تعزيزات إماراتية لتثبيت انقلاب عدن

01 سبتمبر 2019
انتشار كبير لقوات "الانتقالي" في الشوارع (نبيل حسن/فرانس برس)
+ الخط -
استكملت الإمارات وأتباعها في "المجلس الانتقالي الجنوبي"، حراكهم في عدن ومحيطها لفرض واقع جديد ينهي بشكل كامل أي وجود للسلطة الشرعية اليمينة في تلك المنطقة، بالتوازي مع تواصل الاعتقالات والملاحقات وإرسال المزيد من العتاد والقوات العسكرية إلى المنطقة، وذلك تحت أنظار السعودية التي لا تقوم قواتها المتواجدة في عدن بأي تحرك، بينما اقتصرت ردود الفعل الدولية على تنديد حقوقي بالانتهاكات الحاصلة.

وفيما كان الهدوء النسبي يسيطر على عدن أمس السبت، كان المقاتلون الانفصاليون يجوبون الشوارع، ويقومون بمزيد من الاعتقالات في أنحاء المدينة. وداهمت قوات "المجلس الانتقالي" منازل وشركات بعد انسحاب القوات الحكومية واعتقلت "عشرات" النشطاء والسياسيين ورجال الدين المؤيدين للحكومة موجّهة إليهم تهمة "الإرهاب". فيما نقلت وكالة "رويترز" عن مصدر أمني في "المجلس الانتقالي" أن عشرات "الإرهابيين والخارجين عن القانون" اعتُقلوا.

ولم تقتصر إجراءات أبوظبي ووكلائها ضد الحكومة الشرعية في عدن على الاعتقالات والتصفيات، بل وصلت إلى حد تغيير معالم المؤسسات والمرافق الحكومية. وذكرت مصادر في السلطات المحلية في عدن لـ"العربي الجديد"، أن مليشيات موالية للإمارات أزالت صور الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، وكذلك العلم اليمني من مختلف مؤسسات ومرافق الدولة في المنطقة، ورفعت صور قادة الإمارات ووكلائها في هذه المرافق، وحتى أزالت العلم السعودي من المرافق في عدن. وأشارت تلك المصادر إلى أنه لم يعد هناك شيء في المدينة يشير إلى وجود الشرعية أو التحالف بقدر ما بات يشير إلى أن عدن حي من الأحياء الإماراتية.

في السياق، ذكر مصدر عسكري في المنطقة العسكرية الرابعة فضّل عدم ذكر اسمه لدواعٍ أمنية، لـ"العربي الجديد"، أن ضباطاً إماراتيين ترافقهم قيادات في "المجلس الانتقالي" زاروا العديد من المرافق الحكومية وأبلغوا القائمين على هذه المرافق أن ينسوا أي شيء اسمه شرعية بما فيها عدم ذكر الجيش الشرعي بل إطلاق مسمى "قوات حزب الإصلاح" عليه، مهددين من يخالف ذلك بعقوبات تشمل السجن.
وذكر المصدر أن الإجراءات التي اتخذتها أبوظبي وأتباعها في عدن، والمصحوبة بالعنف ضد المخالفين، ولّدت حالة من الهلع حتى لدى موظفي الدولة بما فيها المجالات الخدمية والعسكرية والأمنية، لا سيما أن أكثر من 350 شخصاً أصبحوا خلال اليومين الماضيين إما معتقلين أو مخفيين قسرياً أو قُتلوا، فيما يتخوّف آخرون من أن يأتي الدور عليهم في حال لم يستطيعوا الهروب ومغادرة عدن.

وحذر المصدر من أنه في حال عدم تدخّل الحكومة الشرعية أو السعودية لوقف هذه الفوضى المفتعلة، فإن أعداد المفقودين والمختطفين والمعتقلين ستكون كبيرة ومفاجئة، بمن فيهم مسؤولون حكوميون لا يعرف مصيرهم، وسيكون هناك تهديد حقيقي لحياة الآلاف من اليمنيين الذين نزحوا إلى عدن هرباً من الحوثيين وجحيم الحرب، في ظل التحريض من "الانتقالي" لطردهم، وتصفية المشتبه بهم وخصوصاً ممن ينتمون إلى حزب "الإصلاح".


في السياق نفسه، ذكرت مصادر مقربة من الموالين للإمارات، لـ"العربي الجديد"، أن هناك قوائم لشخصيات كثيرة يُمنع عودتها إلى عدن، ومن يعود منهم سيتعرض للاعتقال، وفي مقدمتهم وزراء في الحكومة الشرعية وناشطون وسياسيون وصحافيون وقيادات جنوبية معارضة لدور أبوظبي ووكلائها في الجنوب، في الوقت الذي تتم فيه ملاحقة الموجودين داخل اليمن ويتم التركيز حالياً على الموجودين داخل عدن مع توقعات بانتقال ذلك إلى المناطق والمحافظات المجاورة، فضلاً عن تهديدات جدية وصلت إلى الصحف والصحافيين والمراسلين في عدن بعدم التعاطي مع الوضع القائم بشكل سلبي وإنما بطريقة إيجابية.

وحول موقف القوات السعودية الموجودة في عدن، أكدت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" أن القوات السعودية موجودة في مقر قيادة التحالف ولا تتحرك في عدن وتكتفي بمراقبة الوضع، فيما تتواجد القوات السودانية في مقر قيادة التحالف في عدن ومحيطه، على عكس القوات الإماراتية التي تتحرك ودفعت بما يصل إلى 200 آلية عسكرية متنوعة جديدة إلى عدن، وتواصل طائراتها التحليق في سماء عدن ولحج وأبين، وقصفت فجر أمس السبت قوات الشرعية في مدينة شقرة الساحلية.

وفي تطور لافت، كشف مصدر عسكري في أبين لـ"العربي الجديد"، عن قيام الإمارات بالإفراج عن السجناء في سجن زنجبار المركزي، والذي يضم عناصر من تنظيمي "القاعدة" و"داعش" كانت السلطات الأمنية والعسكرية قد تمكنت من القبض عليهم خلال عملياتها في السنوات الثلاث الأخيرة في أبين. ولمّح المصدر إلى أن تهريب هؤلاء العناصر له أبعاده، لا سيما بعد سيطرة أبوظبي وأتباعها على مدينة زنجبار، وتبرير الانفصاليين الاعتقالات والملاحقات في الجنوب بأنها لـ"عناصر إرهابية". وكانت الحكومة اليمنية رفضت مساء الجمعة ما وصفته بـ"التبريرات الزائفة" بعد إعلان الإمارات أن غاراتها الجوية في عدن والتي استهدفت قوات الشرعية، كانت ضد "مليشيات إرهابية".

في موازاة ذلك، كشف مصدر محلي في محافظة سقطرى، لوكالة "الأناضول"، أن دفعة جديدة من قوات "الانتقالي"، وصلت مساء الجمعة إلى جزيرة سقطرى بعد تدريبها من قبل قوات إماراتية. وقال المصدر إن هذه هي الدفعة الثانية التي تصل إلى ميناء سقطرى على متن سفينة خاصة.

وفيما غاب أي رد دولي تجاه ما يحصل، قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، وهو منظمة حقوقية غير حكومية مقرها جنيف، إن محافظتي عدن وأبين شهدتا عمليات إعدام ميدانية وحملات دهم واعتقال، خلال الأيام الماضية. وأعرب المرصد في بيان له أمس، عن صدمته من "عمليات القتل والإعدامات الميدانية"، خلال الاشتباكات في عدن وأبين، وعن قلقه الشديد جراء تصاعد عمليات الاعتقال ودهم المنازل في مختلف أحياء عدن. وأضاف أنه جرى اعتقال 400 شخص الجمعة، وأن قوات "الحزام الأمني" تستهدف في حملات الاعتقال والدهم العسكريين والمدنيين المنتمين للمحافظات الشمالية، إلى جانب العشرات من المنتمين لمحافظتي شبوة وأبين. وحذر المرصد من أن عمليات القتل والإعدام والاعتقال من شأنها أن تثير حرباً أهلية.

من جهتها، أعربت رئيسة بعثة الاتحاد الأوروبي إلى اليمن، أنطونيا كالفو بويرتا، عن حزنها لرؤية اليمن "منقسماً أكثر من قبل، والشعب اليمني يعاني أكثر من ذي قبل من حرب لا طائل منها حرمت السكان من الغذاء والصحة وحرية التنقل والأمن". وفي بيان لها أمس بمناسبة انتهاء فترة عملها في البلاد، أعربت بويرتا عن أملها "في المضي قدماً في درب سلمي يسمح لليمنيين والبلدان المجاورة بالعيش معا في سلام".