية هدفها اللعب بالهوية السورية، لتثبيت الوجود الإيراني في سورية. وأوضحت المصادر أن غالبية المساكن في جنوب دمشق "عشوائية، وأصحابها لا يمتلكون سندات تمليك، مما يسهّل عملية اقتلاعهم منها بالترهيب"، ورجّحت خروج آلاف المدنيين من بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم التي توصّلت لتسوية مع النظام السبت، متوقعةً خروج نحو 2500 فلسطيني من هذه البلدات باتجاه الشمال السوري، خشية من قوات النظام التي عادة ما تقوم بعمليات انتقام جماعي في المناطق التي تدخلها بعد خروج مقاتلي المعارضة السورية منها، رغم الضمانات الروسية.
وكان النظام وفصائل المعارضة السورية في بلدات جنوب دمشق قد توصّلوا إلى اتفاق تسوية شبيه إلى حدّ بعيد باتفاق الغوطة الشرقية ومنطقة القلمون الشرقي. وقال بيان لوفد المعارضة إن التحضيرات بدأت لإخراج رافضي إتمام "المصالحة" مع عوائلهم بسلاحهم الفردي، وبضمان الحكومة الروسية، على أن "تبدأ عملية الخروج بعد تأمين جبهات المنطقة".
ويمكن، بحسب بنود الاتفاق، للراغبين في البقاء، تسليم سلاحهم للشرطة العسكرية الروسية، وإكمال التسوية مع قوات النظام، على أن تقع مسؤولية حماية البلدات الثلاث على الشرطة العسكرية الروسية. كما "يلتزم النظام بتقديم جميع أشكال الدعم الإنساني للمتبقين في البلدات، وتأمين العودة السريعة لمؤسسات الدولة الاقتصادية والخدمية والطبية والتعليمية". وقضى الاتفاق بمنح تأجيل لمدة ستة أشهر للمتخلفين عن الخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية، و"يمكن لمن قاموا بتسوية وضعهم بالتطوّع".
وبحسب مصادر محلية، فإن وجهة المهجرين ستكون إلى إدلب وريف حلب الشمالي، وربما نحو مدينة درعا أيضاً. وكان الشيخ أبو ربيع، رئيس لجنة المُصالحة في بلدة يلدا، أكّد أن الاتفاق الذي يشمل بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم "سيكون ساري المفعول بعد الانتهاء من ملف داعش، ويتضمن بقاء الراغبين بالتسوية، وخروج الفصائل الرافضة لها إلى وجهة لم تحدد بعد، مع ضمانات بتأمين الطريق".
وأضاف أبو ربيع، خلال حديثه إلى تجمّع من الموطنين في يلدا، أن الاتفاق "يتضمّن عودة أهالي بلدات البويضة وحجيرة والذيابية والسيدة زينب والحجر الأسود ومخيم اليرموك، الموجودين كضيوف في البلدات الثلاث، إلى بلداتهم". كما يتضمّن أيضاً، "إصدار عفو عن المنشقّين والمتهمين بالتهرّب من الخدمة العسكرية، وإعطاءهم مدة ستة أشهر قابلة للتمديد تبدأ حين الانتهاء من ملف تنظيم داعش في مخيم اليرموك، شرط عدم زج أبناء البلدات الثلاث من المتخلفين، والمنشقين في الجبهات الساخنة، وفرزهم للخدمة في دمشق وريفها". ويضمن الجانب الروسي عدم دخول قوات جيش النظام أو أجهزة استخباراته إلى البلدات الثلاث، أو تنفيذ مداهمات فيها، ويتم حصر وجودهم في المحيط كحواجز تفتيش فقط، مع نشر قوات بين البلدات الثلاث، والمناطق الخاضعة لسيطرة المليشيات الطائفية الإيرانية في محيط السيدة زينب جنوب العاصمة.
وأوضح أبو ربيع أنّ وفد النظام وروسيا اشترط عدم إدخال أية مواد غذائية إلى مناطق سيطرة تنظيم "داعش" عبر حاجز العروبة، مقابل فتح حاجز ببيلا-سيدي مقداد، تحت طائلة إعادة إغلاق المعبر في حال وجود أي خرق لهذا البند.
على صعيد آخر، صعّدت قوات النظام أمس الأحد، من قصفها على ريف حمص الشمالي وسط البلاد، في وقت تتعثّر فيه المفاوضات مع ممثلي المنطقة لإبرام اتفاق بشأن مصيرها، حيث يضغط النظام عسكرياً من أجل إجبار فصائل المعارضة على تسليمها لقوات النظام. وقالت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" إن الطيران الحربي الروسي وطيران النظام شنّ عشرات الغارات بالصواريخ الفراغية والارتجاجية والبراميل المتفجرة على قرى الزعفرانة والمجدل وديرفول وعز الدين والحمرات وسليم، ما أسفر عن مقتل مدنيين، وخروج مشفى الزعفرانة عن الخدمة. ويعد هذا المشفى من أهم المشافي العاملة في ريف حمص الشمالي، ويخدم أكثر من 25 بلدة وقرية يقطنها ما يقارب 70 ألف مدني في الريف المحاصر.