من الصعب حالياً أن نجد شخصاً لم ير أبداً تمثالاً يونانياً أو رومانياً، أو نسخة عنه، أو صورة له؛ فهذه التماثيل ما زالت تستنسخ من قبل الميلاد حتى الآن، إذ تُعتبر شواهد على فنّ المعلمين، الرومان والإغريق الذين عادوا للظهور في عصر النهضة، وبقيت "أشكالهم" وخصائصهم الجسديّة مهيمنة، لتنتصب أمامنا المنحوتات الضخمة، شديدة الإتقان، تلك التي حطمت الكنيسة بعضها واحتفظت بالبعض الآخر. تماثيل توشك على النطقّ في بعض الأحيان، والأهمّ بيضاء.
قبل مناقشة "البياض" الأسطوري للتماثيل والتقليد الذي ما زال مستمراً حتى الآن، حقيقة أن التماثيل ليست بيضاء تطرح سؤالاً حول طبيعة أعمال الترميم والصيانة الآن، فمن يحدد متى انتهت عمليات الترميم، لم لا يكون تلوينها جزءاً من عمليات الإصلاح؟ ولا نقصد هنا ارتجال ألوان قد لا تكون أصلية، كمحاولات إضافة ذراعين لتمثال فينوس الشهير، لأننا ببساطة لا نعرف شكل الذراعين الأصلي، لكن نتساءل على الأقل: لم لا يتم تلوين الأجزاء التي نعرف آثاراً عن اللون الأصلي الذي كانت مطلية به؟ ولم التركيز على "نصاعة" البياض على حساب تجاهل خصائص لونيّة يمكن أن يحويها التمثال. ببساطة، لا يمكن أن نقبل تمثالاً نصف مكتمل ولا نقبل آخر نصف ملوّن، وهنا يمكن النظر إلى تفسيرين رئيسيين، جماليّ وسياسيّ.
التفسير السياسيّ يرتبط بالتفوق الأبيض، والنزعة الأوروبية المركزيّة، خصوصاً تلك التي ظهرت في عصر النهضة وتبنت البياض السابق من دون النظر في آثار اللون، إذ تأسس عرف البياض في تاريخ الفن على يد يوهان وينكلمان الذي كتب في القرن الثامن عشر: "كلما ازداد بياض الجسد، ازداد جماله.. اللون يساهم في الجمال لكنه ليس الجمال".
هذا العرف ترسّخ لاحقاً وامتد إلى الكنيسة وأشكال التمثيل للشخصيات المقدسة الشرق أوسطيّة، التي تبدو في الأيقونات الغربيّة، بيضاء، وشقراء، وذات أعين ملوّنة، في تجاهل تام لخصائصها الجسديّة المرتبطة بالمنطقة التي أتت منها.
هنا، تبرز السياسة مرّة أخرى، فتعمد تغييب التلوين، ما ينفي الأصول "الملونة " و"السمراء" لليونانيين، الذين أنفسهم كانوا غير واضحين في وصف الألوان، إذ لم يهتموا بدقة بأطياف اللون الواحد، لكنهم لم ينفوا الألوان من التماثيل، خصوصاً أنها كانت تستخدم لجذب الانتباه إلى تماثيل الآلهة.
هذه السطوة التي مارسها البياض ترسّخت على يد المنقبين والمرممين، فحين اكتشف في القرن الثامن عشر والتاسع عشر تماثيل الكوري أو النساء الواقفات، الملونات بأشكال مختلفة والمميزات بشعرهن الأحمر، قام المكتشفون فوراً بصب قوالب لهذه التماثيل وإرسالها للمتاحف في أنحاء أوروبا لصناعة نسخ بيضاء منها، بالرغم من أن وصفها الملوّن كان موجوداً حتى الآن.
السبب الآخر، والذي لا يمكن تأكيده حول عدم "التلوين" الآن، هو قباحة التماثيل الملونة، أي أنها تبدو أقرب إلى الكيتش، وتتناقض أشكالها الملونة مع الحرفية العالية لصنعة النحت. مع ذلك، هناك الكثير من التجارب لتلوين التماثيل التي لم تنل صدى كبيراً، كون النتيجة لم تكن مرضيّة، فكيف يمكن لمنحوتة بيضاء مصقولة أن تكون بهذا الابتذال إن لوّنت.
هذا ما نراه في المعرض المتنقل "الآلهة ملونة" الذي بدأ عام 2007، ونشاهد فيه نسخاً ملوّنة لأشهر تماثيل الآلهة اليونانيّة، التي يهدف عرضها على الناس إلى تغيير الصورة النمطيّة عن البياض وكشف "وهميته".
اقــرأ أيضاً
قبل مناقشة "البياض" الأسطوري للتماثيل والتقليد الذي ما زال مستمراً حتى الآن، حقيقة أن التماثيل ليست بيضاء تطرح سؤالاً حول طبيعة أعمال الترميم والصيانة الآن، فمن يحدد متى انتهت عمليات الترميم، لم لا يكون تلوينها جزءاً من عمليات الإصلاح؟ ولا نقصد هنا ارتجال ألوان قد لا تكون أصلية، كمحاولات إضافة ذراعين لتمثال فينوس الشهير، لأننا ببساطة لا نعرف شكل الذراعين الأصلي، لكن نتساءل على الأقل: لم لا يتم تلوين الأجزاء التي نعرف آثاراً عن اللون الأصلي الذي كانت مطلية به؟ ولم التركيز على "نصاعة" البياض على حساب تجاهل خصائص لونيّة يمكن أن يحويها التمثال. ببساطة، لا يمكن أن نقبل تمثالاً نصف مكتمل ولا نقبل آخر نصف ملوّن، وهنا يمكن النظر إلى تفسيرين رئيسيين، جماليّ وسياسيّ.
التفسير السياسيّ يرتبط بالتفوق الأبيض، والنزعة الأوروبية المركزيّة، خصوصاً تلك التي ظهرت في عصر النهضة وتبنت البياض السابق من دون النظر في آثار اللون، إذ تأسس عرف البياض في تاريخ الفن على يد يوهان وينكلمان الذي كتب في القرن الثامن عشر: "كلما ازداد بياض الجسد، ازداد جماله.. اللون يساهم في الجمال لكنه ليس الجمال".
هذا العرف ترسّخ لاحقاً وامتد إلى الكنيسة وأشكال التمثيل للشخصيات المقدسة الشرق أوسطيّة، التي تبدو في الأيقونات الغربيّة، بيضاء، وشقراء، وذات أعين ملوّنة، في تجاهل تام لخصائصها الجسديّة المرتبطة بالمنطقة التي أتت منها.
هنا، تبرز السياسة مرّة أخرى، فتعمد تغييب التلوين، ما ينفي الأصول "الملونة " و"السمراء" لليونانيين، الذين أنفسهم كانوا غير واضحين في وصف الألوان، إذ لم يهتموا بدقة بأطياف اللون الواحد، لكنهم لم ينفوا الألوان من التماثيل، خصوصاً أنها كانت تستخدم لجذب الانتباه إلى تماثيل الآلهة.
هذه السطوة التي مارسها البياض ترسّخت على يد المنقبين والمرممين، فحين اكتشف في القرن الثامن عشر والتاسع عشر تماثيل الكوري أو النساء الواقفات، الملونات بأشكال مختلفة والمميزات بشعرهن الأحمر، قام المكتشفون فوراً بصب قوالب لهذه التماثيل وإرسالها للمتاحف في أنحاء أوروبا لصناعة نسخ بيضاء منها، بالرغم من أن وصفها الملوّن كان موجوداً حتى الآن.
السبب الآخر، والذي لا يمكن تأكيده حول عدم "التلوين" الآن، هو قباحة التماثيل الملونة، أي أنها تبدو أقرب إلى الكيتش، وتتناقض أشكالها الملونة مع الحرفية العالية لصنعة النحت. مع ذلك، هناك الكثير من التجارب لتلوين التماثيل التي لم تنل صدى كبيراً، كون النتيجة لم تكن مرضيّة، فكيف يمكن لمنحوتة بيضاء مصقولة أن تكون بهذا الابتذال إن لوّنت.
هذا ما نراه في المعرض المتنقل "الآلهة ملونة" الذي بدأ عام 2007، ونشاهد فيه نسخاً ملوّنة لأشهر تماثيل الآلهة اليونانيّة، التي يهدف عرضها على الناس إلى تغيير الصورة النمطيّة عن البياض وكشف "وهميته".
الصدمة التي يسعى القائمون على المعرض السابق إلى خلقها، تتمحور حول إعادة النظر في مفهوم "الذوق الرفيع"، والكذبة التي بني عليها والتي ما زالت إلى الآن مستمرة؛ ما يدفعنا، نحن، المتلقين العاديين، إلى إعادة النظر إلى متخيلنا الشخصيّ عن الفنّ، وكيفية النظر إليه، إذ إن السهو والعنصريّة هما اللذان جعلا البياض "مهيمناً"، هذا البياض الذي أعاد تكوين "الألوان" الأخرى، وجعل من نفسه مركز الظاهرة الفنيّة الأوروبيّة لفترة طويلة، كما في لوحات القرن السابع عشر والثامن عشر، حيث الملونون يحيطون بالجسد الأبيض لخدمته وتسهيل حياته، في حين أنه في المركز يبدو نظيفاً مشعاً، في تجلّ لا جدل فيه للمركزيّة الأوروبيّة كما في لوحة "المسّاج: مشهد من الحمام" لإدوارد ديبا بونسون"