في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، أعلن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي فرض حالة الطوارئ في البلاد لمدة 30 يوماً، وذلك على خلفية عملية إرهابية استهدفت حافلة للأمن الرئاسي في شارع محمد الخامس في قلب العاصمة التونسية، أدت إلى مقتل 12 عنصراً وإصابة 20. ومنذ ذلك الحين تواترت قرارات تمديد الطوارئ، وسط جدل حقوقي وقانوني بشأنها، آخرها الأربعاء الماضي. ويوم الخميس الماضي، أحيا التونسيون الذكرى الثالثة لاعتداء بنقردان، في أقصى جنوب تونس، عندما حاولت مجموعة إرهابية في 7 مارس/ آذار 2016، احتلال المدينة، عبر استهداف 3 مواقع أمنية حساسة في الوقت ذاته، لكن قوات الجيش والشرطة تمكّنت من القضاء على العشرات من الإرهابيين والقبض على عدد آخر، وحجزت معدات حربية وكميات من الذخيرة، في ما شكّل أول خسارة كبرى لما يسمى بتنظيم "داعش" وأعاد الثقة للتونسيين في حربهم على الاٍرهاب.
واعتبر الخبير الأمني علي زرمدين، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ تمديد حالة الطوارئ أمر يفرضه الوضع الأمني والإقليمي، وبالتالي فإن العملية ليست آلية بقدر ما هي مرتبطة بالأوضاع الداخلية والخارجية، موضحاً أنّ "ما يحصل في الدائرة الإقليمية، من غربنا وجنوبنا، يفرض تمديد حالة الطوارئ". وقال إنّ "استمرار التمديد مفروض على تونس وليس رغبة في التمديد وتواصل حالة الطوارئ"، مشيراً إلى أن "الوضع في الجزائر وليبيا يفرض مواصلة حالة الطوارئ، لأن الخطر ليس داخلياً فقط بل هو خارجي أيضاً". وأوضح أنّ "التمديد يتم لفترة قصيرة دائماً بسبب اعتماد المرحلية لعل الوضع يتحسن"، مضيفاً أن "استمرار حالة الطوارئ، منذ سنوات، يأتي بسبب الوضع الإقليمي، فالمنطقة ساخنة وهناك بؤر توتر في مالي وعودة لعناصر إرهابية من سورية وغيرها، والوضع في ليبيا غير مستقر، وبالتالي فإن كل هذه الأوضاع تفرض تمديد حالة الطوارئ".
ويخوّل الفصل 80 من الدستور التونسي لرئيس الجمهورية إعلان حالة الطوارئ والدعوة، في بيان موجه للتونسيين، لاتخاذ التدابير التي تُحتمها الحالة الاستثنائية للبلاد. لكن الأمر المنظم للطوارئ يعود لسنة 1978، ويجيز إعلان حالة الطوارئ على كامل تراب الجمهورية أو بعضه إما في حالة خطر داهم ناتج عن نيل خطير من النظام العام وإما في حال وقوع أحداث تكتسي بخطورتها صبغة كارثة عامة. ويمنح قانون الطوارئ وزير الداخلية صلاحيات وضع الأشخاص تحت الإقامة الجبرية، وحظر التجول، وتفتيش المحلات، ومراقبة الصحافة والمنشورات والبث الإذاعي والعروض السينمائية والمسرحية، دون وجوب الحصول على إذن مسبق من القضاء. ويمنح للوالي (المحافظ) صلاحيات استثنائية واسعة، مثل فرض حظر تجوال على الأشخاص والعربات ومنع الإضرابات العمالية. وبموجب هذا القانون، تم إيقاف رجال أعمال في العام 2017 وفرض الإقامة الجبرية في إطار سياسة مكافحة الفساد.
وأكد رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان جمال مسلم، لـ"العربي الجديد"، أن الرابطة، مع منظمات المجتمع المدني المختصة بالعمل على موضوع مكافحة التطرف العنيف، استبقت إعلان حالة الطوارئ في نوفمبر 2015 ودعت آنذاك لتعديل الأمر المنظم لحالة الطوارئ لعدة اعتبارات، بينها أن هذا النص تجاوزه الزمن وتم سنه في أوج الهجمة على الاتحاد العام التونسي للشغل إثر خلاف مع الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة في العام 1978. واعتبر مسلم أن "تونس التي حققت مكتسبات هامة من الحقوق والحريات لا يمكن أن تحافظ على هذا الأمر الذي يتضمن تقييداً للحقوق والحريات ويسند صلاحيات لا متناهية لوزير الداخلية".
ووفق ما رصدته الرابطة، إثر شكاوى وردت إليها من متضررين، فإن قانون الطوارئ الحالي أدى إلى وقوع مئات الانتهاكات لحقوق الإنسان، إذ وردت مئات الملفات والإنذارات إلى المنظمة تعلقت بإجراء المنع من السفر المتعارف عليه أو حجز وثائق السفر أو الهوية أو الوضع في الإقامة الجبرية. وأكد رئيس الرابطة أنه تمت مراسلة وزارة الداخلية بشأن هذه الانتهاكات، وتم اتخاذ إجراءات بشأن بعضها، فيما امتنعت عن الرد بشأن أخرى، وعللت ذلك بأن الإجراءات المتخذة بشأن المتضررين متعلقة بسلامة الأمن القومي.
ولا يعد مشروع القانون المتعلق بحالة الطوارئ المعروض أمام لجنة الحقوق والحريات في البرلمان نصاً ضامناً للحقوق والحريات، بحسب ما سجلته الرابطة. وأوضح مسلم أن "المنظمة قدمت قراءة للبرلمان بعدما اطلعت على مشروع القانون الذي يسند للوالي ووزير الداخلية صلاحيات استثنائية، ورفضت، مع مجموعة كبيرة من المنظمات الوطنية، محتواه المخالف للدستور. وتأمل المنظمة بأن يتم الأخذ بالتوصيات التي قدمتها وسن قانون يحفظ الحقوق والحريات المكرسة دستورياً". ويشاطر النائب والقيادي في الجبهة الشعبية أيمن العلوي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، الرابطة رأيها. وقال إن "تواصل تمديد حالة الطوارئ خطوة مرتجلة، نظراً لأن البلاد تواصل العمل بأمر يعود إلى 1978، وتم إصداره في سياق استبدادي في إطار قمع التحركات الشعبية السلمية، في حين أن الواقع التونسي اليوم تجاوز ذلك، وتواجهه تحديات أمنية جديدة تقتضي تغييراً في النصوص". وأشار إلى انعكاسات تطبيق هذا الأمر، من خرق للحقوق والحريات وإجراءات تعسفية على المواطنين، بينها قمع المتظاهرين وفك اعتصامات سلمية بالقوة ومنع السفر. وأكد أن "نواب المعارضة يدفعون نحو تعديل مشروع قانون الطوارئ من أجل صيغة دستورية ملائمة تحمي الحقوق والحريات".
وكان السبسي قد أكد رفضه القاطع لتمديد حالة الطوارئ في البلاد، مشيراً إلى أنه رفض المعطيات التي قدّمها له رئيس الحكومة يوسف الشاهد لتمديد الطوارئ. وقال السبسي، في ندوة صحافية: "أنا ضد تمديد حالة الطوارئ"، موضحاً أن مهمته "الحفاظ على الدستور". وترجح مصادر متقاطعة، تحدثت لـ"العربي الجديد"، أن يكون التمديد الأخير يعود إلى الظروف الإقليمية المتوترة، وتزايد التهديدات الإرهابية، خصوصاً بعد حادثة الطرود السامة وقتل مدني في جبل المغيلة وعودة مئات الإرهابيين من بؤر التوتر. إلا أن قانون الطوارئ متعارض ومتناقض مع أوضاع الحريات في تونس وينبغي البحث عن مقاربة جديدة لمعالجة هذه المعادلة.