مواعيد الدراسة في السودان، من انطلاق العام الدراسي إلى الإجازات الطارئة فالامتحانات، تضع ضغطاً كبيراً على التلاميذ وتخلّ بالعملية التعليمية ككلّ
جدال كبير يدور في السودان حول مواعيد بدء العام الدراسي والإجازات المدرسية الطارئة والامتحانات. فالعام الدراسي غالباً ما يتأثر بعوامل المناخ، لا سيما في فصل الخريف الذي يساهم في تعطيل الدراسة. والمدارس السودانية تفتقر إلى البنية التحتية المناسبة التي تؤمّن لها الاستمرارية في مواجهة الأمطار والرياح. وكثيراً ما تتهاوى المدارس بسبب الفيضانات والسيول، حتى تضطر حكومات الولايات إلى إعلان إجازات مدرسية لفترات محددة خوفاً على التلاميذ.
يرى مراقبون أنّ غياب السياسة الواضحة المتعلقة بأيام التعطيل المدرسي، يجعل العام الدراسي غير ثابت في السودان. كلّ عام يختلف عن سابقه في ظاهرة قلما تحدث في دول أخرى. وهو ما يؤثر سلباً في التحصيل وساعات الدارسة، خصوصاً أنّ استقرار الدوام يعدّ أحد العناصر الأساسية لنجاح العام الدراسي ككلّ.
من جهتها، تراجعت ولاية الخرطوم عن الجدول الدراسي الذي كانت قد أعلنت عنه، وفيه تحدد بداية العام الدراسي الجديد في السابع من يونيو/ حزيران المقبل. وأعلنت عن تمديد العطلة الصيفية شهراً آخر، ليبدأ العام الدراسي في جميع أنحاء العاصمة في العاشر من يوليو/ تموز المقبل. بذلك، يتقلص مجموع أيام العام الدراسي إلى 164 يوماً فقط. وهو أمر لا ترى فيه وزارة التربية والتعليم في ولاية الخرطوم أيّ خطأ "لتوافقه مع المعايير الدولية".
الجدول الأول الذي كان من المفترض أن يبدأ في يونيو/ حزيران، واجه انتقادات لاذعة مع وقوعه في نهاية صيف قاس وبداية الخريف. كذلك، يتزامن مع شهر رمضان. وهو ما يشكل عبئاً إضافياً على المواطن البسيط، فضلاً عن التقليص الاعتيادي لساعات التحصيل الدراسي في رمضان وضعف الأداء، مما يؤثر سلباً على التلاميذ.
مع ذلك، لم تخلق خطوة التأخير ارتياحاً لدى الأسر، وإن كانت تؤجل إنفاقها الخاص بتجهيزات العام الدراسي الجديد إلى ما بعد عطلة عيد الفطر. فالأسر تعدّ أنّ التأخير يزيد من الضغوط على أبنائهم، الذين سوف يطلبون دروساً خصوصية إضافية، من شأنها أن تؤدي إلى زيادة الإنفاق على التعليم. كذلك يتخوف الأهل من انهيار مباني المدارس على رؤوس التلاميذ في فصل الخريف القاسي، نظراً لتهالكها وصعوبة صمودها. تُضاف إلى ذلك صعوبة وصول التلاميذ إلى المدارس في هذا الفصل، مع إغلاق طرقات كثيرة بسبب السيول والوحول، وهو ما يؤثر بدوره على تحصيلهم العلمي.
سبق لولاية الخرطوم المصادقة على اقتراح لعام دراسي يبدأ في شهر سبتمبر/ أيلول، مما يضمن تجاوز فصل الخريف ومصاعبه. لكنّ الاقتراح رفضته وزارة التربية والتعليم السودانية، التي رأت أنّه سوف يؤثر سلباً على باقي الولايات، إذ من الضروري تعديل مواعيد امتحانات الشهادة العامة السودانية من مارس/ آذار إلى يونيو/ حزيران أي في فصل الخريف بالذات، مما يعطل العملية التعليمية في البلاد ككلّ ويؤدي إلى إنفاق موارد إضافية.
يرى خبراء تربويون أنّ حكومة الولاية عمدت إلى الحل الأسهل لحسم مشكلة بداية العام الدراسي من خلال تغييره، بدلاً من تجهيز المدارس في مواجهة الخريف لضمان عدم سقوطها بسبب الأمطار والسيول والفيضانات، وبالتالي تعطيل الدراسة.
اقــرأ أيضاً
تقول المدرّسة فاطمة إنّ المعروف في كل دول العالم أنّ نظام بداية ونهاية العام الدراسي، والإجازات وتواريخ الامتحانات نصف السنوية والسنوية، معروفة لدى كلّ إدارات التعليم بدقة. تضيف: "في السودان يختلف الأمر بحسب الفصول. فصيفنا قاس، وشتاؤنا قارس، أما الخريف فالمدارس غير مؤهله لمواجهته". تشير إلى أنّ ذلك الارتباك يؤدي إلى تعطيل الدراسة فترات طويلة، وتعيد السبب الأساسي إلى أنّ "المناصب العليا في التعليم أصبحت قائمة على الترضيات السياسية. ونادراً ما يقف على رأسها تربويون". وتتابع: "لا ندري سبب مخالفتنا العالم في الإجازة الصيفية. فالإجازات لا تقوم اعتباطاً، إنّما وفقاً لدراسة بيئة كلّ دولة ومناخها".
من جهته، يرى كمال وهو رب أسرة، أنّ تعديلات العام الدراسي تمثل إحدى مظاهر الخلل في العملية التربوية ككلّ. ويقول: "كانت تلك المواعيد ثابتة لزمن طويل جداً. العام الدراسي كان تسعة أشهر، أما الإجازة الصيفية فثلاثة أشهر. لكنّ الأمر اختلف الآن، إذ غالباً ما تؤجل الدراسة بسبب الخريف وترتبك العملية، مما يؤثر سلباً على أبنائنا وعلينا كأسر".
أما هناء، وهي ربة منزل، فتقول: "المستوى التعليمي لأبنائنا متدنٍّ جداً. ابني هو الأول في فصله، لكنّه لا يفهم ما يحفظه. المواد كثيرة ولا وقت لإفهامه. وهو ما يجعله بعد الامتحان ينسى كلّ شيء".
إلى ذلك، تقول شادية، وهي مديرة مدرسة تعليم أساسي: "الفترة الأولى من العام الدراسي غالباً ما تكون ضيقة الوقت. فرمضان يتخللها، وزمن الحصة الواحدة لا يتعدى نصف ساعة. نحاول أن نغطي خلال هذه الفترة ربع المنهج. وهو أمر صعب خصوصاً مع التفاوت في مستوى التلاميذ". وتضيف: "أما الفترة الثانية فعادة ما تكون مكثفة. تصل مدة الحصة إلى 45 دقيقة، ونضغط على التلميذ من أجل الحفظ". وتؤكد على أنّ "لهذه الطريقة مردوداً سلبيّاً، فالمدرّس يحشو عقول التلاميذ بالمعلومات من دون أن يتمكنوا من استيعابها".
في السياق نفسه، يقول أستاذ الصحة النفسية، علي بلدو، إنّ جدول العام الدراسي في السودان لا يقوم على أسس علمية أو منهجية. ويشير إلى أنّه يتعارض تماماً مع طبيعة المجتمع السوداني والطقس والمناخ، كذلك لا يراعي الأبعاد الاجتماعية والثقافية، ولا يتماشى مع الحالة النفسية للتلميذ والمدرّس. ويؤكد أنّ الجدول يخضع بصورة أساسية للأهواء ويتأثر بالظروف السياسية والأمنية التي لا علاقة لها بالعملية التربوية والأكاديمية. ويشدد بلدو على "التأثيرات السلبية لعدم ثبات مواعيد العام الدراسي، إذ يؤدي ذلك إلى مضاعفات نفسية لدى التلاميذ، من بينها الضجر وعدم الاستفادة من الإجازات وتقليص معدل الاستيعاب والقدرة على التحصيل". ويشير إلى أنّ كلّ ذلك يعزز من فرص التسرب المدرسي والتأخر الدراسي، وحالات الهروب من المدرسة، بكل ما في ذلك من تهديد جدي لمستقبل أجيال السودان الطالعة.
اقــرأ أيضاً
جدال كبير يدور في السودان حول مواعيد بدء العام الدراسي والإجازات المدرسية الطارئة والامتحانات. فالعام الدراسي غالباً ما يتأثر بعوامل المناخ، لا سيما في فصل الخريف الذي يساهم في تعطيل الدراسة. والمدارس السودانية تفتقر إلى البنية التحتية المناسبة التي تؤمّن لها الاستمرارية في مواجهة الأمطار والرياح. وكثيراً ما تتهاوى المدارس بسبب الفيضانات والسيول، حتى تضطر حكومات الولايات إلى إعلان إجازات مدرسية لفترات محددة خوفاً على التلاميذ.
يرى مراقبون أنّ غياب السياسة الواضحة المتعلقة بأيام التعطيل المدرسي، يجعل العام الدراسي غير ثابت في السودان. كلّ عام يختلف عن سابقه في ظاهرة قلما تحدث في دول أخرى. وهو ما يؤثر سلباً في التحصيل وساعات الدارسة، خصوصاً أنّ استقرار الدوام يعدّ أحد العناصر الأساسية لنجاح العام الدراسي ككلّ.
من جهتها، تراجعت ولاية الخرطوم عن الجدول الدراسي الذي كانت قد أعلنت عنه، وفيه تحدد بداية العام الدراسي الجديد في السابع من يونيو/ حزيران المقبل. وأعلنت عن تمديد العطلة الصيفية شهراً آخر، ليبدأ العام الدراسي في جميع أنحاء العاصمة في العاشر من يوليو/ تموز المقبل. بذلك، يتقلص مجموع أيام العام الدراسي إلى 164 يوماً فقط. وهو أمر لا ترى فيه وزارة التربية والتعليم في ولاية الخرطوم أيّ خطأ "لتوافقه مع المعايير الدولية".
الجدول الأول الذي كان من المفترض أن يبدأ في يونيو/ حزيران، واجه انتقادات لاذعة مع وقوعه في نهاية صيف قاس وبداية الخريف. كذلك، يتزامن مع شهر رمضان. وهو ما يشكل عبئاً إضافياً على المواطن البسيط، فضلاً عن التقليص الاعتيادي لساعات التحصيل الدراسي في رمضان وضعف الأداء، مما يؤثر سلباً على التلاميذ.
مع ذلك، لم تخلق خطوة التأخير ارتياحاً لدى الأسر، وإن كانت تؤجل إنفاقها الخاص بتجهيزات العام الدراسي الجديد إلى ما بعد عطلة عيد الفطر. فالأسر تعدّ أنّ التأخير يزيد من الضغوط على أبنائهم، الذين سوف يطلبون دروساً خصوصية إضافية، من شأنها أن تؤدي إلى زيادة الإنفاق على التعليم. كذلك يتخوف الأهل من انهيار مباني المدارس على رؤوس التلاميذ في فصل الخريف القاسي، نظراً لتهالكها وصعوبة صمودها. تُضاف إلى ذلك صعوبة وصول التلاميذ إلى المدارس في هذا الفصل، مع إغلاق طرقات كثيرة بسبب السيول والوحول، وهو ما يؤثر بدوره على تحصيلهم العلمي.
سبق لولاية الخرطوم المصادقة على اقتراح لعام دراسي يبدأ في شهر سبتمبر/ أيلول، مما يضمن تجاوز فصل الخريف ومصاعبه. لكنّ الاقتراح رفضته وزارة التربية والتعليم السودانية، التي رأت أنّه سوف يؤثر سلباً على باقي الولايات، إذ من الضروري تعديل مواعيد امتحانات الشهادة العامة السودانية من مارس/ آذار إلى يونيو/ حزيران أي في فصل الخريف بالذات، مما يعطل العملية التعليمية في البلاد ككلّ ويؤدي إلى إنفاق موارد إضافية.
يرى خبراء تربويون أنّ حكومة الولاية عمدت إلى الحل الأسهل لحسم مشكلة بداية العام الدراسي من خلال تغييره، بدلاً من تجهيز المدارس في مواجهة الخريف لضمان عدم سقوطها بسبب الأمطار والسيول والفيضانات، وبالتالي تعطيل الدراسة.
تقول المدرّسة فاطمة إنّ المعروف في كل دول العالم أنّ نظام بداية ونهاية العام الدراسي، والإجازات وتواريخ الامتحانات نصف السنوية والسنوية، معروفة لدى كلّ إدارات التعليم بدقة. تضيف: "في السودان يختلف الأمر بحسب الفصول. فصيفنا قاس، وشتاؤنا قارس، أما الخريف فالمدارس غير مؤهله لمواجهته". تشير إلى أنّ ذلك الارتباك يؤدي إلى تعطيل الدراسة فترات طويلة، وتعيد السبب الأساسي إلى أنّ "المناصب العليا في التعليم أصبحت قائمة على الترضيات السياسية. ونادراً ما يقف على رأسها تربويون". وتتابع: "لا ندري سبب مخالفتنا العالم في الإجازة الصيفية. فالإجازات لا تقوم اعتباطاً، إنّما وفقاً لدراسة بيئة كلّ دولة ومناخها".
من جهته، يرى كمال وهو رب أسرة، أنّ تعديلات العام الدراسي تمثل إحدى مظاهر الخلل في العملية التربوية ككلّ. ويقول: "كانت تلك المواعيد ثابتة لزمن طويل جداً. العام الدراسي كان تسعة أشهر، أما الإجازة الصيفية فثلاثة أشهر. لكنّ الأمر اختلف الآن، إذ غالباً ما تؤجل الدراسة بسبب الخريف وترتبك العملية، مما يؤثر سلباً على أبنائنا وعلينا كأسر".
أما هناء، وهي ربة منزل، فتقول: "المستوى التعليمي لأبنائنا متدنٍّ جداً. ابني هو الأول في فصله، لكنّه لا يفهم ما يحفظه. المواد كثيرة ولا وقت لإفهامه. وهو ما يجعله بعد الامتحان ينسى كلّ شيء".
إلى ذلك، تقول شادية، وهي مديرة مدرسة تعليم أساسي: "الفترة الأولى من العام الدراسي غالباً ما تكون ضيقة الوقت. فرمضان يتخللها، وزمن الحصة الواحدة لا يتعدى نصف ساعة. نحاول أن نغطي خلال هذه الفترة ربع المنهج. وهو أمر صعب خصوصاً مع التفاوت في مستوى التلاميذ". وتضيف: "أما الفترة الثانية فعادة ما تكون مكثفة. تصل مدة الحصة إلى 45 دقيقة، ونضغط على التلميذ من أجل الحفظ". وتؤكد على أنّ "لهذه الطريقة مردوداً سلبيّاً، فالمدرّس يحشو عقول التلاميذ بالمعلومات من دون أن يتمكنوا من استيعابها".
في السياق نفسه، يقول أستاذ الصحة النفسية، علي بلدو، إنّ جدول العام الدراسي في السودان لا يقوم على أسس علمية أو منهجية. ويشير إلى أنّه يتعارض تماماً مع طبيعة المجتمع السوداني والطقس والمناخ، كذلك لا يراعي الأبعاد الاجتماعية والثقافية، ولا يتماشى مع الحالة النفسية للتلميذ والمدرّس. ويؤكد أنّ الجدول يخضع بصورة أساسية للأهواء ويتأثر بالظروف السياسية والأمنية التي لا علاقة لها بالعملية التربوية والأكاديمية. ويشدد بلدو على "التأثيرات السلبية لعدم ثبات مواعيد العام الدراسي، إذ يؤدي ذلك إلى مضاعفات نفسية لدى التلاميذ، من بينها الضجر وعدم الاستفادة من الإجازات وتقليص معدل الاستيعاب والقدرة على التحصيل". ويشير إلى أنّ كلّ ذلك يعزز من فرص التسرب المدرسي والتأخر الدراسي، وحالات الهروب من المدرسة، بكل ما في ذلك من تهديد جدي لمستقبل أجيال السودان الطالعة.