قبل عامين من اليوم، كان بعض أطفال التّجمع البدويّ لعرب الكعابنة وعرب العراعرة يعرضون حياتهم للخطر من أجل الوصول إلى مدرستهم في قرية جبع شمال شرق القدس المحتلة. عوضاً عن خطر عبور الشّارع الاستيطاني المحاذي، اضطر هؤلاء الأطفال إلى المرور داخل أسطوانة ضيّقة لتصريف مياه الأمطار (عبّارة) موجودة أسفل الشّارع، ومن ثمّ المواصلة مشياً على الأقدام في طريق وعرة وصولاً إلى المدرسة.
أما اليوم ومنذ سبتمبر/أيلول 2014، يدرس هؤلاء الأطفال وغيرهم من أبناء التّجمع البدوي في المرحلة الابتدائية في مدرستهم الجديدة التي لا تبعد سوى أمتار قليلة عن بيوتهم المتواضعة. لم يكن بناء المدرسة ذات الإمكانيات البسيطة، والمكوّنة من "كرافانات"، والمفتقرة للمرافق التّرفيهية والتّعليمية الكافية، أمراً سهلاً. أبو يوسف الكعابنة (45 عاماً)، مختار عرب الكعابنة، طالب في السّابق وزارة التّربية والتّعليم الفلسطينية بتأمين حافلة لنقل الطلاب إلى مدارسهم في القرى المجاورة بدلاً من هذه المخاطرة، إلا أن مطالبه لم تجد آذاناً مصغية.
رغم ذلك لم تتوقف جهود أبو يوسف في محاولة توفير مقومات الصّمود لأهالي التّجمع على أراضيهم. وبدلاً من الحصول على حافلات نقل للطلاب إلى المدارس القريبة، أثمرت تلك الجهود إقامة مدرسة مخصصة لأبناء التّجمع. وبعد أن تبرع أحد أهالي قرية جبع المحاذية بقطعة أرض بمساحة 600 متر مربع لتقام عليها المدرسة، وأخذ أبناء التجمع البدوي على عاتقهم تجهيز الأرض وتسويتها لتصبح صالحة لإقامة المدرسة عليها، وبتمويل مؤسسة "العمل ضدّ الجوع" للكرافانات والأثاث المدرسيّ، أصبح للتجمع البدوي المهدد بالترحيل مدرسة. وينتظم اليوم في المدرسة أكثر من 50 طالباً وطالبة من أبناء العشيرتين في المدرسة من الصّف الأول حتى السّادس.
دعوى استيطانية لهدم المدرسة
بعد شهر من افتتاح المدرسة أرسلت الإدارة المدنية للاحتلال الإسرائيلي، للتجمع إخطاراً بهدمها بحجة أنها "بناء غير مرخص وغير قانوني". إلا أن التّجمع حصل على أمر احترازي من المحكمة الإسرائيلية يُجمد أمر الهدم بشرط عدم إقامة أية إضافات أخرى على المدرسة.
لم يرق ذلك لـ"جيران" عشيرتي العراعرة والكعابنة، فتوجه مستوطنو مستوطنة "آدم" القريبة بواسطة مؤسسة "ريجفيم" الاستيطانية بدعوى قضائية ضدّ الإدارة المدنية الإسرائيلية بحجة أن الأخيرة "لا تنفذ القانون" ولا تطبق أوامر الهدم الصادرة عنها. يتستر محامو مؤسسة "ريجفيم" وراء ادعاءات "الرغبة في تنفيذ القوانين"، ويتركز عملهم في الضفة الغربية على ملاحقة أوامر الهدم المجمدة والمطالبة بتفعيلها، في محاولة لطرد العرب من أراضيهم والاستيلاء عليها.
ويوم الأربعاء 17 فبراير/شباط الجاري، عُقدت المحكمة الإسرائيلية العليا لمناقشة الدعوى وقضى قرارها بتجميد أمر هدم المدرسة، مع التحذير أنه في حال تمت إضافة أية إضافات جديدة للمدرسة سيتم توزيع إخطارات جديدة بالهدم، وسيكون تنفيذها "من أولويات الإدارة المدنية". وكانت مؤسسة "ريجفيم" قد طالبت من خلال هذه الدعوى بالمحاسبة الجنائية للمسؤولين عن بناء المدرسة، وبمساءلة ممثلي الاتحاد الأوروبي لمساهمته في تمويل إقامة المدرسة.
ظروف صعبة
وعدا عن أمر الهدم الذي واجهته المدرسة ونجحت في تجميده، فإن 27 بيتاً من أصل 35 بيتاً في التجمع البدويّ مهدداً بالهدم بحجة البناء غير المرخص، على الرغم من كون هذه البيوت مجرد بركسات من الزينكو. يستذكر أبو يوسف أن أول أمر بالهدم تلقاها أبناء التّجمع كان في العام 1995، وقد تعرضت منذ ذلك الحين بيوت التّجمع البدويّ إلى الهدم أكثر من مرة، وفي كل مرة يعاود الأهالي بناءها من جديد.
ويسبق تاريخُ عائلة الكعابنة في المنطقة تاريخ مستوطنة "آدم". فيما استولى المستوطنون على الأرض وأقاموا مستوطنتهم في عام 1984، يذكر أبو يوسف أن والده استقر على هذه الأراضي في عام 1965، خاصة أنها مناسبة لنمط عيشهم الرعويّ، فهي مشرفة على بريّة القدس وقريبة من الأراضي الصّالحة للرعيّ. فيما بعد قام والده بشراء 3 دونمات منها من أهالي قرية جبع. وفيما بعد تبعه اخوانه وآخرون من عشيرتي الكعابنة والعراعرة حتى أصبحوا يملكون الأرض التي يعيشون فوقها، ووصلت أعدادهم اليوم إلى أكثر من 220 شخصاً.
وفي سنوات السّبعينيات حصل والد يوسف وعمه على تراخيص بناء من الإدارة المدنية الإسرائيلية ويعتبر هذين المنزلين من المنازل القليلة جدا في القرية المبنية بالحجر، والتي لم تحصل على إخطارات بالهدم. إلا أن أبو يوسف نفسه الذي يعيش في بركس من الزينكو واجه الهدم 3 مرات على الأقل. في إحداها، وبتأثير من اقتحام جنود الاحتلال للمنطقة وإرهابهم لسكانها، أصبح أحد أطفاله يعاني من صعوبة في النطق. يقول أبو يوسف: "يتعمدون المجيء في الليل تخويفاً للناس وبعيداً عن عيون الصّحافة".
ويقول أبو يوسف أنه بعد بناء المستوطنة إلى الشّرق من التّجمع، وبناء الجدار الفاصل إلى الغرب منه، وبوجود الشوارع الاستيطانية حول التّجمع أصبح رعي الأغنام والمواشي أكثر صعوبة وأقل نفعاً. وبسبب ضيق ذات اليد أصبح ما يقارب 90% من أهالي العشيرتين معتمدين على مساعدات وزارة الشّؤون الاجتماعية الفلسطينية.
ويحاول المستوطنون التضييق على أهالي التّجمع بمختلف الطرق. فعدا عن الدعوى القضائية لهدم مدرستهم المتواضعة، يتلقى أبو يوسف اتصالات تهديدية منهم تحذره من دعوة النشطاء الأجانب أو الصّحافيين للاطلاع على الأوضاع الصعبة التي يعيشها أبناء التجمع.
ويدرج اسم أبو يوسف ضمن قائمة "الممنوعين أمنياً" من الحصول على تصريح لزيارة القدس المحتلة، كما يهدده المستوطنون بقطع أرزاق أبناء التّجمع العاملين في المستوطنات القريبة. وفي إحدى المرات، توّجهت شركة إسرائيلية لشراء مبنى قديم في التّجمع ادعت أنها ترغب في تحويله إلى محطة وقود. وهي خطوة يرى أبو يوسف أنها أسلوب ملتوٍ للتضييق على الناس وتهجيرهم، وقد أدى تنبهه لذلك إلى منع تسريب الأرض والمبنى للمستوطنين.
إهمال رسمي
في مقابل صمود عرب الكعابنة والعراعرة على أراضيهم في بادية القدس المحتلة على الرغم من ضعف الإمكانات، يعتقد أبو يوسف أن المسؤولين الفلسطينيين في السّلطة الفلسطينية لا يجيدون سوى "الكلام المعسول"، ويصفهم بالقول: "يأتون عندما تأتي الكاميرات". ويذكر أبو يوسف أن بعض الجهات الرسمية الفلسطينية قد وعدته بإعفاء أبناء التجمع من فواتير المياه والكهرباء في خطوة لدعم صمود الأهالي على أراضيهم إلا أن ذلك لم يحدث. ويرى أبو يوسف أن بقاءه وبقاء أبناء العشيرتين على هذه الأراضي تمنع تمدد مستوطنة "آدم" ويحرس المزيد من الأراضي الفلسطينية.
أما اليوم ومنذ سبتمبر/أيلول 2014، يدرس هؤلاء الأطفال وغيرهم من أبناء التّجمع البدوي في المرحلة الابتدائية في مدرستهم الجديدة التي لا تبعد سوى أمتار قليلة عن بيوتهم المتواضعة. لم يكن بناء المدرسة ذات الإمكانيات البسيطة، والمكوّنة من "كرافانات"، والمفتقرة للمرافق التّرفيهية والتّعليمية الكافية، أمراً سهلاً. أبو يوسف الكعابنة (45 عاماً)، مختار عرب الكعابنة، طالب في السّابق وزارة التّربية والتّعليم الفلسطينية بتأمين حافلة لنقل الطلاب إلى مدارسهم في القرى المجاورة بدلاً من هذه المخاطرة، إلا أن مطالبه لم تجد آذاناً مصغية.
رغم ذلك لم تتوقف جهود أبو يوسف في محاولة توفير مقومات الصّمود لأهالي التّجمع على أراضيهم. وبدلاً من الحصول على حافلات نقل للطلاب إلى المدارس القريبة، أثمرت تلك الجهود إقامة مدرسة مخصصة لأبناء التّجمع. وبعد أن تبرع أحد أهالي قرية جبع المحاذية بقطعة أرض بمساحة 600 متر مربع لتقام عليها المدرسة، وأخذ أبناء التجمع البدوي على عاتقهم تجهيز الأرض وتسويتها لتصبح صالحة لإقامة المدرسة عليها، وبتمويل مؤسسة "العمل ضدّ الجوع" للكرافانات والأثاث المدرسيّ، أصبح للتجمع البدوي المهدد بالترحيل مدرسة. وينتظم اليوم في المدرسة أكثر من 50 طالباً وطالبة من أبناء العشيرتين في المدرسة من الصّف الأول حتى السّادس.
دعوى استيطانية لهدم المدرسة
بعد شهر من افتتاح المدرسة أرسلت الإدارة المدنية للاحتلال الإسرائيلي، للتجمع إخطاراً بهدمها بحجة أنها "بناء غير مرخص وغير قانوني". إلا أن التّجمع حصل على أمر احترازي من المحكمة الإسرائيلية يُجمد أمر الهدم بشرط عدم إقامة أية إضافات أخرى على المدرسة.
لم يرق ذلك لـ"جيران" عشيرتي العراعرة والكعابنة، فتوجه مستوطنو مستوطنة "آدم" القريبة بواسطة مؤسسة "ريجفيم" الاستيطانية بدعوى قضائية ضدّ الإدارة المدنية الإسرائيلية بحجة أن الأخيرة "لا تنفذ القانون" ولا تطبق أوامر الهدم الصادرة عنها. يتستر محامو مؤسسة "ريجفيم" وراء ادعاءات "الرغبة في تنفيذ القوانين"، ويتركز عملهم في الضفة الغربية على ملاحقة أوامر الهدم المجمدة والمطالبة بتفعيلها، في محاولة لطرد العرب من أراضيهم والاستيلاء عليها.
ويوم الأربعاء 17 فبراير/شباط الجاري، عُقدت المحكمة الإسرائيلية العليا لمناقشة الدعوى وقضى قرارها بتجميد أمر هدم المدرسة، مع التحذير أنه في حال تمت إضافة أية إضافات جديدة للمدرسة سيتم توزيع إخطارات جديدة بالهدم، وسيكون تنفيذها "من أولويات الإدارة المدنية". وكانت مؤسسة "ريجفيم" قد طالبت من خلال هذه الدعوى بالمحاسبة الجنائية للمسؤولين عن بناء المدرسة، وبمساءلة ممثلي الاتحاد الأوروبي لمساهمته في تمويل إقامة المدرسة.
ظروف صعبة
وعدا عن أمر الهدم الذي واجهته المدرسة ونجحت في تجميده، فإن 27 بيتاً من أصل 35 بيتاً في التجمع البدويّ مهدداً بالهدم بحجة البناء غير المرخص، على الرغم من كون هذه البيوت مجرد بركسات من الزينكو. يستذكر أبو يوسف أن أول أمر بالهدم تلقاها أبناء التّجمع كان في العام 1995، وقد تعرضت منذ ذلك الحين بيوت التّجمع البدويّ إلى الهدم أكثر من مرة، وفي كل مرة يعاود الأهالي بناءها من جديد.
ويسبق تاريخُ عائلة الكعابنة في المنطقة تاريخ مستوطنة "آدم". فيما استولى المستوطنون على الأرض وأقاموا مستوطنتهم في عام 1984، يذكر أبو يوسف أن والده استقر على هذه الأراضي في عام 1965، خاصة أنها مناسبة لنمط عيشهم الرعويّ، فهي مشرفة على بريّة القدس وقريبة من الأراضي الصّالحة للرعيّ. فيما بعد قام والده بشراء 3 دونمات منها من أهالي قرية جبع. وفيما بعد تبعه اخوانه وآخرون من عشيرتي الكعابنة والعراعرة حتى أصبحوا يملكون الأرض التي يعيشون فوقها، ووصلت أعدادهم اليوم إلى أكثر من 220 شخصاً.
وفي سنوات السّبعينيات حصل والد يوسف وعمه على تراخيص بناء من الإدارة المدنية الإسرائيلية ويعتبر هذين المنزلين من المنازل القليلة جدا في القرية المبنية بالحجر، والتي لم تحصل على إخطارات بالهدم. إلا أن أبو يوسف نفسه الذي يعيش في بركس من الزينكو واجه الهدم 3 مرات على الأقل. في إحداها، وبتأثير من اقتحام جنود الاحتلال للمنطقة وإرهابهم لسكانها، أصبح أحد أطفاله يعاني من صعوبة في النطق. يقول أبو يوسف: "يتعمدون المجيء في الليل تخويفاً للناس وبعيداً عن عيون الصّحافة".
ويقول أبو يوسف أنه بعد بناء المستوطنة إلى الشّرق من التّجمع، وبناء الجدار الفاصل إلى الغرب منه، وبوجود الشوارع الاستيطانية حول التّجمع أصبح رعي الأغنام والمواشي أكثر صعوبة وأقل نفعاً. وبسبب ضيق ذات اليد أصبح ما يقارب 90% من أهالي العشيرتين معتمدين على مساعدات وزارة الشّؤون الاجتماعية الفلسطينية.
ويحاول المستوطنون التضييق على أهالي التّجمع بمختلف الطرق. فعدا عن الدعوى القضائية لهدم مدرستهم المتواضعة، يتلقى أبو يوسف اتصالات تهديدية منهم تحذره من دعوة النشطاء الأجانب أو الصّحافيين للاطلاع على الأوضاع الصعبة التي يعيشها أبناء التجمع.
ويدرج اسم أبو يوسف ضمن قائمة "الممنوعين أمنياً" من الحصول على تصريح لزيارة القدس المحتلة، كما يهدده المستوطنون بقطع أرزاق أبناء التّجمع العاملين في المستوطنات القريبة. وفي إحدى المرات، توّجهت شركة إسرائيلية لشراء مبنى قديم في التّجمع ادعت أنها ترغب في تحويله إلى محطة وقود. وهي خطوة يرى أبو يوسف أنها أسلوب ملتوٍ للتضييق على الناس وتهجيرهم، وقد أدى تنبهه لذلك إلى منع تسريب الأرض والمبنى للمستوطنين.
إهمال رسمي
في مقابل صمود عرب الكعابنة والعراعرة على أراضيهم في بادية القدس المحتلة على الرغم من ضعف الإمكانات، يعتقد أبو يوسف أن المسؤولين الفلسطينيين في السّلطة الفلسطينية لا يجيدون سوى "الكلام المعسول"، ويصفهم بالقول: "يأتون عندما تأتي الكاميرات". ويذكر أبو يوسف أن بعض الجهات الرسمية الفلسطينية قد وعدته بإعفاء أبناء التجمع من فواتير المياه والكهرباء في خطوة لدعم صمود الأهالي على أراضيهم إلا أن ذلك لم يحدث. ويرى أبو يوسف أن بقاءه وبقاء أبناء العشيرتين على هذه الأراضي تمنع تمدد مستوطنة "آدم" ويحرس المزيد من الأراضي الفلسطينية.