ويصطدم القرار الأول، الخاص بلجنة مراجعة أوضاع الشباب الموقوفين على ذمة قضايا، مع حقيقة أن السيسي خالف 4 تعهدات سابقة له بالعفو عن الشباب السجناء الذين صدرت بحقهم أحكام قضائية نهائية في قضايا التظاهر ما بعد الانقلاب العسكري في يوليو/ تموز 2013. ولم يُصدر إلّا قراري عفو فقط في العام 2015، وبررت الحكومة ذلك في كل مرة باعتراض مصلحة الأمن العام على القوائم التي أعدتها بعض الدوائر السياسية والحقوقية لهذا الغرض، وتخوفها من عدم استفادة السيسي شعبياً من هذه الخطوة. واللافت أن السيسي، الذي لم ينفذ تعهداته السابقة بالعفو عن المحكومين، لا يملك أصلاً الصلاحية الدستورية للعفو عن متهمين قيد التحقيق أو قيد المحاكمة، وهو ما يفتح الباب لاحتمالات أن يسارع القضاء أو النيابة العامة إلى إخلاء سبيل أعداد كبيرة من الشباب الموقوفين على ذمة قضايا من دون الإفراج عنهم نهائياً، وذلك كما حدث أخيراً عندما أخلت النيابة سبيل عدد من الشباب المتهمين بالتظاهر ضد التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، عقب تعهد السيسي بالعفو عن الشباب قبيل عيد الأضحى الماضي.
وترجح مصادر سياسية مطلعة، شاركت في المؤتمر، هذا الاحتمال، مبدية تخوفها من أن يحول ذلك أي حديث مستقبلي عن العفو إلى مجرد كلام خال من المضمون، لأن العفو يختلف كلياً عن إخلاء السبيل، فالأول يتضمن إلغاء أي عقوبة أو اتهام ضد الشخص، أما الثاني فهو يعتبر وقفاً مؤقتاً لإجراء الحبس فقط من دون إسقاط التهم. وتوضح هذه المصادر مشكلة أخرى في هذا التعهد، هي أنه حدد سلفاً إطاراً معيناً لتحرك اللجنة المكلفة بفحص ملفات الشباب، وهو أن يكون المتهمون غير محكوم عليهم، وبالتالي فلن ينظر إلى آلاف المسجونين الذين صدرت ضدهم أحكام جائرة، بما في ذلك الأبرياء وغير المنسوبة إليهم أفعال واضحة، ومن تم القبض عليه لمجرد انتمائه أو انتماء أقاربه إلى جماعة الإخوان المسلمين أو تيارات إسلامية أخرى.
وتدلل المصادر على هذه المشكلة بأن عضو حركة تمرد والمجلس القومي لحقوق الإنسان، محمد عبدالعزيز، تم تكليفه بشكل غير رسمي من قبل السيسي، الخميس الماضي (أي قبل إعلان نتائج المؤتمر)، البدء في إجراء اتصالات لتشكيل لجنة ترشيح الشباب المرشحين للإفراج عنهم، وأن عبد العزيز أبلغ عدداً من الشخصيات العامة، التي تواصل معها، بأنه "سيعتمد بشكل أساسي على القائمة التي أعدها المجلس القومي لحقوق الإنسان، وطالب سابقاً بالعفو عمن فيها". وتضم هذه القائمة نحو 250 اسماً، معظمهم من غير المنتمين لأي حركات سياسية، وعدد كبير منهم محكوم عليه، ما يعني خروجهم مقدماً من إطار تعهد السيسي الجديد، منهم النشطاء اليساريون، كعلاء عبد الفتاح، وأحمد ماهر، وأحمد دومة، ومحمد عادل، وباقي المسجونين في قضية التظاهر أمام مجلس الشورى في نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، وكذلك السجناء المشهورين إعلامياً، مثل الباحث إسلام بحيري، والروائي أحمد ناجي. وترى المصادر أن النتيجة المحتومة لهذا الأسلوب الانتقائي في عمل اللجنة، قبل أن تبدأ، سيكون عملاً مشوهاً ومقتصراً على أسماء معروفة بعينها، مثل المصور الصحافي، محمود شوكان، المتهم في قضية "اعتصام رابعة" وغيره من مشاهير الفضاء الإلكتروني، ما لا يحقق العدالة بقدر ما يخاطب وسائل الإعلام والقوى الخارجية، باصطناع أن النظام في مصر يحترم الأحكام القضائية ولا يتجاوزها ويفرج عن عشرات السجناء في إطار تفاهمات مع الشباب.
أما القرار الثاني الخاص بتعديل قانون التظاهر، فيصطدم مع تصريحات سابقة لرئيس الوزراء ووزير الشؤون النيابية بأن الحكومة ستنتظر حكم المحكمة الدستورية العليا في الطعنين المقامين على قانون التظاهر، والمنتظر صدوره في ديسمبر/ كانون الأول المقبل، لبدء إجراءات تعديل القانون في مجلس النواب. ووفقاً لمصادر "العربي الجديد"، في الحكومة والبرلمان، فإن هناك ملفاً معداً سلفاً بتعديلات جاهزة ومجازة بشكل غير رسمي من عدة جهات قضائية، تتبنى نمطاً جديداً من العقوبات، عبر زيادة الغرامات وإلغاء الحبس، باعتبار أن الغرامات أصبحت أشد ردعاً من الحبس، خاصة إذا كانت الغرامات بعشرات آلاف الجنيهات، كما حدث مع الشباب والأحداث الذين اتهموا بالتظاهر ضد التنازل عن تيران وصنافير. وفي السياق ذاته يأتي القرار الثالث الخاص بوضع قوانين منظمة للإعلام والصحافة. ففي الواقع انتهت الحكومة من إعداد هذه القوانين، وعرضت بعضها على مجلس الدولة لمراجعتها دستورياً وستعرضها خلال أيام على مجلس النواب، وذلك كله من دون أخذ مقترحات التيارات المعارضة داخل نقابة الصحافيين في الاعتبار، حيث تهدف هذه القوانين إلى إحكام الرقابة والسيطرة على وسائل الإعلام، وفرض قيود على الصحافة الإلكترونية، تحديداً بعدما أصبحت المنبر الأكثر استخداماً من قبل الأصوات المعارضة.
وتكشف مصادر حكومية وأخرى إعلامية (جميعها حضرت المؤتمر)، أن الطريقة التي تحدث بها السيسي خلال الجلسة الخاصة بالإعلام، وسخريته من اختلاف الإعلاميين، "تركتا أثراً سلبياً في نفوس معظم الحاضرين، بمن فيهم الأشد تأييداً له، وذلك لأن تصرفه عكس عدم رغبته في إثارة أي خلاف في الرأي، حتى بين أجنحة النظام المؤيدة له والحريصة على بقائه". وتقول المصادر إن "لقاءات عديدة عقدت للنقاش حول مستقبل وسائل الإعلام الخاصة التي ما زالت خارج السيطرة الإدارية للأجهزة السيادية، حيث ترددت أنباء عن قرب بيع نسبة كبيرة من أسهم شبكة الحياة، المملوكة إلى رئيس حزب الوفد، السيد البدوي، إلى تحالف رجلي الأعمال أحمد أبو هشيمة ومحمد الأمين الذي يدار بواسطة جهاز الاستخبارات العامة. كما ترددت أنباء أيضاً عن توسيع أعمال شبكة (دي إم سي) الجديدة التابعة لجهاز الاستخبارات الحربية والمالكة لإذاعة 9090 وموقع مبتدا الإلكتروني".
وتؤكد المصادر أن "حصيلة هذه اللقاءات، التي حضر بعضها أقرب الإعلاميين إلى السيسي، هي أن مخطط السيطرة الإدارية على الإعلام الخاص ما زال قيد التنفيذ، وأن على جميع الشبكات والصحف التي ترغب في البقاء مستقلة إدارياً أن تخضع سياستها الإعلامية بالكامل للنظام، وأن الساحة مفتوحة فقط لمؤيدي السيسي وكذلك معارضي سياساته المنتمين إلى النظام نفسه، والذين لا يختلفون معه من الناحية المبدئية، بل على ممارسات محدودة فقط". وتصف المصادر هذه المعادلة بـ"قرار غير معلن من المؤتمر"، مشيرة إلى أن النظام يتبنى حالياً سياسة "السماح بالكلام داخل حدود متفق عليها فقط"، مفسرة بذلك إصرار الرئاسة على استضافة عدد من الشخصيات المعروفة بمعارضتها "بعض" سياسات السيسي، مثل الصحافي إبراهيم عيسى، والنائب السابق، أسامة الغزالي حرب، وشخصيات اقتصادية مستقلة، وذلك لترسيخ صورة "النظام المرحب بالحوار".
ويرتبط بهذا "القرار غير المعلن" تعهد السيسي بعقد مؤتمر شهري لشباب مختلف التيارات السياسية لتشجيعهم على العمل العام، حيث ترى المصادر ذاتها أن "مساحة التواصل بين الرئاسة والتيارات التي أيدت انقلاب 3 يوليو/ تموز 2013 ستصل إلى ذروتها من خلال المؤتمر المزمع عقده شهرياً، حتى إذا عقد بدورية أخرى"، مرجحة أن "تشارك بعض التيارات التي قاطعت مؤتمر الشباب في هذه المؤتمرات على أمل إيجاد مواقع لها داخل النظام، وعلى رأسها التيار الشعبي، الذي يرأسه المرشح الرئاسي السابق، حمدين صباحي". وتقترن هذه المغازلة الشبابية للأحزاب بالمركز الوطني للتدريب المزمع إقامته كبرنامج مكمل للبرنامج الرئاسي لإعداد الشباب للقيادة، حيث تؤكد المصادر الحكومية، التي حضرت المؤتمر، أن "باب هذا المركز سيكون مفتوحاً لجميع شباب الأحزاب المجازة أمنياً، أي الجميع تقريباً، عدا الإسلاميين والأحزاب المحسوبة عليهم، والحقوقيين المتهمين بتلقي الأموال من الخارج". وتعتبر أن هناك قناعة لدى الدائرة الاستخباراتية - الرقابية التي تدير المشهد السياسي، برئاسة مدير مكتب السيسي، عباس كامل، بأن "الأحزاب التي أيدت تحرك 3 يوليو ستكف عن المعارضة بمجرد خلق دور لها داخل النظام، حتى وإن بدا هذا الدور تافهاً أو ضئيلاً، وذلك لأنها حالياً خارج الصورة الرسمية، ولا تستطيع في الوقت ذاته أن تعلن سخطها على النظام بشكل كامل لتخوفها من القمع الأمني ولعدم وجود قواعد عريضة لها بالشارع". وتعكس هذه الرؤية معالم خطة جديدة يتبناها النظام لتدجين تلك الأحزاب، مع استمرار استبعاد المخالفين له مبدئياً، تمهيداً لترشيح السيسي لفترة رئاسية ثانية في العام 2018، ثم التمهيد لتعديل الدستور والسماح له بالبقاء رئيساً مدى الحياة أو لفترات أخرى، آخذاً في الاعتبار إعلان السيسي لأول مرة خلال مؤتمر شرم الشيخ أنه لن يترك الحكم "من أجل مصلحة البلد"، حسب تعبيره.