ويأتي التقرير ليؤكد الحادثة بعد أن دأبت المملكة وكذلك الحريري شخصياً على نفي وقوعها والإصرار على أنه لم يكن محتجزاً، وأنه قدّم استقالته من هناك طوعاً، وآخرها خلال جلسة نقاش في مؤتمر الاستثمار في السعودية، في أكتوبر/تشرين الأول 2018، عندما سخر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من المزاعم التي تحدثت عن احتجاز الحريري، قائلاً: "دولة الرئيس الحريري باق يومين في السعودية فأرجو ألا تبثوا شائعات أنه مخطوف"، ليرد عليه الحريري قائلاً: "بكامل إرادتي".
واستشهد تقرير كالامارد بحادثة احتجاز الحريري في معرض التحقيق في جريمة اغتيال خاشقجي، مشيراً إلى أن "سعود القحطاني كان واحدا من مسؤولين اثنين استجوبا شخصيّاً الحريري خلال احتجازه في مقر خاص في مجمع الريتز كارلتون في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، لإجباره على تقديم استقالته"، ومعتبراً أن "الحريري كان ضحية التعذيب النفسي والمعاملة التي قد تصل إلى حد القسوة واللاإنسانية والمهينة".
وجاء الحديث عن حادثة الحريري في معرض استعراض التقرير لتراجعٍ في حقوق الإنسان بالسعودية، والذي كان ظاهراً في الاعتقال العشوائي، السجن، المحاكمة غير العادلة، استعمال التعذيب، والإخفاءات القسرية، واصفاً حادثة اعتقال الحريري وإجباره على الاستقالة بأنها "الأوقح".
وحاول "العربي الجديد" التواصل مع قيادات تيار "المستقبل"، الذي يترأسه الحريري إلا أن جميعهم رفضوا التعليق على ما ورد في التقرير، خصوصاً أنه يشكل إحراجاً للحريري الذي يحمل الجنسية السعودية، وكذلك للعلاقة بين السعودية ولبنان.
ولم تستبعد مصادر في قوى "8 آذار" أن تطلب السعودية من الحريري إنكار ما ورد في التقرير، لتعزيز موقفها المشكك به، خصوصاً أن وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير وصفه بأنه "غير حيادي ومليء بالادعاءات الزائفة".
وعملياً يشكل التقرير إحراجاً أولاً للدولة اللبنانية التي عملت على تحرير رئيس حكومتها، لكنها لم تتخذ أي خطوة لاحقاً، بسبب رفض الحريري الاعتراف بأنه كان محتجزاً، وطبعاً حفاظاً على المصالح اللبنانية مع السعودية، على الرغم من أن الحادثة تعتبر انتهاكاً صارخاً للعلاقات بين البلدين في شق احتجاز المملكة لرئيس الحكومة، إضافة إلى التدخل في شؤون لبنان الداخلية عبر إجباره على تقديم استقالته.
ومرد حرج تيار "المستقبل" والذي يعزز فرضية عدم قدرة الحريري على إنكار ما ورد في التقرير، هو استناد "المستقبل" في سياساته منذ العام 2005 على دعم القرارات الدولية، وتأكيده الدائم بحيادية واستقلالية التحقيقات الدولية والمحاكم الدولية، ورفعه شعار العدالة الدولية، وطلبه تحقيقا دوليا في اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، الذي أجراه فعلياً المحقق ديتليف ميليس، ولاحقاً إنشاء محكمة خاصة بلبنان للنظر في القضية.
واستبعدت المصادر أن يصدر أي تعليق من الحكومة اللبنانية أو الحريري شخصياً، على الرغم من أن الإحراج قد يرتفع في حال تقرر التوسع في التحقيقات، خصوصاً أن التقرير وعلى الرغم من أنه غير ملزم، إلا أنه يدعو إلى تحقيق من جانب جهة دولية مستقلة ومحايدة، ما يعني أنه في هذه الحالة قد يطلب من الحريري أن يكون شاهداً.