تمرّ العلاقة بين دول التحالف العربي والأحزاب السياسية اليمنية في حالة من التجاذبات التي تتحكم فيها المصالح نتيجة للموقف العام لكل من السعودية والإمارات المعادي للعمل الحزبي عموماً. ومع بداية عاصفة الحزم، في نهاية مارس/ آذار 2015، بدأت دول التحالف بالبحث عن حلفاء محليين لها في الداخل اليمني. ونتيجة مواقف دول التحالف من الأحزاب السياسية اليمنية التي توصف معظمها بأنها إما إسلامية أو قومية أو اشتراكية لا تتوافق مع الأنظمة الحاكمة للدول التي تقود التحالف العربي، بدأت الرياض وأبوظبي تلجأان إلى جماعات سلفية وجماعة الحراك الجنوبي.
وقامت دول التحالف، وتحديداً دولة الإمارات، بتهميش الأحزاب السياسية "التقليدية" وتعطيل أعمالها وإفراغها من مضامينها، عن طريق دعم الجماعات السلفية التي لها موقف معادٍ للعمل الحزبي، واستخدمتها لمواجهة الأحزاب السياسية، خصوصاً التجمع اليمني للإصلاح باعتباره الفصيل الممثل لجماعة الإخوان المسلمين التي تصنفها الإمارات جماعة إرهابية. وتعرّض بذلك حزب الإصلاح للإقصاء وإعلان الحرب ضده، خصوصاً في المحافظات الجنوبية، حيث اغتيل بعض قادته، فيما تمّ إحراق معظم مقراته وملاحقة ناشطيه.
وفيما كانت تحرق مقرات الإصلاح ويقتل ويطارد أفراده وناشطوه في المحافظات الجنوبية، كانت قيادة الإصلاح في الرياض تقدّم التنازلات تلو التنازلات على حساب مواقف الحزب وتضحيات أفراده. فقد حاولت قيادة الحزب التقرّب من النظام الإماراتي لنيل رضاه، وأعلنت، عبر رئيس الحزب محمد اليدومي، ألّا علاقة للإصلاح بجماعة الإخوان المسلمين، وهو الموقف الذي أثار حالة من الاستياء لدى كثير من قواعد الحزب الذين اعتبروا أن هذه المواقف لا تعبّر عنهم، إذ يعرف اليمنيون أن الإصلاح بمثابة الفرع اليمني لتنظيم الإخوان المسلمين.
يقول عبد الرحمن صالح، وهو ناشط شبابي في حزب الإصلاح، إن "القيادة القديمة للحزب لن تستطيع السيطرة على الكتلة الشبابية في الحزب، التي بدأت تمرداً منخفض المستوى يخالف توجهات القيادة القديمة في سياسية الخضوع والتبعية، والتقارب مع الإمارات"، باعتبار هذه الأخيرة عملت على إقصاء الحزب وملاحقة قيادته وسجنهم، خصوصاً في الجنوب. وأضاف صالح أن "هناك فعلاً شقاقات داخل الحزب وتوجهاً شبابياً يركّز على التجديد في قيادته، وقد ينجح الشباب في هذا التجديد في حال جرت لملمة صفوفهم المشتتة التي تعد حتى الآن بدون موجه"، بحسب قوله.
وألقت الأزمة الخليجية بظلالها أيضاً على الوضع التنظيمي للتجمع اليمني للإصلاح الذي وقفت معظم قياداته الموجودة في الرياض موقفاً تابعاً لدول الحصار وأيّدت مواقفها، بينما تعالت أصوات داخل الحزب ترفض هذه التبعية وتطالب باستقلال القرار الوطني للحكومة الشرعية وترفض موقفها المتماهي مع دول الحصار، كما ترفض موقف قيادة الحزب المتماهي بالخنوع بتأييد مواقف دول الحصار. وقد برز تيار شبابي داخل الإصلاح ينتمي بمعظمه إلى فئة الشباب الذين شاركوا بثورة 11 فبراير/ شباط 2011، يدعو إلى نقد أخطاء التحالف وسلوكياته في اليمن، من خلال إدانة غارات الطيران الخاطئة التي تتسبب بسقوط عشرات المدنيين، وانتقاد المعتقلات والسجون السرية لدولة الإمارات وإنشائها مليشيات مسلحة تابعة لها بشكل مباشر، وعدم توجهها إلى حسم المعارك في أكثر الجبهات المهمة، مقابل انشغالها بجبهات الساحل نتيجة وجود مصالحها في الموانئ اليمنية، بالإضافة إلى نهبها الثروات في معظم المناطق وتسخيرها لمصالحها، مطالباً بالوقوف ضد ما يصفه بالاحتلال الإماراتي والسعودي.
ويحذّر الناشط السياسي عبد الكريم الوصابي، بدوره، في حديث لـ"العربي الجديد"، من استهداف التحالف العربي للأحزاب اليمنية، خصوصاً التجمع اليمني للإصلاح الذي تحاول الإمارات والسعودية تفتيته من الداخل من خلال الضغط على قيادته الموجودة في السعودية لاتخاذ مواقف لا تنسجم مع المواقف العامة للحزب ولقواعده. ويضيف الوصابي أنّ "دول التحالف العربي لها موقف عام رافض للتعددية السياسية وتخاف من تصديرها من اليمن إليها، ولهذا كان لها دور بارز في تفتيت المؤتمر الشعبي إلى جناحين؛ مؤيّد للشرعية وآخر مؤيد للانقلاب"، معتبراً أنه "بعد مقتل المخلوع علي عبد الله صالح على يد الحوثيين بات المؤتمر أكثر تشظياً بعد تفتت الجناح الواحد فيه إلى أجنحة وتيارات عدة تختلف في مواقفها وقياداتها، لكنني شخصياً أرى أنّ الإصلاح يمكن أن يستفيد من محاولات تفتيته من خلال الالتفاف حول الأصوات الشبابية والواعية في إعادة بناء الهيكل التنظيمي للحزب بما يتوافق مع متطلبات المرحلة".
وتستند الإمارات في تسابقها في مواجهة الرياض إلى استقطاب قيادات المؤتمر الشعبي، وإلى علاقتها مع صالح ونجله أحمد الموجود في أبوظبي، بينما تعمل السعودية على استقطاب التيار القبلي داخل المؤتمر والمتمثّل بالمشايخ الموجودين على أراضيها. كما أن الدولتين ستعتمدان على مبدأ شراء الولاءات داخل قيادات المؤتمر الشعبي العام وداخل الأحزاب السياسية الأخرى.
ويرى أستاذ علم الاجتماع في جامعة صنعاء عبد الباقي شمسان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "إضعاف الفاعل الحزبي، كفضاء للعمل السياسي، كان هدفاً استراتيجياً للإمارات العربية المتحدة، فضلاً عن إضعاف السلطة الشرعية، إذ تمّ إضعاف الفاعل المدني والحزبي وكذلك الدولة لمصلحة كيانات عسكرية وشخصيات موالية للإمارات. ويعتبر شمسان أنّ استهداف الأحزاب "كان استراتيجياً، وبصفة خاصة حزب التجمع اليمني للإصلاح، باعتباره حزباً يوجد في كل الجغرافيا اليمنية، وكذلك حزب المؤتمر الشعبي العام الذي كان لا بدّ من تقليصه في المناطق الجنوبية، وهذه إشكالية مستقبلية وجدلية حول هل هذه الأحزاب شمالية صرف أو أحزاب يمنية تمارس نشاطها في اليمن كاملاً".
ويضيف شمسان "لقد عملت الإمارات منذ دخول الإصلاح في المواجهات مع الحوثيين على تقسيمه وفصل الجانب القبلي في مأرب وبعض المحافظات من خلال التواصل مع رموز قبيلة ومشيخية وتقديم الدعم لها، ما جعلها في تبعية جبرية، نظراً لضعف الدولة وحاجتها للدعم والتمويل. وحذرنا من قبل من فصل الجانب القبلي من التجمع اليمني للإصلاح وإخضاعه للتبعية الجبرية للإمارات من خلال الدعم المادي والعسكري، فيما الجناح العسكري للحزب تم استنزافه في الاحتراب بمعارك من دون تحقيق انتصار ميداني في كل من تعز وبقية الجبهات، ومن دون تقديم الدعم له. أمّا المكوّن السياسي، فيتم استهدافه عبر فصل القيادة العليا للتجمع اليمني للإصلاح وإبقائها في الرياض، ما يخلق قطيعة بين القيادة والقاعدة الجماهرية والمكونات القبيلة والعسكرية".
ومن وجهة نظر شمسان، فإن الإمارات والسعودية، بعد مقتل صالح، باتتا تشعران بقلق التحديات المتمثلة بهيمنة الحوثيين على المشهد السياسي والعسكري، إذ توجد قطاعات عسكرية تابعة للرئيس السابق يمكن تذويبها من قبل الجماعة عقائدياً وجبرياً، وهذا ما دفع قيادة التحالف إلى عقد لقاء الضرورة مع قيادة الإصلاح لدفعه إلى مواجهات مع الحوثيين وربما تحويله لمليشيات في المستقبل.