تزداد ضغوط الحياة اليومية وتتراكم، فيدخل المرء في دوامة من التفكير السلبي. وكلما ازداد الشعور بالإحباط والقلق على المصير في العمل وعلى صعيد العلاقات والتواصل مع المحيط، يغرق أكثر في التفكير السلبي. ويتزايد الأمر في عالمنا العربي بحسب خبراء، على خلفية ما نعيشه من هزّات سياسية واقتصادية وأمنية وغيرها.
يتحدّث الاختصاصي في علم النفس، الدكتور نبيل خوري، عن مدى تأثير التفكير السلبي على صحة الإنسان وعلى حياته ككل. فيوضح لـ "العربي الجديد" أنّ "الأفكار السلبية بحسب ما هو متعارف، تحدّ من قدرات الإنسان وتطغى على أنشطته العصبية والتفاعلية وعلى نتاجه الفكري. فتشلّ حركته ويصبح غير منتج. لذا نشدّد على أهميّة العمل على تحويل الأفكار السلبية إلى إيجابية". يضيف: "لا نستطيع الاحتفال وإطلاق الأكاذيب القائلة مثلاً بأنّ الحياة حلوة. ما نسعى إليه هو إخراج الإنسان المحبط من الضغوط التي يعيشها وسط الأخبار السيئة والوضع المالي المزري. إذا تحسّنت الظروف في تقدير عمله على سبيل المثال، فإنّ من شأن ذلك أن يأخذ منحى إيجابياً. أمّا في حال لم يشعر بأيّ تغيير إيجابي، فعندها لا ينفع النصح ولا الإرشاد. والنصيحة الأهمّ تبقى في الاقتناع بأنّ: لا تكره شيئاً لعلّه خيراً لك. بذلك، يرى في كل حالة سلبية نوعاً من الإيجابية ليتفاعل معها من جديد".
من جهتها، تقول الاختصاصية في علم النفس، سمر حنّا: "لا بدّ من ابتداع أفكار إيجابية ليسيطر المرء على الحالة المأساوية التي يعيشها، حتى يستمر". وتشير لـ "العربي الجديد" إلى أنّ "اللبنانيّ على سبيل المثال، كثيراً ما يردّد: لا يوجد مال.. زحمة سير.. أزمة معيشية... هذا كلّه يجعله يعيش حالة ضاغطة، بالتالي يرى كلّ شيء سلبياً. ونمط التفكير السلبي يشعره باختناق إلى حدّ الانهيار النفسي واختفاء الطاقة الإيجابية من حياته. من هنا، يجب على المرء أن يحاول النظر إلى الحياة بطريقة إيجابية، حتى يعتاد على هذا النمط".
أمّا الاختصاصي في طب الطوارئ الدكتور رشيد رحمة، فيشرح لـ "العربي الجديد" عن تأثيرات التفكير السلبي على الصحة الداخلية، خصوصاً على القلب. فيقول إنّ "التفكير السلبي يأتي نتيجة الضغوطات اليومية التي يعيشها الإنسان. عندها يخسر الشعور بالأمان، ومن الممكن بالتالي توقّع الأسوأ. الأمر قد يؤثّر سلباً على الصحة البدنيّة، فتتزايد نبضات القلب ويرتفع ضغط الدم إلى درجة التسبّب بجرحة قلبية. كذلك، قد يتسبب ذلك في قرحة المعدة وخلل في الهرمونات وانسداد في الشرايين". يضيف: "من هنا، يجب على المرء أن يتمرّن على الأفكار الإيجابية. والتدريب عليها يبدأ من المنهاج التربوي في المدارس، عبر حثّ التلاميذ على التفكير بطريقة إيجابية".
في السياق ذاته، يقول الطبيب المتخصص في الأمراض النفسية والعقلية الدكتور سامي جاموس إنّ "الأفكار السلبية تزداد نتيجة أسباب عديدة من قبيل التهكم والانتقادات التي يتعرّض لها المرء ربما في محيطه. فينتج عن ذلك ضعف الثقة في النفس والانسياق السريع خلف المؤثرات والانفعالات الوجدانية والعاطفية. كلّ ذلك يبعده تماماً عن الثبات والهدوء اللذَين يمهّدان لشخصية إيجابية الفكر والسلوك". يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "تضخيم الأمور، وعدم استيعاب المواقف بعقلانية وهدوء، والخوف والقلق والتردّد، كلّها عوامل من شأنها تكوين شخصية مزدحمة بالأفكار السلبية. بالتالي، من غير الممكن رؤية الأمور وتفسير المواقف إلا بسوداوية".
وعن طرق التخلّص من الأفكار السلبيّة، يتحدّث جاموس عن "الثقة في النفس كأولى الخطوات. أمّا الهدوء والاسترخاء، فهما أمران ضروريان ومهمّان لاستعادة التوازن النفسي والذهني والعاطفي، مع أهمية الاختلاط بالأشخاص الإيجابيين والتعلّم منهم، بالإضافة إلى المشاركة في دورات وورش عمل لاكتساب مزيد من الثقافة والعلم في مجال فنّ النجاح أو فنّ التفكير الإيجابي". ويشدّد على "ضرورة الابتعاد عن الانطواء على الذات، لأنّ العزلة أحياناً تكون مرتعاً خصباً للأفكار السلبية، وتساهم في الاسترسال بالانفعالات. ويزيد الغضب كذلك من الأفكار السلبية، وهنا أهميّة التماسك قبل الإقدام على أيّ تصرّف، حتى لا يعيش المرء رهينة أفكار نشأت من ردود فعل متسرعة". ويتابع أنّ من "المهمّ عدم التركيز على العيوب، ومن المستحبّ أن يدوّن المرء نقاط القوة لديه. حتماً، سوف تتغير نظرته، في حال اجتاحته أفكار سلبية. يأتي ذلك إلى جانب ضرورة المحافظة على الهدوء والتأمل بموضوعية. حينها، سوف يجد المرء أنّه كان يبالغ ويحمّل الموضوع أكثر مما يستحق". ويدعو الناس إلى التفاؤل، إذ هو "سبيل عظيم نحو السعادة الداخلية، مع أهميّة تعلّم فنّ تجاهل الأفكار السلبية. ولنسأل دائماً: وماذا إذاً؟".