حملت خطة الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني المتعلقة بتغيير المحافظين والولاة أخيراً، ملامح العهد الجديد الذي يريده الرئيس ويعمل عليه منذ تسلمه الحكم في أغسطس/آب من العام الماضي، من يد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز الذي لم يكن يرغب في التواري عن الأنظار، وظلّ يحرّك خيوط اللعبة السياسية من بعيد. كما حملت الخطة رسائل واضحة لجميع أعوان الرئيس السابق، تفيد بأنه لا مكان إلا لرجال العهد الجديد، وأكدت رغبة الغزواني في محو إرث سلفه، ولو اقتضى الأمر المخاطرة بأمن البلاد، إذ إنّ التغييرات تأتي في مرحلة حساسة في ظلّ تفشي وباء كورونا. وقد مثّلت حركة تغيير المحافظين أحدث خطوة لإبعاد رجال الرئيس السابق وفكّ ارتباطهم بالعهد الجديد.
وأجرى الغزواني نهاية إبريل/نيسان الماضي، أول تغيير في الإدارة الإقليمية منذ وصوله للسلطة، في ظرف تواجه فيه البلاد وباء كورونا بإمكانات متواضعة، وتعوّل على قدرة أجهزتها الأمنية على إغلاق المدن وفرض حظر التجول لمنع انتشار الوباء. وجاءت حركة تغيير المحافظين الأخيرة لتكون الأكبر في تاريخ البلاد، ولتفتح المجال أمام دمج نخبة جديدة في الحكم، مقابل إبعاد "الحرس القديم" وإحكام سيطرة الرئيس على القيادة السياسية والأمنية في البلاد.
وطاولت التغييرات 11 محافظاً من أصل 15، إذ تمّ استثناء أربعة فقط هم محافظو ولايات الحوض الشرقي وتكانت والترارزة وتيرس زمور. كما شملت التغييرات ولايات العاصمة نواكشوط الثلاث التي تعتبر كبرى ولايات البلاد من الناحية السكانية والعمرانية، إذ تمت إقالة محافظي هذه الولايات الثلاث جميعهم، ما شكّل مفاجأة للمراقبين بحكم العلاقة القوية بين محافظي العاصمة والقيادة السياسية.
وربط بعض المراقبين بين إقالة محافظي العاصمة، وتسريب وثيقة تتعلّق بإجراءات نقل المصابين بفيروس كورونا، وتشرح صعوبة تعقب المخالطين للحالات المصابة. وفي السياق، يوضح الباحث السياسي، أحمد سالم ولد شيخاني، أنّ هذه "الإقالة الجماعية لمحافظي العاصمة نواكشوط، جاءت كعقاب مباشر بعد تسريب مراسلة داخلية بين المحافظين. إذ إنّ الإقالة تمت بعد ساعات من تسريب وثيقة لمحافظ نواكشوط الجنوبية يتحدث فيها عن بعض الملاحظات على الإجراءات المتبعة في حجر مخالطي سيدة أصيبت بفيروس كورونا. وعلى أثر هذا الخطأ، تمّ إجراء حركة تغيير كبيرة شملت أغلب المحافظين".
ويشير ولد شيخاني، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ "التغييرات التي تعدّ الأولى من نوعها التي يجريها ولد الغزواني على الإدارة الإقليمية منذ وصوله للسلطة، تعكس سعيه إلى إحكام سيطرته الأمنية والسياسية في البلاد، بعد تصاعد صراع الأجنحة داخل نظامه، وتقاذف المسؤولية بين عدد من القياديين حول سوء أداء قطاعات حيوية، وحديث عن شبهات فساد".
ويتابع المتحدث نفسه أنّ "تسريب الوثائق والمعلومات، ونشر التسجيلات الصوتية، أساليب انتقامية أصبح اللجوء إليها أمراً عادياً في الوسط السياسي في موريتانيا، وهي دليل على شدة الصراع بين رجال الرئيسين السابق والحالي، وتجاهلها سيؤثّر سلباً على مصداقية الدولة وعلى الأداء الحكومي". ويلفت ولد شيخاني إلى أنّ حركة التغيير الجديدة "جاءت بمحافظين من مدارس مختلفة، وحافظت على المعايير المتبعة في موريتانيا، مثل التوزيع الجغرافي والانتماءات القبلية، لكنها تجاهلت الشباب والنساء والأحزاب المعارضة، فلم يتم اختيار أي سيدة لشغل منصب محافظ، عكس ما جرت عليه العادة مع بداية كل حكم جديد. كما لم يتم اختيار أي من المنتمين لتنسيقية الشباب (تنسيقية لشباب أحزاب المعارضة) أو المعارضين الذين وعد الرئيس بالانفتاح عليهم وتعيينهم في مناصب تنفيذية عليا".
ويعتبر الباحث السياسي الموريتاني أنّ "حرص ولد الغزواني على الاجتماع بالمحافظين الجدد على الرغم من إجراءات كورونا، وتوجيه وزارة الداخلية استدعاءات لهم للحضور إلى العاصمة في ظروف الإغلاق والاستنفار الأمني الذي تشهده البلاد لمنع التسلل عبر الحدود أو بين المدن، تؤكد أهمية حركة التغييرات؛ سواء بالنسبة لإرساء دعائم النظام، أو بالنسبة لدفع أجهزة الدولة الإدارية والعسكرية والأمنية لتكون قادرة على وقف التسلل عبر حدود البلاد البرية لمنع تفشي وباء كورونا".
وإضافة إلى اجتماعهم بالغزواني، وهو الاجتماع الذي يعدّ الأول من نوعه منذ عام 2010، تاريخ آخر اجتماع لرئيس موريتاني بالمحافظين، عقد رئيس الحكومة إسماعيل ولد الشيخ سيديا، اجتماعاً آخر مع المحافظين الجدد لبحث المشاكل التي قد يعانون منها في عملهم، ووعدهم بتوفير الظروف المناسبة لأداء مهامهم، خصوصاً في هذه الفترة الاستثنائية، بسبب الإجراءات الاحترازية للوقاية من فيروس كورونا.