كشفت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد"، تفاصيل تقرير مالي بين إيطاليا ومصر حول اتفاقية القرض الإيطالي الموقّعة بين وزارة الدفاع المصرية وهيئة تنمية الصادرات الإيطالية "ساسي" ومجموعة المصارف ومؤسسات التمويل الإيطالية، لتمويل جزء من صفقة التسليح القياسية التي تجريها مصر مع إيطاليا على مراحل، بنحو 500 مليون يورو (587 مليون دولار)، أي أقل بقليل من نصف القيمة الإجمالية للمرحلة الأولى من صفقة التسليح، والتي تبلغ 1.1 مليار دولار (قيمة فرقاطتي فريم بيرغاميني متعددتي المهام).
ووفقاً للمعلومات المتاحة في التقرير، فإن مؤسسة الودائع والقروض الإيطالية الحكومية "سي دي إي بي"، التي تديرها وزارة الاقتصاد، وافقت على منح وزارة الدفاع المصرية هذا القرض لتنفيذ الصفقة في أسرع وقت، وبضمان حكومي مصري ممثل في وزارة المالية، وبضمان مقابل من هيئة تنمية الصادرات الإيطالية التي تختص بتمويل المساعدات والقروض الإيطالية الرسمية للدول التي تستثمر فيها الشركات الإيطالية. ومن الجانب الأوروبي، اشتركت في تمويل القرض ثلاثة مصارف ومؤسسات كبرى، منها مصرف إيطالي كبير يملك حالياً مصرفاً مصرياً تمت خصخصته منذ سنوات، ومصرف فرنسي كان يملك فروعاً في مصر سابقاً، وكذلك مصرفاً إسبانياً.
بعد إبرام اتفاق القرض الإيطالي بدأت محادثات جديدة لحصول مصر على قرض آخر
وتعقيباً على تلك المعلومات، كشفت مصادر حكومية مصرية أن المبلغ الباقي من قيمة المرحلة الأولى من الصفقة، موزع بين مبلغ دفعته وزارة الدفاع، ومبلغ آخر لا يزيد على 20 في المائة من قيمة الصفقة سيتم اقتراضه من شركاء أوروبيين وعرب آخرين، ولم يتم توقيع الاتفاقية الخاصة بتلك القروض بعد.
وكشفت المصادر أيضاً أنه بعد إبرام اتفاق القرض الإيطالي على الفور، بدأت محادثات جديدة بين وزارة الدفاع والمخابرات المصرية من جهة وهيئة تنمية الصادرات الإيطالية من جهة أخرى، وبدعم سياسي من الرئاسة المصرية ووزارات الخارجية والدفاع والاقتصاد في روما للحصول على قرض آخر من مجموعة مصارف ومؤسسات تمويل أخرى بقيمة مماثلة، لتمويل المرحلة الثانية من الصفقة. ومن المرجح أن تشمل الصفقة الجديدة توريد أسلحة بحرية أخرى ستدخل ضمن الصفقة، لم يكن مطروحاً تضمينها بها عند بدء التفاوض في ربيع العام الماضي، ومن بينها 4 قطع "كورفيت" على الأقل (فرقاطة صغيرة سريعة ذات كلفة تشغيل اقتصادية وتصلح للمعارك البحرية الصغيرة والتصدي للغواصات وحمل الطوربيدات)، وكذلك حوالي 22 من الزوارق الهجومية الخاطفة، مع تجهيز جميع هذه القطع الأصغر بمنظومة حرب إلكترونية ورادارات وأجهزة حديثة للاستشعار عن بعد، وتوفير مدربين لتمرين الضباط المصريين على استخدام بعض المميزات التي ستكون جديدة على البحرية المصرية.
وحول الشرط التفضيلي الذي يسمح بحصول مصر على فرقاطتين "فريم بيرغاميني" أخريين، غير اللتين تم الاتفاق عليهما، ذكرت المصادر أن شركة "فينكانتييري" الإيطالية المصنّعة للفرقاطتين، أخطرت مصر بأنه من الممكن توريدهما بحلول عام 2023، نظراً لارتباطها بتصنيع فرقاطتين مماثلتين للبحرية الإيطالية سيتم توريدهما عام 2024.
مع العلم أنه سبق أن كشفت "العربي الجديد" أن من ضمن ما تم الاتفاق عليه أيضاً في صفقة التسليح القياسية، شراء 24 طائرة تدريب من طراز "أم 346" من تصنيع شركة "ليوناردو" بقيمة إجمالية تراوح بين 370 و400 مليون يورو، وهي ذاتها الشركة التي ستورد 32 طائرة مروحية من طراز "أغوستاويستلاند 149" والتي لم تحصل عليها مصر حتى الآن رغم طلبها في إبريل/ نيسان الماضي، بقيمة 400 مليون يورو. ومن المتوقع أن تصل جميع هذه الطائرات المنتجة في العام الماضي خلال أشهر معدودة، وتتوقف الصفقة المزدوجة مع "ليوناردو" على عدد من البنود المالية، ومن المحتمل أيضاً زيادة عدد المروحيات إلى 34، وفق العقد المبرم بين الجانبين في إبريل 2019. وأوضحت المصادر أنه بناء على تلك الاتفاقات وإضافتها لما تم الاتفاق عليه سابقاً من بنود الصفقة، فإنه من المحتمل أن يصل إجماليها إلى 11 مليار يورو، ما سيجعل مصر على رأس قائمة أكبر مستوردي السلاح في العالم في السنوات الأربع الأخيرة.
يمر التعاون القضائي بين مصر وإيطاليا حالياً في قضية مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني بمرحلة من الجمود والفشل
ويمر التعاون القضائي بين مصر وإيطاليا حالياً في قضية مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني بمرحلة من الجمود والفشل، بعد التأكد من عدم توافر النية السياسية لحل القضية، والرهان فقط على إخمادها بتوسيع العلاقات العسكرية والاقتصادية بين البلدين، والزيادة المضطردة في صادرات الأسلحة الإيطالية إلى مصر.
ولم ترد النيابة الإيطالية حتى الآن على طلب المساعدة المصري الذي قدمته القاهرة مطلع الشهر الماضي، حول معرفة أمور عدة، سبق إيضاحها في التحقيقات أكثر من مرة، مثل: السبب الحقيقي لاختيار ريجيني لجامعة كامبريدج للدراسة، وسبب اختياره موضوعات تتعلق بمصر تحديداً، وسبب مخالفته شروط دخول البلاد التي دخلها كسائح ومن ثم بدئه الدراسة. وكذلك طلبت معرفة تفاصيل عن بعض الشخصيات الإيطالية التي كان يتواصل معها خلال إقامته المستمرة بالقاهرة، وتحركاته خلال آخر زيارة أجراها إلى بلاده في العطلة السابقة لمقتله.
ومن بين الحلول التي تبحثها نيابة روما حالياً الإسراع بإصدار تقرير بما انتهت إليه التحقيقات السابقة على مدار 4 سنوات وتوجيه الاتهام للضباط المشتبه فيهم بشكل خاص، ولأجهزة الأمن المصري بشكل عام بارتكاب جريمة تعذيب ضد الإنسانية، في محاولة لإخضاع الحالة المصرية مع ريجيني للقوانين الإيطالية التي تنص على حظر توريد الأسلحة، وكذلك وقف العلاقات التجارية مع الدول التي تتحمل حكوماتها مسؤولية مخالفات جسيمة للاتفاقيات الدولية المنظمة لحقوق الإنسان.
وتدعم الأحزاب اليسارية الإيطالية ودوائر عدة بالأحزاب المنخرطة في حكومة جوزيبي كونتي والدي ريجيني، كما تستغل التعاطف الشعبي والإعلامي معهما لمطالبة حكومة كونتي بسحب السفير الإيطالي بالقاهرة جيامباولو كانتيني، ووقف صفقات التسليح مع نظام السيسي. وهو ما لا يحدث على الإطلاق رغم استجواب كونتي في هذا الشأن مراراً أمام البرلمان الإيطالي، بل تحولت هذه الضغوط في الآونة الأخيرة إلى أوراق تستغلها روما لممارسة ضغوط أكبر على مصر لتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، مقابل الرضا باستمرار عدم حل القضية.