تلميذات محجبات... يمين الدنمارك يحاصر المسلمين

23 يناير 2017
تمضيان إلى مدرستهما (العربي الجديد)
+ الخط -
الجدل حول الحجاب في الغرب يعود هذه المرة في الدنمارك، خصوصاً في المدارس، إذ قدّم برلماني مقترحاً حول حظره. لكنّ هذه القضية بالذات جزء لا أكثر مما يواجه الجاليات المسلمة في البلاد

"إذا كانت هناك سيطرة اجتماعية على الفتيات وضغط ديني فيمكن للمدارس أن تمنع ارتداء الحجاب"، هذا حديث مقرر شؤون الدمج في الحزب الليبرالي الحاكم (يمين وسط) في الدنمارك ماركوس كنوث. الفكرة التي يطرحها البرلماني، وهو من حزب وزيرة الدمج المتشددة في مواقفها من المهاجرين واللاجئين، خصوصاً المسلمين، أنغا ستويبرغ، قد لا تبدو جديدة في محتواها الذي يطرحه لمناقشة برلمانية تشريعية. لكنّ الجديد القول إنّ "من واجب المدارس الرسمية الدنماركية حماية الفتيات في وجه السيطرة الاجتماعية والضغط الديني باعتبار الحجاب يمثل القيم الأكثر قمعاً وظلاماً في جزء معين من الإسلام".

يشير هذا المشرّع إلى سبب طرحه حظر الحجاب بأنّ "الخطوط الساخنة لدى المنظمة التي تقدم النصح للشباب من أصل غير دنماركي، تلقت اتصالات قياسية طلباً للمساعدة في مسائل سيطرة العائلة على حرية الفتيات في اختيار الأصدقاء والصديقات، وحريتها في ارتداء الملابس. وعندما تذهب فتاة إلى الصفوف الابتدائية وهي محجبة فذلك يعني أنّ الحجاب مفروض عليها". ويبرر كنوث مقترحه بأنّ "المدارس تمنع أيضاً ارتداء القبعات".

وكانت ثانوية "لونغبي" التي تقدم فصولاً فردية للبالغين قد منعت العام الماضي ارتداء الطالبات النقاب. ويأمل كنوث بأن "تستلهم مدارس الدنمارك من نموذج إدارة تلك الثانوية بإقدامها على المنع". مع ذلك، أعلن أنّه ليس ضد منع الحجاب في كلّ مدارس الدنمارك، بل إذا وجدت مدرسة ضرورة للمنع، بسبب المضايقات الدينية عند ارتداء فتيات الحجاب فأنا أرحب بحظره في تلك المدارس. فالمدارس يجب أن تكون الفسحة التي تعكس الحرية والانفتاح في المجتمع الدنماركي".

جدلية الحجاب وحظره مطروحة في كوبنهاغن منذ العام الماضي، وذلك حين عرض حزب الشعب الدنماركي (يمين متشدد) فكرة الحظر في كلّ مدارس الدنمارك ضمن مفاوضات مع حزب "فينسترا" الليبرالي الحاكم كأقلية آنذاك، حول مشروع رؤية للدنمارك سمي "2025".

رفض كنوث الإجابة على كلّ أسئلة "العربي الجديد" حول تصريحاته هو بالذات بخصوص الحجاب. في المقابل، ذكر بعض البرلمانيين اليساريين أنّهم لم يطلعوا على مقترح كنوث، فيما عقّب آخرون بأنّ "مسألة ارتداء الحجاب تعود إلى الفتيات أنفسهن، إن كن يردن ارتداءه أم لا. ما يهمنا في هذه القضية بشكل أساسي كمجتمع ضمان ألّا يجبرهن أحد على الحجاب ضد إرادتهن"، وفقاً لما تقوله لـ"العربي الجديد" مقررة شؤون الهجرة والدمج في البرلمان يوهنا شميت نيلسن.



النموذج الفرنسي
المؤيدون لحظر الحجاب في المدارس يتسلحون بالنموذج الفرنسي. فقد جرى تطبيقه عام 2004، وفيه يُمنع "حمل أو ارتداء علامات ورموز دينية واضحة في المدارس".

المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان صدّقت على القرار الفرنسي باعتبار "التقاليد الفرنسية في فصل الدين عن الدولة صارمة. ومسألة حيادية المدارس عن الدين واضحة في هذا المقام".
وبناء عليه يرى خبراء قانونيون أنّه لا يمكن تبني قانون النموذج الفرنسي لأنّه "لا فصل تاماً في الدنمارك بين الكنيسة والدولة"، وذلك وفقا للدستور الذي يربط بين الطرفين.

بدورهم، يعتبر مدرّسون وقانونيون أيضاً أنّ الحظر "يتعارض تماماً مع الدستور الذي يكفل حرية الدين والمعتقد في البلاد".

فمدير المنظمة الحقوقية "جوستيتيا" يعقوب ماكنغاما يميل إلى اعتبار الحظر "يحمل رمزية سياسية". ويضيف أنّ "العديد من محاكم حقوق الإنسان صدّقت على الحظر ومنحت الحكومات حيزاً واسعاً للحدّ من الحريات الدينية. لكن بالطبع هذا يرتبط بأسباب محددة للحظر. فإذا ما نظرنا إلى أنّ بعض التلميذات من المسلمات تعرضن لمضايقات بسبب عدم ارتدائهن الحجاب، من أخريات يرتدينه، فبالتأكيد ستكون هناك أسباب محددة ما يعني أننا دخلنا في سياسة رمزية للحظر".

بالنسبة للمعهد الدنماركي لحقوق الإنسان، فإنّ "الحظر يعتبر تدخلاً في الحدّ من الحرية الدينية التي تعتبر مركزية في الحقوق الأساسية للبشر"، وفقاً لتعليق المحامية في المعهد نانا كراوسو. لا تستطيع كراوسو تقدير ما يمكن أن تحصل عليه الدنمارك إذا ما رفعت القضية أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، خصوصاً "إذا ما ذهبت البلاد إلى حظر تام على جميع الفتيات في كلّ المدارس".

مسؤول تجمع المدارس كلاوس يورتدال يرى في المقترح القاضي بحظر الحجاب في المدارس "أمراً غير دنماركي البتة. نحن نعمل من خلال الحوار بين التلاميذ وأولياء الأمور وليس عبر قرارات حظر". ويعارض يورتدال سياسة الحظر: "لم أسمع بمدرسة واحدة تطالب حظر الحجاب أو تقديم مقترح حول الأمر". تصريحه الأخير يحمل انتقاداً للسياسيين باعتبارهم "هم من يخترعون المقترحات باسم المؤسسات من دون مراجعتها أو إشراكها".

مصلحة الأطفال
لا تختلف مشكلة الدنمارك عن غيرها من دول الشمال وألمانيا والنمسا وهولندا. الانشغال لدى الدنماركيين، يميناً ويساراً، يتعلق بما يطلقون عليه "مصلحة الأطفال". وتواجه سلطات الدول التي تستقبل جاليات مسلمة عدداً من المسائل الشائكة، وقد تكون قضية الحجاب في ذيل القائمة. فمسألة "الإجبار على الزواج" المبكر أو من شخص معين، حاولت الدنمارك منذ سنوات حلّها بفرض قانون "24 سنة". استهدف القانون منع أزواج وزوجات من القدوم إلى البلاد ضمن نظام لمّ الشمل بعد عقد القران. ووضعت شروطاً عديدة للأمر منها ضمانات مالية ونقاط يجري تحصيلها للحصول على إقامة دائمة. لكنّ الأمر انهار إثر اكتشاف أنّ السويد ليس فيها مثل تلك الشروط، فبدأت العديد من العائلات تنقل عناوينها إلى السويد (خصوصاً حملة الجنسيات) لتسهيل مجيء الزوج أو الزوجة. وفي حالات كثيرة، جرى أيضاً الدخول في حوار بين مؤسسات الدولة و"تجمّع الأئمة" في الدنمارك لمناقشة قضية الإجبار على الزواج.

لكنّ مسائل معقدة بدأت تبرز مؤخراً وبحدة في عدد من الدول، منها رفض بعض العائلات ذهاب بناتها إلى الرياضة أو السباحة ضمن دروس إلزامية في المدارس الرسمية الابتدائية. والأمر الأخير أكثر اشتعالاً في النقاشات المجتمعية وفي الصحافة من قضية الحجاب لدى فتيات في المرحلة الابتدائية.

يخشى كثيرون ممن تحدثت إليهم "العربي الجديد" من أن "يؤدي ذلك الأمر إلى مزيد من الفجوات وعدم تفهم المجتمعات المستقبلة رفض بعض المهاجرين النظام التعليمي والقيم والثقافة العامة في هذه المجتمعات الغربية. وبين حين وآخر يحاول بعض الأئمة، خصوصاً ممن يقيمون في البلاد منذ وقت طويل، التدخل لإيجاد حلول وسطية "بدل انتشار حالات التصادم بين بعض العائلات والمدارس" وقيام بعضهم بسحب بناتهم من النظام التعليمي "ما يفاقم المشكلة" وفقاً لأحد الأئمة الذين تحدثوا إلى "العربي الجديد". يضيف: "لدينا للأسف مثل هذه الحالات، والتي لم يفهم أولياء الأمور نتائجها الوخيمة... ومن بينها إيجاد عائلات أخرى تربّي مؤقتاً أطفالاً لآباء تصرفوا وكأنّهم لا يحترمون نظم وقوانين التدريس في البلاد".

رغبة في المغادرة
لا تخفي بعض العائلات المهاجرة تذمّرها مما تطلق عليه "غياب الأخلاق. إذ كيف أسمح لابنتي (7 سنوات) أن تسبح مع الصبيان؟ لا وفوق ذلك عليها أن تستحم في المسبح أمام بنات أخريات. بصراحة، بتّ أفكر في ترك البلاد وسحب اللجوء"، كما يشرح ربّ عائلة جاء إلى الدنمارك مهاجراً عام 2015، ويرفض ذكر اسمه.

أطراف دنماركية تتفهم ظروف بعض المهاجرين وثقافتهم تخشى أيضاً في حديثها إلى "العربي الجديد" من أنّ انتشار مثل هذه الأمور يشكل عبئاً كبيراً على قضية الاندماج. وفي نفس الوقت يتسلح اليمين المتطرف بما يخدم خطابه من أنّه "يستحيل أن يندمج المسلمون في مجتمعاتنا الغربية". وهو موقف تجاوز اليمين المتطرف إلى يمين الوسط كحال الوزيرة ستويبرغ. كذلك، فإنّ الملكة الدنماركية مارغريتا الثانية تدخلت في الأمر (على الرغم من أنّها ملكة دستورية لا يحق لها التدخل في السياسة) فذهبت في خطبة رأس السنة إلى القول: "على المهاجرين أيضاً أن يعرفوا إلى أيّ مجتمعات جاؤوا". وهو تلميح تكرر للعام الثاني على التوالي عاكساً حالة اجتماعية متفاقمة بين المجتمعات المستقبلة وثقافتها، والمهاجرين الجدد.

المساهمون