انتقلت روسيا إلى مرحلة الكذب المفضوح في إطار منعها أي تحقيق جدي بمجزرة الكيميائي في دوما، لعلمها بأن أحداً لا ينوي مواجهتها أو وضع حد لتفردها في الملف السوري، بينما عادت المقاتلات العراقية بالتنسيق مع نظام الأسد والأميركيين للإغارة على مناطق سورية، للمرة الثانية خلال العامين الماضيين. في مقابل ذلك، ظهر كأن الأمم المتحدة تكرّم الأداء الروسي في مجلس الأمن الدولي لناحية حماية نظام بشار الأسد من أي قرارات من شأنها منعه من مواصلة مجازره، فقررت المنظمة الأممية إرسال مندوبي الدول الـ15 الذين يشكلون مجلس الأمن الدولي، إلى خلوة في إحدى مزارع الريف السويدي، لـ"التأمل" حيال الملف السوري، في شكل جديد لسوريالية التعاطي العالمي مع الإبادة السورية.
وبعدما أطلق النظام السوري الرصاص على الوفد الأمني التابع للأمم المتحدة، والذي كان يرصد إمكانية دخول محققي منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى دوما للتحقيق وجمع الأدلة، انتقلت روسيا سياسياً وإعلامياً إلى مرحلة جديدة من الكذب المفضوح، عندما ادعت أن مقاتلي المعارضة يمنعون وفد التحقيق الدولي من الدخول إلى دوما، التي أعلن النظام السوري سيطرته المطلقة عليها منذ أكثر من أسبوع، بعد تهجير أهلها من مدنيين وعسكريين إلى جرابلس، شمالي سورية، على بعد مئات الكيلومترات من الغوطة الشرقية لدمشق. ولما كانت تلك الرواية لا تكفي لتبرير منع المحققين من دخول دوما، لجمع ما تبقى من أدلة مجزرة السابع من إبريل/ نيسان، فقد أعلنت وزارة الخارجية الروسية أنه "تم ضبط حاويات وقنابل كيميائية مصدرها ألمانيا وبريطانيا في دوما"، وذلك في أحدث مظاهر ترجمة الموقف الذي أعرب عنه المندوب الروسي في مجلس الأمن الدولي، فاسيلي نيبينزيا، ومفاده أنه لا حاجة أصلاً للجنة تحقيق في مجزرة دوما. وأوضحت وزارة الخارجية الروسية، عصر أمس الخميس، أنه "تم العثور على حاويات كلور من ألمانيا وقنابل غاز مصنوعة في سالزبوري البريطانية أثناء تحرير دوما". ونقلت وكالة الإعلام الروسية عن ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية، ممثل الرئيس فلاديمير بوتين إلى الشرق الأوسط، قوله إن "مقاتلي المعارضة السورية يمنعون مفتشي منظمة حظر الأسلحة الكيميائية من الوصول إلى مدينة دوما" من دون أن يشرح للعالم كيف يحصل ذلك مع أنه لم يعد هناك وجود لمقاتلي المعارضة في الغوطة منذ التاسع من إبريل/ نيسان الحالي.
في غضون ذلك، كانت لجنة التحقيق الدولية تنتظر في الفنادق الدمشقية إذناً لم يصدر عن حكام دمشق لتتمكن من ممارسة مهمتها وجمع أدلة جريمة دوما. وقال مسؤولون في الأمم المتحدة إن فريقاً من خبراء المنظمة الدولية يناقش مع السلطات السورية والروسية حالياً ترتيبات أمنية تسمح بنشر خبراء منظمة حظر الأسلحة الكيميائية للتحقيق في الهجوم، وذلك بعد يوم واحد من تعرض فريق أمني تابع للمنظمة الأممية لإطلاق نار خلال قيامه بمهمة استطلاعية في دوما تمهيداً لدخول محققي منظمة حظر الأسلحة الكيميائية. وقالت إدارة الأمم المتحدة للسلامة والأمن في تقرير وجه إلى مجلس الأمن الدولي، وحصلت وكالة "فرانس برس" على نسخة منه، إنها تأمل في وضع ترتيبات تسمح للفريق بالانتشار "في أقرب وقت ممكن". وفريق التحقيق الكيميائي ينتظر، منذ يوم السبت في دمشق، الموافقات التي لم تصدر ليدخل إلى دوما.
في غضون ذلك، قال مكتب رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي إنها اتفقت مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، أمس الخميس، على أن استخدام الأسلحة الكيميائية "على يد أي كان في أي مكان ولأي هدف غير مقبول". بدوره، اعتبر شي أنه "يجب إجراء تحقيق شامل وعادل" وموضوعي في هجوم دوما. كذلك شدّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لنظيره الصيني، على أهمية "عدم إفساح المجال أمام أي تطور من شأنه تصعيد التوتر في سورية"، وذلك خلال مكالمة هاتفية جرت بين أردوغان وشي.
وبعد أسبوع طويل من المواجهات الدبلوماسية حول سورية، كان الفيتو الروسي الـ12 حمايةً للأسد ولنظامه سيد الموقف خلاله، يتوجه سفراء الدول الـ15 الأعضاء في مجلس الأمن الدولي في نهاية الأسبوع الجاري إلى مزرعة جنوبي السويد للقيام "بخلوة" لمحاولة كسر الجمود حول وسائل إنهاء الحرب السورية. وتشارك المندوبة الأميركية نيكي هيلي ونظيرها الروسي فاسيلي نيبينزيا والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس في هذه "الخلوة"، اليوم الجمعة، والسبت والأحد.
وسيقيم أعضاء المجلس في السويد في باكاكرا، المقر الصيفي لداغ هامرشولد، الذي كان ثاني أمين عام للأمم المتحدة ولقي مصرعه في حادث تحطم طائرة كانت تقله في أفريقيا في ظروف لم تكشف بعد. وقال مساعد سفير السويد في الأمم المتحدة كارل سكاو، إن المزرعة الواقعة في جنوب السويد والبعيدة عن استوكهولم "مكان مناسب ومصدر وحي" للعودة إلى قوة الدبلوماسية. وأضاف "إنها مكان نشمر فيه عن سواعدنا ونخلع ستراتنا وربطات العنق ونطرح بعض الطرق الواقعية والمهمة للسير قدماً". وينظم مجلس الأمن كل سنة خلوة غير رسمية لأعضائه في ضواحي نيويورك عادة. لكن السويد عرضت استضافتها هذه السنة.
على صعيد آخر، أعلن وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، أن الجولة المقبلة للمباحثات المتعلقة بالشأن السوري، في إطار مسار أستانة الذي يهيمن عليه الثلاثي الروسي التركي الإيراني، ستعقد يومي 14 - 15 مايو/ أيار المقبلين في العاصمة الكازاخية. جاء ذلك في مؤتمر صحافي مشترك عقده جاووش أوغلو مع نظيره الكازاخي خيرات عبد الرحمنوف، عقب لقائهما في مقر وزارة الخارجية في أنقرة. واعتبر جاووش أوغلو أن مسار أستانة "لعب دوراً كبيراً وهاماً للغاية في إرساء وقف لإطلاق النار، وإنشاء مناطق خفض التصعيد، واتخاذ خطوات بناء الثقة"، على حد تعبيره، وهو ما تكذبه الوقائع السورية على الأرض.
في سياق آخر، انضم العراق إلى مجموعة الدول التي تستبيح الأراضي السورية، بموافقات تبدأ من النظام السوري وروسيا وتنتهي عند القيادة الأميركية للتحالف الدولي ضد "داعش". فقد أعلنت الحكومة العراقية، أمس الخميس، عن تنفيذ سلاح الجو العراقي ضربات مباشرة داخل الأراضي السورية، استهدفت موقعاً لتنظيم "داعش" من جهة الحدود مع العراق، فيما كشف مسؤول عسكري عراقي عن تنسيق مسبق مع النظام السوري والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. وكشف مسؤول في وزارة الدفاع العراقية لـ"العربي الجديد"، أن المواقع التي تم استهدافها داخل سورية "تقع في البوكمال وريف دير الزور وقرب ميادين السورية"، وأن مقاتلات من طراز أف 16 تابعة لسلاح الجو العراقي نفذت الهجوم منطلقة من قاعدة بلد العسكرية، وسط العراق. وشدد المسؤول العراقي على أن بغداد نسقت الخطوة مع دمشق والتحالف الدولي "الذي زود بغداد بصور جوية ومعلومات استخبارية حول المواقع المستهدفة". وكان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قد وصف الأسبوع الماضي وجود أعضاء تنظيم "داعش" في مناطق حدودية سورية قرب العراق كـ"عامل قلق وتهديد"، متعهداً بأن العراق قد يمارس حقه في ملاحقتهم واستهداف مواقعهم. وفي فبراير/ شباط 2017، شنت مقاتلات عراقية غارات على أهداف لـ"داعش" في سورية، بالتنسيق مع التحالف الدولي لمحاربة التنظيم، الذي تقوده الولايات المتحدة.