تقارب روسي - إيطالي من البوابة الليبية

11 أكتوبر 2018
استقبل حفتر في موسكو كشخصية رسمية (فاسيلي ماكسموف/فرانس برس)
+ الخط -

يبدو أن ردود الفعل المتتالية بين بريطانيا وروسيا غداة سعي إيطالي حثيث لعقد مؤتمر دولي بموافقة أميركية، تكشف عن عودة دور الدولتين إلى الساحة الليبية، لكن حول ماذا تختلف هذه الدول؟

واتهم تقرير نشرته صحيفة "ذا صن" البريطانية، الإثنين الماضي، روسيا بالسعي لنشر قواتها وأسلحتها على الأرض الليبية، لكن موسكو نفت هذا الأمر، فيما حملت تصريحات المسؤولين الروس المتتالية، منذ الثلاثاء الماضي، بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة مسؤولية الفوضى التي تعيشها ليبيا بسبب تدخل حلف شمال الأطلسي، لإسقاط نظام العقيد الراحل معمر القذافي، من دون مساعدة البلاد على إنتاج نظام بديل عنه. وعلقت السفارة الروسية في لندن على تقرير الصحيفة ساخرة، بالقول "هل تعني وسائل الإعلام البريطانية أن روسيا ستأتي إلى ليبيا لتكنيس الفوضى التي خلفها التحالف الغربي منذ 7 سنوات؟".

لكن الملاحظ في التصريحات الروسية الأخيرة استثناء إيطاليا من الاتهامات التي توجهها عادة للغرب في تسببه بالأزمة الليبية، تزامناً مع مساعٍ إيطالية لضم روسيا لمؤتمر باليرمو المقبل، خصوصاً من خلال زيارة وزير الخارجية الإيطالي إينزو ميلانيزي، لموسكو، لتؤكد الأخيرة على تطابق وجهات النظر الروسية الإيطالية بشأن تسوية الأزمة الليبية. ويعلق متابعون ليبيون على تجدد الحراك الدولي بالقول إنه يصب باتجاه تسوية أوضاع قائد قوات برلمان طبرق خليفة حفتر، كون وجوده من عدمه هو محور الخلاف الدولي الحالي بشأن بلورة رؤية موحدة لحل الأزمة الليبية. وقال أستاذ العلوم السياسية في الجامعات الليبية، خليفة الحداد، إن "حدة الرد الروسي، على لسان أكثر من مسؤول ورغم أنه جاء رداً على تقرير لوسيلة إعلامية وليس تصريحات بريطانية رسمية، قد يعكس كواليس الخلاف بين الدولتين بشأن ليبيا"، مشيراً إلى أن الوجود الروسي في ليبيا "يعتبر اليوم من نافل القول، خصوصاً إلى جانب حفتر ومشروعه العسكري، وذلك بعد استقبالات رسمية روسية لحفتر كشخصية رسمية، وقد كشف عن ذلك بشكل أوضح رسو الأدميرال كوزنيتسوف قريباً من بنغازي واجتماع حفتر بمسؤولين روس على متنها. كما أن المتحدث العسكري باسم قوات حفتر جاهر بطلب التدخل الروسي في ليبيا في أغسطس/ آب الماضي، معتبراً أن روسيا الأقرب والأمثل لحل الأزمة".



ولفت الحداد، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن ميلانيزي صرح بشكل واضح، في مداخلته أمام البرلمان الإيطالي قبل أسبوع من زيارته لموسكو، بأنه ذاهب إلى روسيا لمعرفة ما إذا كان حفتر سيشارك في المؤتمر أم لا، ما يعني قناعة روما أن قرار حفتر بيد الروس، وأن موسكو بالفعل تقف خلفه. وأضاف "بالتالي، فإن زيارة الوزير الإيطالي لروسيا تأتي في إطار حشد إيطاليا لمؤتمرها الذي تسعى من خلاله لبلورة رؤية دولية موحدة حول حل الأزمة الليبية، وكاعتراف صريح بأن وضع حفتر هو المعرقل الوحيد". لكن المحلل السياسي الليبي، الجيلاني أزهمية، تساءل عن سبب غضب بريطانيا من الدور الروسي، معتبراً أن تقرير "ذا صن" لا مناسبة له في هذا التوقيت، ويشير إلى خلافات في الكواليس، وخصوصاً أنه صدر في وقت كان السفير البريطاني، فرانك بيكر، يجري زيارة رسمية لبنغازي ويقدم مشروعاً لنزع الألغام في المنطقة. وقال أزهمية، لـ"العربي الجديد": "باعتقادي أن روما رسول سلام بين موسكو وواشنطن، التي لم تخف دعمها لمؤتمر باليرمو بشأن ليبيا، ويمكن أن يكون هناك تهميش للدور البريطاني، وأرادت بريطانيا إعلاء صوتها لتقول أنا هنا". وأشار إلى أن توتر العلاقة بين موسكو ولندن ليس بالأمر الجديد، لكن بريطانيا تبعث، عبر مواقفها الأخيرة، بتهديد مبطن بأنها تستطيع الاقتراب من حفتر والتشويش على المساعي الروسية.

وعن الدور الروسي، قال أزهمية "روسيا شعرت بالخديعة من قبل الغرب، ووجدت نفسها، بعد سقوط القذافي، خارج اللعبة، واتجهت لدعم حفتر في الشرق مقابل دعم غربي لحكومة (فائز) السراج  في الغرب، لكنها في الوقت ذاته لا تريد التورط بليبيا، بالإضافة لوجودها العسكري في سورية". ولفت إلى أن روسيا سعت لتحويل حفتر من رجل عسكري إلى طرف سياسي مهم، ونجحت في ذلك، عبر جعله مناكفاً لسياسة الغرب في البلاد. ورجح أزهمية أن يكون الخلاف الروسي الغربي وصل إلى قمته، عندما أعلن حفتر عن نقل تبعية الموانئ والحقول النفطية لمؤسسة نفط تحت سيطرته في بنغازي، ليأتي الرد الغربي سريعاً مرغماً إياه على التراجع عن قراره. وقال "أعتقد أن هذا التاريخ كان نقطة بداية التلاقي بين روسيا والغرب، وبالتالي ضرورة تسوية الخلاف وبلورة رؤية موحدة للمصالح الدولية في ليبيا، ولذا فإيطاليا أفضل من يلعب هذا الدور، فهي تحتفظ بعلاقات متينة مع روسيا كما أنها محسوبة على دول الغرب وتعتبر نفسها الأحق تاريخياً بقيادة الملف الليبي"، لافتاً إلى أن حفتر بالفعل أصبح يمثل عقبة الخلاف بين هذه الدول، بعدما تضاءل دور كل الأجسام السياسية وأصيبت كل الأطراف المسلحة في البلاد بالإنهاك، وقررت الأقوى في الغرب، خصوصاً في الزنتان ومصراته، الانضمام للترتيبات الأمنية لحكومة الوفاق، ما يعني تحولها إلى قوات نظامية بحماية دولية.

المساهمون