28 ديسمبر 2021
تكريس الامتيازات والمغانم السلطوية
ما كان مضمراً في زمن مضى، صار اليوم أوضح، بل أوقح، في طلب استملاك السلطة بشكل أو آخر، بحقٍّ ومن دون وجه حق، بانتخاباتٍ أو من دونها، بالإكراه والاحتيال، بالتزوير والنصب، بالاستبداد أو التشليح، حتى غدت سلطة الاستبداد البيروقراطية خبيرةً بكل طرق الإقطاع وأساليبه في الهيمنة، وكذلك وهي تقيم صرحاً هائلا من رأسمال رمزي وفعلي، يتعهد كل طرق الرأسمال المتغول وأساليبه في إبراز وحشيته في السيطرة على حيوات الناس ورقابهم، بل في ما يتجاوز الحدود والبلدان.
فقد ساهمت السلطة بفضل هذا كله، في تحويل الدولة عن مهامها الأساسية وسلبتها مسؤولياتها، وأوردتها موارد الفشل، وتحول بعضها إلى عصابةٍ ومافياتٍ وطغم مالية واقتصادية ونخب سياسوية وثقافوية، هيمنت على الفضاء المجتمعي والسياسي العام وأفسدته، وأفسدت في طريقها كل ما يمكن أن يقيل الدولة من عثرات تحولها إلى دولةٍ فاشلةٍ وفاسدةٍ، تعادي الديمقراطية ودولة المؤسسات والقانون والمواطنة، وتلك بالأصل ليست من سمات دولنا في الفضاء العربي والإقليمي، بل إن تجاربها جميعها جرى استنباطها من تراثها وإرثها الماضوي القديم، أو مستوردة من تجارب الآخرين، في الشرق/ الآسيوي أو الغربي، ولكن من دون قواعد معيارية، عقلانية وأخلاقية ثابتة وملزمة.
بالنظر إلى هذا كله، لا تتساوى أو يمكنها أن تتعادل تلك الديمقراطية المفقودة أو الموؤودة على الدوام، مع الانتخابات وصناديق الاقتراع، ذلك الاسم على غير المسمى المقصود، فهناك بون شاسع، ليس بين المسميات، بل بين حقيقة تلك التسميات ومعانيها ومبانيها، في ما بين تجربةٍ وأخرى، بين سلوكٍ وممارسةٍ وإيمان بها، فنحن نعيش في عوالم مختلفة، لا يجمعها سوى الشكل، أما الجوهر فمختلف بالتأكيد بين ممارسةٍ وأخرى، وسلوكٍ وآخر، وذلك وفق تعدد (وتنوع واختلاف) المرجعيات الثقافية والسلطات التي تسعى إلى تكريس امتيازاتها ومغانمها، حيث الفروق واضحة بين سلطة بيروقراطية عسكرية/ أمنية أو سياسية، نالتها أو تسعى إلى تكريسها لذاتها، وسلطة تسعى إلى امتلاكها أول مرة. وفي الحالين، نحن في مواجهة حالة من تعكير صفو "الأمن الانتخابي"، حين لا يكون هناك عملياً وبالفعل انتخاب حقيقي، يقوم به الفرد بذاته ولذاته، تحديداً لمجالات المصلحة، والانتفاع والإيمان بقيم سياسية وثقافية وأخلاقية، لا يجري تعهيرها سياسياً أو مالياً أو طائفياً أو مذهبيا، لتجري عملية الانتخاب قبل أن يقوم الفرد ذاته بالانتخاب، نيابة عن ذاته، ولمصلحته كما يراها هو، لا كما يريدها المعنيون بالحفاظ على سلطة "استاتيك السلطة" الخاصة، الساعية إلى هدف أو أهداف تكريس امتيازاتها ومغانمها السلطوية، بعيدا عن المصلحة أو المصالح العامة.
لا يختلف هذا الوضع في دول عديدة متخلفة، أو حديثة فاشلة، بغض النظر عن طبيعة أنظمتها،
حيث "السيادة العليا" للاستبداد، وحيث يسود الإقطاع المالي السياسي والاقتصادي والعسكري والأمني، أو الإقطاع الديني الطائفي والمذهبي، الذي سبق له أن هيمن على الفضاء العام وحياة الأهالي، قبل أن يهيمن على الحياة السياسية، ويسيطر على السلطة التي آلت (وتؤول) إليه بفعل التشوهات التاريخية التي حكمت مجتمعاتنا ودولنا، قبل أن يجري تكريس الامتيازات والمغانم بالغلبة والإكراه، أو بالوراثة والتوريث، أو بالقوة العسكرية والأمنية، حتى بصندوق اقتراعٍ لم ولن تكتمل أركانه الأخلاقية وآلياته المعيارية والفنية، بفعل الهيمنات السلطوية وتحكماتها باقتراع الأفراد والجماعات، الخاضعة بدورها لمفاتيح تتبع الطغم المالية بالواسطة، أو الطغم السياسية مباشرة.
ليس هناك من ديمقراطيةٍ يمكن إنضاجها دستورياً وقانونياً خارج التجربة والممارسة، أو خارج السلوك الحي لخبرات بشرية، يمكنها أن تمتلك أو تكتسب حيّزات إنضاجها ذاتها أولا، قبل أن تسقطها على التجرية، فالمجتمعات، بأفرادها وجماعاتها، هم الذين يُنضجون بأنفسهم ذواتهم، ومن ثم يعمدون إلى إنضاج تجاربهم، استناداً إلى خبراتٍ مدفوعة الثمن؛ سبق لآخرين ممن سبقوهم أن اختبروا قدراتهم وإمكاناتهم وهم يرتقون سلم التطور نحو ارتياد ساحات التجربة وميادينها.
لذلك، لا يمكننا ممارسة ديمقراطية الخيارات الحرة، من دون ممارسة ذواتنا نحن أولاً؛ كقوى بشرية فاعلة، على عاتقها تطوير آليات خياراتها الحرة، من دون التساوق أو الانسياق خلف مصالحة أصحاب المصالح الخاصة، أو الانسجام معها، والتوافق النرجسي مع انحيازاتها للذات/ الذوات الأنانية، فهذه أو تلك ليست خليقة بالانحياز إلاّ لمصالحها ومنافعها الخاصة.
أما الديمقراطية فهي كالعلمانية، الشرط الشارط لدخولنا آفاق الحداثة والمعاصرة ورحابهما. كذلك يشكل مفهوم الدولة المدنية المعادل الموضوعي، والتعبير الضروري لحال من التعلمن يصنعه الناس/ كل الناس المواطنون الأحرار، وهم يحدّدون خياراتهم ومصائرهم، كونهم عماد الدولة الحديثة، ومواطنوها الأحرار، المساهمون بصنعها وإنتاجها، وإلا فإن دولة السلطة الاستبدادية لا تعتبر أن من مهام "رعاياها"، أو "عبيدها"، تلك المساهمة التي هي وقفٌ على روح الاستبداد وتغول أصحاب المال والسلطة ووحشيتهم، ممن آلت وتؤول السلطة لهم بفعل المال، أو ممن آلت وتؤول إليهم كثير من رؤوس الأموال بفعل السلطة. وفي هذا المجال، اسألوا نوابا ووزراء وموظفين، كيف تحولوا بفعل "السلطة العميقة" وبيروقراطيتها إلى سلطويين بامتياز، وكيف تحولت سلطتهم إلى آلية لإنتاج الأموال وتفريخها، ونهب المال العام وتدوير الاقتصاد الوطني وتحويله إلى اقتصاد نخبوي خاص، يتقاسمه عديدون من أركان السلطة واحتكارييها سياسة واقتصادا وتجارة.
وهنا تحديدا اسألوا بيروقراطية العسكر وأتباعهم في مصر، وفي دول مشابهة عديدة، كيف تحولت الدولة على أيديهم إلى حطام دولة، يتحكم في سياستها واقتصادها ومجتمعها مجموعة من الجوعى لمتلازمة "سلطة عميقة"، لا تقيم أي وزن لحريات شعبها، بقدر ما يُراد لقاهرة المعز أو أية عاصمة مشابهة، أن تكون قاهرة أهلها وشعبها، في هذا الزمن الاستبدادي البشع، فأية ديمقراطية يمكن ابتناؤها في هذه الحالة، وأية انتخاباتٍ يمكن أن تكون كذلك؛ وهي تسعى إلى تكريس امتيازات من حكموا بالإكراه والغلبة الأمنية والعسكرية والقمع الشمولي العميم، وتثبيت المغانم السلطوية حقاً لا يريدون أن ينازعهم فيه أحد. وفي هذا لا تختلف حال السلطة العتيقة، وحال السلطة المستجدّة أو الجديدة، فهذه كتلك؛ كلها في التغول السلطوي والنهب والفساد سواء.
فقد ساهمت السلطة بفضل هذا كله، في تحويل الدولة عن مهامها الأساسية وسلبتها مسؤولياتها، وأوردتها موارد الفشل، وتحول بعضها إلى عصابةٍ ومافياتٍ وطغم مالية واقتصادية ونخب سياسوية وثقافوية، هيمنت على الفضاء المجتمعي والسياسي العام وأفسدته، وأفسدت في طريقها كل ما يمكن أن يقيل الدولة من عثرات تحولها إلى دولةٍ فاشلةٍ وفاسدةٍ، تعادي الديمقراطية ودولة المؤسسات والقانون والمواطنة، وتلك بالأصل ليست من سمات دولنا في الفضاء العربي والإقليمي، بل إن تجاربها جميعها جرى استنباطها من تراثها وإرثها الماضوي القديم، أو مستوردة من تجارب الآخرين، في الشرق/ الآسيوي أو الغربي، ولكن من دون قواعد معيارية، عقلانية وأخلاقية ثابتة وملزمة.
بالنظر إلى هذا كله، لا تتساوى أو يمكنها أن تتعادل تلك الديمقراطية المفقودة أو الموؤودة على الدوام، مع الانتخابات وصناديق الاقتراع، ذلك الاسم على غير المسمى المقصود، فهناك بون شاسع، ليس بين المسميات، بل بين حقيقة تلك التسميات ومعانيها ومبانيها، في ما بين تجربةٍ وأخرى، بين سلوكٍ وممارسةٍ وإيمان بها، فنحن نعيش في عوالم مختلفة، لا يجمعها سوى الشكل، أما الجوهر فمختلف بالتأكيد بين ممارسةٍ وأخرى، وسلوكٍ وآخر، وذلك وفق تعدد (وتنوع واختلاف) المرجعيات الثقافية والسلطات التي تسعى إلى تكريس امتيازاتها ومغانمها، حيث الفروق واضحة بين سلطة بيروقراطية عسكرية/ أمنية أو سياسية، نالتها أو تسعى إلى تكريسها لذاتها، وسلطة تسعى إلى امتلاكها أول مرة. وفي الحالين، نحن في مواجهة حالة من تعكير صفو "الأمن الانتخابي"، حين لا يكون هناك عملياً وبالفعل انتخاب حقيقي، يقوم به الفرد بذاته ولذاته، تحديداً لمجالات المصلحة، والانتفاع والإيمان بقيم سياسية وثقافية وأخلاقية، لا يجري تعهيرها سياسياً أو مالياً أو طائفياً أو مذهبيا، لتجري عملية الانتخاب قبل أن يقوم الفرد ذاته بالانتخاب، نيابة عن ذاته، ولمصلحته كما يراها هو، لا كما يريدها المعنيون بالحفاظ على سلطة "استاتيك السلطة" الخاصة، الساعية إلى هدف أو أهداف تكريس امتيازاتها ومغانمها السلطوية، بعيدا عن المصلحة أو المصالح العامة.
لا يختلف هذا الوضع في دول عديدة متخلفة، أو حديثة فاشلة، بغض النظر عن طبيعة أنظمتها،
ليس هناك من ديمقراطيةٍ يمكن إنضاجها دستورياً وقانونياً خارج التجربة والممارسة، أو خارج السلوك الحي لخبرات بشرية، يمكنها أن تمتلك أو تكتسب حيّزات إنضاجها ذاتها أولا، قبل أن تسقطها على التجرية، فالمجتمعات، بأفرادها وجماعاتها، هم الذين يُنضجون بأنفسهم ذواتهم، ومن ثم يعمدون إلى إنضاج تجاربهم، استناداً إلى خبراتٍ مدفوعة الثمن؛ سبق لآخرين ممن سبقوهم أن اختبروا قدراتهم وإمكاناتهم وهم يرتقون سلم التطور نحو ارتياد ساحات التجربة وميادينها.
لذلك، لا يمكننا ممارسة ديمقراطية الخيارات الحرة، من دون ممارسة ذواتنا نحن أولاً؛ كقوى بشرية فاعلة، على عاتقها تطوير آليات خياراتها الحرة، من دون التساوق أو الانسياق خلف مصالحة أصحاب المصالح الخاصة، أو الانسجام معها، والتوافق النرجسي مع انحيازاتها للذات/ الذوات الأنانية، فهذه أو تلك ليست خليقة بالانحياز إلاّ لمصالحها ومنافعها الخاصة.
أما الديمقراطية فهي كالعلمانية، الشرط الشارط لدخولنا آفاق الحداثة والمعاصرة ورحابهما. كذلك يشكل مفهوم الدولة المدنية المعادل الموضوعي، والتعبير الضروري لحال من التعلمن يصنعه الناس/ كل الناس المواطنون الأحرار، وهم يحدّدون خياراتهم ومصائرهم، كونهم عماد الدولة الحديثة، ومواطنوها الأحرار، المساهمون بصنعها وإنتاجها، وإلا فإن دولة السلطة الاستبدادية لا تعتبر أن من مهام "رعاياها"، أو "عبيدها"، تلك المساهمة التي هي وقفٌ على روح الاستبداد وتغول أصحاب المال والسلطة ووحشيتهم، ممن آلت وتؤول السلطة لهم بفعل المال، أو ممن آلت وتؤول إليهم كثير من رؤوس الأموال بفعل السلطة. وفي هذا المجال، اسألوا نوابا ووزراء وموظفين، كيف تحولوا بفعل "السلطة العميقة" وبيروقراطيتها إلى سلطويين بامتياز، وكيف تحولت سلطتهم إلى آلية لإنتاج الأموال وتفريخها، ونهب المال العام وتدوير الاقتصاد الوطني وتحويله إلى اقتصاد نخبوي خاص، يتقاسمه عديدون من أركان السلطة واحتكارييها سياسة واقتصادا وتجارة.
وهنا تحديدا اسألوا بيروقراطية العسكر وأتباعهم في مصر، وفي دول مشابهة عديدة، كيف تحولت الدولة على أيديهم إلى حطام دولة، يتحكم في سياستها واقتصادها ومجتمعها مجموعة من الجوعى لمتلازمة "سلطة عميقة"، لا تقيم أي وزن لحريات شعبها، بقدر ما يُراد لقاهرة المعز أو أية عاصمة مشابهة، أن تكون قاهرة أهلها وشعبها، في هذا الزمن الاستبدادي البشع، فأية ديمقراطية يمكن ابتناؤها في هذه الحالة، وأية انتخاباتٍ يمكن أن تكون كذلك؛ وهي تسعى إلى تكريس امتيازات من حكموا بالإكراه والغلبة الأمنية والعسكرية والقمع الشمولي العميم، وتثبيت المغانم السلطوية حقاً لا يريدون أن ينازعهم فيه أحد. وفي هذا لا تختلف حال السلطة العتيقة، وحال السلطة المستجدّة أو الجديدة، فهذه كتلك؛ كلها في التغول السلطوي والنهب والفساد سواء.