احتلت أزمة تعديل المناهج الدراسية اليمنية، التي أجرتها جماعة أنصار الله (الحوثيين) المسيطرة على صنعاء، صدارة اهتمامات اليمنيين، خصوصا أن رفضها وصل إلى حزب المؤتمر الشعبي، برئاسة الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، الذي وصفها بأنها "طائفية".
وكشفت مصادر في وزارة التربية بصنعاء، التي يديرها الحوثيون، طلبت عدم الكشف عن هويتها، لـ"العربي الجديد"، أن الحوثيين ومنذ العام الأول لسيطرتهم على المؤسسات الحكومية في صنعاء، بدؤوا بمحاولات فرض تعديلات على المناهج الدراسية، غير أنهم واجهوا معارضة من مسؤولين وكوادر تربوية في الوزارة، أثّرت على نسبة التعديلات التي نجحت الجماعة في فرض بعضها، في العام الدراسي المنصرم 2016- 2017.
ومن أبرز تعديلات الحوثيين على المناهج، التي اطلع عليها "العربي الجديد"، استبدال عبارة "صلى الله عليه وسلّم"، التي تلحق باسم النبي محمد، بعبارة "صلى الله عليه وآله وسلّم"، وهو تعديل لا يجد معارضة عند بعض المذاهب السنية، رغم أنه يأتي في سياق الرؤية المذهبية لدى الحوثيين والتي تمجّد "آل النبي" أو كما يتم تسميتهم "آل البيت"، ويقول قادة الحوثيين إنهم ينتسبون إليهم، باعتبارهم من سلالة الحسن والحسين، ابني علي بن أبي طالب.
تعديل آخر حرّك الجدل الذي أثاره الناشط في حزب صالح، المحامي محمد مهدي المسوري، مطلع يوليو/تموز الجاري، إذ أضيفت عبارة "وجوب محبة أهل البيت" في منهج التربية الإسلامية، للصف التاسع أساسي في فصله الثاني. وتأكد "العربي الجديد" من وجود التعديل في طبعة عام 2017، في درس "خطبة الوداع" للرسول محمد.
وتفصيلاً للتعديل الأخير، يتضمن المنهج في الصفحتين 121 و122، شرحاً لأهم المبادئ التي تضمّنتها "خطبة الوداع". وفي الطبعة المعدلة في الصفحة 121 حُذف سطران في نهاية الفقرة السادسة تعليقاً على خطبة الرسول، ينصان على: "فبكى بعض الصحابة ومنهم الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث علموا أن في الآية (اليوم أكملت لكم دينكم)، إشارة إلى قرب أجل رسول الله"، وأضاف الحوثيون، بنداً سابعاً باعتباره من مبادئ الإسلام في الخطبة، وهو "الوصية بأهل البيت ومودّتهم واتباعهم".
وفي الصفحة 122، يتضمن المنهج اليمني تسعة بنود تحت عنوان "دروس وعبر من خطبة الوداع"، وأضاف إليها الحوثيون بنداً عاشراً وهو "وجوب محبة أهل البيت ومودتهم واتباعهم"، الأمر الذي يعتبر مسألة سياسية خلافية، ترتبط بجعل مسألة "الحكم" للمنتسبين إلى "أهل البيت"، من أحفاد علي بن أبي طالب، ابن عم الرسول.
وفي وقت سابق من العام الجاري، رصد تقرير أعده "المركز الإعلامي للثورة اليمنية"، 19 تدخلاً من قبل الحوثيين في المناهج، منها على سبيل المثال، حذف الدرس الثالث في مادة القراءة للصف الثالث عن "العشرة المبشرون بالجنة"، و"تغيير اسم حفصة أينما ورد في كتاب القراءة للمرحلة الابتدائية".
تعديلات محدودة
وفي سياق وصف التعديلات بأنها "طائفية"، تجدر الإشارة إلى أنها بقيت في إطار محدود. فعلى سبيل المثال، تعج الكتب المدرسية بالحديث عن الصحابة وأدوارهم في سياق سرد السيرة النبوية والغزوات والأحداث مع الإشادة بأدوارهم، بما في ذلك الفاروق عمر بن الخطاب، على الرغم من التدخلات المتفرقة، بالحذف والتعديل.
الحوثي وزيراً
وعزز الحوثيون قبضتهم على المؤسسات التعليمية في صنعاء ومحيطها، منذ تشكيل الجماعة بالشراكة مع حزب صالح حكومة (انقلابية) في صنعاء، في نوفمبر/تشرين الثاني 2016. وأُسندت فيها حقيبة التربية والتعليم إلى يحيى بدرالدين الحوثي، الأخ الشقيق لزعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي، ولا يزال يشغلها حتى اليوم.
وتُعنى الوزارة بالمناطق الواقعة تحت سيطرة الجماعة وحلفائها في المحافظات الشمالية والغربية والوسطى، في حين تتبع بقية المناطق (الجنوب والشرق وجزء من الوسط)، لوزارة التربية والتعليم التي أقامتها الحكومة الشرعية في عدن.
حزب صالح يهدد
الأسبوع الماضي، نقلت جريدة "الميثاق" الأسبوعية، المتحدثة باسم حزب المؤتمر الشعبي، عن مصدر في الدائرة التربوية للحزب أنه "يرفض مطلقاً أي محاولة لتعديل المناهج الدراسية، إلا بموافقة كل القوى في الساحة الوطنية"، وأن "إقدام وزارة التربية على خطوة كهذه ستكون له تداعيات خطيرة، قد تدفع بالتنظيم إلى تحديد موقف لا مهادنة فيه من استمرار مشاركة المؤتمر في حكومة الإنقاذ الوطني". واستغرب الحزب "التعديلات في جنح الظلام على المناهج الدراسية من دون الرجوع حتى للجنة المناهج التي تم تعليق عملها".
الحكومة الشرعية ترفض
وأثيرت أزمة "تعديل المناهج"، في وقت سابق على نطاق واسع مع الحكومة الشرعية، التي أقدمت على إتلاف كتب مدرسية طبعت في مطابع الكتاب المدرسي بصنعاء، بعد الكشف عن "تعديلات طائفية فيها"، ومنعت توزيعها في مناطق سيطرتها.
وفي إبريل/نيسان الماضي، واجهت منظمة "يونيسيف" انتقادات واسعة، بعد إعلانها عن تقديم دعم لمطابع الكتاب المدرسي في صنعاء، اتهمها مكتب التربية العربي لدول مجلس التعاون الخليجي، بـ"تمويل طباعة كتب دراسية تم تحريفها وتحمل أفكارا طائفية تحرّض على استمرار العنف في اليمن".