فتحت عدد من المدارس أبوابها في أفغانستان، الأسبوع الماضي، على أن تتبعها البقية اليوم، وسط تهديدات أمنية كثيرة. إلا أن المشاكل لا تنحصر هنا. ويمكن إضافة غياب دور الحكومة والمجتمع الدولي لتطوير وتحسين الوضع التعليمي في البلاد، عدا عن الفساد المالي والإداري، بالإضافة إلى التهديدات الأمنية. هذه العوامل مجتمعة تجعل أفغانستان إحدى أسوأ دول العالم من ناحية التعليم.
ويكفي ذكر بعض الصعوبات التي يعاني منها القطاع، ليتبين مدى افتقاره إلى جهود الحكومة والمجتمع الدولي والقبائل. في السياق، تقول مصادر قبلية في مديرية نازيان في إقليم ننجرهار، إن مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" أغلقوا جميع مدارس المديرية، من بينها خمس ثانويات، ما جعل مئات الطلاب والطالبات من دون تعليم. ولم يبين التنظيم أسباب إغلاق المدارس، وإن كان سكان المديرية يقولون إن الأمر بمثابة ورقة ضغط من قبل الجماعات المسلحة. فقبل ثلاثة أشهر تقريباً، أغلقت حركة "طالبان" عدداً من المدارس في المديرية ذاتها، بهدف الضغط على الحكومة للإفراج عن بعض معتقليها، إلا أنها اضطرت إلى فتحها بوساطة قبلية، بعدما رفضت الحكومة طلبها.
هكذا، ولأسباب مماثلة، يصبح آلاف التلاميذ من دون تعليم، بسبب إغلاق الفصائل المسلحة مدارسهم. وبطبيعة الحال، يؤثر الوضع الأمني المتردي، والمعارك الدائرة بين الجيش الأفغاني والجماعات المسلحة، بصورة مباشرة وسريعة، على قطاع التعليم. وتشير إحصائية إلى أن نحو مائة ألف تلميذ أضحوا من دون تعليم، بعدما أغلقت نحو مائة مدرسة أبوابها، بسبب تهديدات الجماعات المسلحة في إقليم هلمند (جنوب البلاد).
في السياق، يقول مسؤول التعليم في الإقليم، عبد المتين جعفر، إن التهديدات الأمنية أدت إلى إغلاق نحو 107 مدارس من أصل 384، كان يدرس فيها نحو مائة ألف تلميذ، ويبدي أسفه لهذا الواقع. وقد انتقل أساتذة للعمل في مدارس أخرى، علماً أن جلهم صاروا عاطلين عن العمل.
تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من إعلان الحركة أنها تعمل لتطوير التعليم في أفغانستان، حتى إنها لم تعد تعارض تعليم الفتيات، خلافاً لسياساتها القديمة، إلا أن مسلحيها يعمدون إلى إغلاق المدارس. على سبيل المثال، أقدمت بعض الفصائل على إغلاق مدارس في إقليم قندز (شمال البلاد)، فيما أصدرت أخرى قرارات بحذف مواد تخالف الشريعة الإسلامية، منها تلك التي ذكرت فيها أسماء آلات موسيقية. ولجأ مسؤولون إلى حذف تلك المواد من الكتب المدرسية بعد الضغط الذي مارسته "طالبان" بهدف الحفاظ على المدارس.
وفي أحيانٍ كثيرة، تُقدم جماعات مسلحة على تفجير أو تدمير مدارس، خصوصاً في المناطق النائية، على غرار ما حصل أخيراً في مدينة غزنة في وسط البلاد، وقد أقدم مسلحون ملثمون على تفجير ثانوية إمام حداد، الواقعة في منطقة خشك.
ويقول أحد سكان المنطقة، ويُدعى عبدالرحمن، إن نحو 1200 تلميذ كانوا يدرسون في الثانوية، وقد فجرها مسلحون مجهولون ليلاً.
وعلى الرغم من عدم وجود إحصائية تشير إلى عدد المدارس التي دمرها مسلحون، إلا أن وزارة التعليم، وحتى القبائل، تؤكد أن عشرات المدارس تقع تحت سيطرة المسلحين، علماً أن "طالبان" أكدت أنها تبحث عن المتورطين في تفجير المدارس.
أما الحكومة، التي حصلت على مليارات الدولارات، خلال العقد الماضي، لتطوير وتحسين قطاع التعليم في أفغانستان، فلم تؤد دورها في هذا المجال. وما زال القطاع يعاني من مشاكل عدة ويفتقر إلى العمل والتنسيق بين الحكومة والمجتمع الدولي والقبائل.
إلى ذلك، ما زال عدد من التلاميذ يدرسون في العراء، بسبب عدم وجود مبان، وعادة ما تبقى مغلقة عند هطول الأمطار. في إقليم لغمان (شرق البلاد)، هناك نحو 130 مدرسة تقدم التعليم في العراء، بحسب مسؤول إدارة التعليم الإقليمي محمد حضرت مجددي. يضيف أنه في الإقليم نحو 298 مدرسة للبنين والبنات، من بينها 130 مدرسة في العراء. ويؤكد أن ميزانية هذا العام تسمح فقط ببناء 29 مبنى، ما يعني أن باقي مدارس الإقليم ستبقى بلا مبان حتى العام الدراسي المقبل.
ولا يختلف وضع التعليم في قندهار كثيراً عن الوضع في لغمان. وتؤكد إدارة التعليم الإقليمي أن نحو 60 مدرسة، بينها مدارس البنين والبنات، ليست لها مبان خاصة. وبحسب مسؤول الإدارة، عوض نظري، ففي مدينة قندهار وحدها نحو 60 مدرسة من دون مبان، مشيراً إلى أن الإدارة رفعت تقارير عدة لوزارة التعليم لتشييد مبان، بالإضافة إلى غيرها من المشاكل في الإقليم، إلا أن التلكؤ والفساد يزيدان الأمور تعقيداً. وتجدر الإشارة إلى أن مشاكل قطاع التعليم في المناطق النائية هي أكبر بكثير.
هكذا، فإن مئات المدارس في مختلف الأقاليم الأفغانية تفتقر إلى المباني الخاصة، علماً أن بعض المبالغ التي خصصت لتشييد المباني، حولت إلى جيوب عدد من المسؤولين، وذلك بحسب تقرير لجنة تقصّي الحقائق التي كلفها الرئيس الأفغاني أشرف غني بإجراء تحقيق بشأن الفساد المالي في وزارة التعليم.
اقرأ أيضاً: تلاميذ أفغانستان بلا مدارس
وعلى الرغم من أن أزمة نقص الكتب قد حُلت إلى حد كبير مع تولي الرئيس الأفغاني الجديد زمام الحكم في سبتمبر/أيلول من العام الماضي، وإصداره أوامر بتوفير الكتب إلى جميع المدارس، ما زالت بعض المدارس في المناطق النائية في الأقاليم الجنوبية تعاني من نقص في الكتب، ما يعني أن الأزمة بحاجة إلى اهتمام أكبر من قبل الحكومة، خصوصاً أن أعداد التلاميذ قد زادت في بعض المدن الرئيسية.
ويقول مسؤول إدارة التعليم في إقليم قندهار، عوض نظري، إن المشكلة قد حلت إلى حد ما، ولكن مدارس قندهار ما زالت تعاني من نقص في الكتب والمستلزمات الدراسية الأخرى. وتطرق إلى النقص في الكتب، إلا أنه أشاد في الوقت نفسه بدور الحكومة الجديدة بالسعي إلى حل مشكلة نقص الكتب، آملاً أن يكون العام المقبل أفضل من الأعوام السابقة.
يضاف إلى ما سبق النقص الحاد في عدد المدرسين في عدد من المدن والأقاليم الأفغانية. ووجهت إدارة التعليم في إقليم قندهار أخيراً رسالة إلى الحكومة المركزية، ذكرت فيها أنها اضطرت إلى إغلاق بعض المدارس في المناطق النائية والبعيدة، نظراً لقلة عدد المدرسين والكوادر، مشيرة إلى أن الإدارة تعاني من نقص في الأساتذة في المدارس التابعة لها.
ويقول عوض إن الإدارة اضطرت إلى إغلاق المدارس في مديريتي خوراك وريجستان بسبب قلة عدد المدرسين، وقد ناقشت القضية مع الحكومة المركزية، لافتاً إلى أن بعض المدارس قد أغلقت منذ نحو سنتين. صحيح أن الوضع الأمني ساعد على فتح أخرى، إلا أنها تعاني بدورها من نقص حاد في الكوادر والمدرسين.
أيضاً، كان للفساد المالي والإداري دور كبير في تدهور قطاع التعليم. وعلى الرغم من إغلاق عدد من مدارس الفتيات، كان المسؤولون يحصلون على رواتب الأساتذة، وهو ما كشفته لجنة تقصّي الحقائق. وكشفت مؤسسة الشفافية الدولية أن نحو ألف مدرسة حكومية موجودة على الورق فقط قد خصصت لها ميزانيات، علماً أنه لا وجود لها على أرض الواقع.
وقبل بعض الوقت، بدأت الحكومة الأفغانية بمراقبة قطاع التعليم، وشكل الرئيس الأفغاني لجنة خاصة لإجراء التحقيق في الفساد المالي، وبدأت النيابة العامة ملاحقة بعض المتورطين في الفساد في القطاع، وقد اعتقل العديد منهم. على سبيل المثال، اعتقل في منتصف شهر أغسطس/آب الماضي ستة موظفين من إدارة التعليم في إقليم بكتيا، بتهمة التورط في الفساد المالي، على أن يمثلوا أمام المحكمة قريباً.
وكان الرئيس الأفغاني قد كرر مراراً وعوده بالقضاء على الفساد المالي في الحكومة، وفي قطاع التعليم والمؤسسات الأمنية على وجه الخصوص، ترافقت مع حملة أمنية ضد المتورطين في الفساد، وقد اعتقل العشرات حتى الآن، بينهم كبار المسؤولين في حكومة حامد قرضاي السابقة. وبانتظار الإيفاء بالوعود، ستبقى الجماعات المسلحة والوضع الأمني يهددان مستقبل التلاميذ في البلاد.
اقرأ أيضاً: مدارس للسجناء في أفغانستان