وبعد أن حاول "داعش" التغطية على المهاجم بتسريب أخبار عن وصول أبو محمد الخراساني إلى مدينة الرقة الخاضعة لسيطرة التنظيم، يبدو أن الخراساني لم يتمكن من مغادرة إسطنبول، حيث تمكنت قوات مكافحة الإرهاب التابعة لمديرية أمن مدينة إسطنبول من إلقاء القبض على الأوزبكي عبد القادر ماشاريبوف (1983)، في أحد المنازل التي كان يختبئ بها برفقة أربعة آخرين من التنظيم، وبحوزته مسدسان ومخزن وطائرتا درون و197 ألف دولار، وذلك في منطقة إسنيورت في القسم الأوروبي من مدينة إسطنبول، بعد أن انتقل إليه من منزل آخر في منطقة باشاك شهير في إسطنبول أيضاً.
وفي سبيل إلقاء القبض على ماشاريبوف، شكّلت مديرية أمن إسطنبول فريقا مكونا من ألف عنصر، قام بالتدقيق بما يقارب 7200 ساعة من مقاطع الفيديو المسجلة عبر الكاميرات الأمنية، سواء الموجودة في مختلف المحال والأبنية في المدينة أو تلك الموزعة في الطرق الرئيسية.
وعلى الرغم من أن ماشاريبوف تمكن من الفرار في اللحظات الأخيرة بعد عدة عمليات أمنية سابقة، إلا أن الفريق تمكن من خلال التحقيقات من الكشف عن عدد كبير من الخلايا النائمة التابعة للتنظيم، الأمر الذي أكده والي إسطنبول، واصب شاهين، بالقول إنه "تم تنفيذ عمليات أمنية استهدفت 152 عنواناً، وتم إلقاء القبض على 50 شخصاً، كما تم تسليم 168 شخصاً أجنبياً إلى الجهات المختصة للاشتباه بكونهم إرهابيين".
وبعد ثلاثة أيام من تحديد المنزل الذي يشتبه بأن ماشاريبوف اختبأ به، وبعد أن تم تقييم المخاطر التي قد تلحق بقوات الأمن في حال رغبت في إلقاء القبض على منفذ الهجوم حياً، انطلقت قوات الأمن التركية في عملية مستهدفة ثلاثة عناوين في المدينة بشكل متزامن، لتتمكن من إلقاء القبض على ماشاريبوف برفقة أربعة آخرين، بينهم عراقي وصومالية تدعى عائشة م (27 عاما) ومصرية (26 عاما) وسنغالية تدعى دينا.أ (27 عاما).
ويتكون المنزل الذي ألقي القبض فيه على ماشاريبوف من غرفتين وصالة، ولا يحتوي على تلفزيون، إضافة إلى مبلغ 197 ألف دولار عثرت الشرطة على مبالغ مالية مختلفة من العملة العراقية والليبية واليورو، وكذلك على أدوات تجميل نسائية، والكثير من المواد الغذائية المخزنة، وأوراق مختلفة من بينها فواتير شراء ورسالة من السنغالية دينا إلى ماشاريبوف كتبت فيها "أنا أحبك جداً، أنت مجنون للغاية".
ويؤكد محمد أتار، أحد سكان البناء الذي تم فيه إلقاء القبض على ماشاريبوف، أن ربع سكان المبنى من جنسيات أجنبية، بالقول: "في حوالي الساعة الثانية عشرة إلا ربعاً استيقظت على أصوات صياح في المبنى، في البداية ظننت الأمر عبارة عن مشاجرة، فقمت بالاتصال بالشرطة، ومن ثم عرفت بأن ما يجري هو عملية تقوم بها القوات الخاصة".
وأضاف أتار أنه "قبل ذلك لم تنتابه أي شكوك، أنا أسكن في الشقة التي تقع تحت الشقة التي كان يقطنها ماشاريبوف، في الأيام الأخيرة كنت أسمع صوت طفل، وقبل ذلك لم أسمع على الإطلاق أصوات أطفال من هذه الشقة".
من جانبه، أشار صالح كسكين، صاحب أحد المطاعم في المنطقة، إلى أنه لاحظ وجوداً كثيفاً للشرطة في المنطقة خلال الأيام الأخيرة، وأكد أحد سكان المبنى أنه لم يلحظ وجود المشتبهين قبل ذلك في المكان، بالقول: "بعد سماع الصياح خلال العملية نزلت لأرى ما يحدث، لم أر المشتبهين قبل ذلك، زوجتي أكدت أنها رأت إحدى النساء السود، ولكن بالنسبة لي لم أر أياً ممن تم اعتقالهم في المبنى قبل ذلك"، ليتبين خلال التحقيقات أن ماشاريبوف ومرافقيه كانوا يستخدمون عباءات نسائية سوداء للتنقل، ولشراء حاجياتهم خوفاً من انكشاف هويتهم".
وتفيد المعلومات الأولية بأن ماشاريبوف من مواليد أوزبكستان، ويحمل الجنسيتين الطاجيكية والأوزبكية، ومطلوب للأمن الأوزبكي، وتلقى التدريبات لمدة عامين في كل من باكستان وأفغانستان، وتختلف التقييمات الأمنية الأولية حول طريقة دخول ماشاريبوف إلى الأراضي التركية، بعضها يشير إلى أنه دخل بطريقة غير شرعية قادماً من إيران، وبعض آخر يسير إلى أنه قدم من مناطق سيطرة التنظيم في سورية، وذلك قبل أن يتوجه من مدينة قونيا (وسط الأناضول) إلى إسطنبول في 16 كانون الأول/ديسمبر الماضي، ويجيد ماشاريبوف خمس لغات، وهي كل من الأوزبكية والروسية والعربية والصينية والتركية.
وعلى عكس باقي عناصر التنظيم ممن يكلفون بتنفيذ عمليات، لا يبدو أن ماشاريبوف حاول القيام بأي عملية انتحارية، سواء خلال تنفيذ هجومه الذي أسفر عن مقتل 39 شخصاً وجرح 64 آخرين، أو حتى خلال عملية إلقاء القبض عليه، وعلى الرغم من أنه كان يمتلك مسدسين ومخزن رصاص، ومسدساً هوائياً، إلا أنه لم يحاول مقاومة الشرطة التركية حتى النهاية، ولم يستخدم السلاح، بل تشير بعض التقارير الإعلامية إلى أنه حاول الاختباء وراء أحد الأسرّة، كما لم يعرف بعد سبب امتلاكه طائرات درون، سواء إن كانت معدة للتهريب إلى مناطق سيطرة "داعش" أو إنها كانت معدة لتنفيذ هجمات أخرى في تركيا.
وأكثر من ذلك، عمد ماشاريبوف بعد تنفيذه الهجوم للذهاب إلى منزل قبل أن يصطحب برفقته ابنه البالغ من العمر أربع سنوات، تاركاً ابنته (عاما ونصف العام) برفقة زوجته، والتي تم إلقاء القبض عليها أيضاً في مدينة إسطنبول، ولكن بحسب والي إسطنبول، واصب شاهين، لم تعثر القوات الأمنية على الطفل برفقة منفذ الهجوم.