تعديل "الكيانات الإرهابية" بمصر: استهداف المصالح العصيّة على المصادرة

12 فبراير 2020
اقر البرلمان التعديلات الجديدة بصفة نهائية (فرانس برس)
+ الخط -
أقرّ مجلس النواب المصري، أول من أمس الاثنين، بصفةٍ نهائية، تعديلاً جديداً على القانون رقم 8 لسنة 2015 في شأن تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين، استمراراً في تصعيد النظام المصري ضد المعارضين، وبصفةٍ خاصة التيار الإسلامي. وتؤكد الخطوة الجديدة أن الحديث عن انفراجة في المجال العام هو مجرد وهمٍ يبعد كثيراً عن الواقع العملي، خصوصاً بإمعان قراءة التعديل الأخير، الذي روّجت له الصحف ووسائل الإعلام المحلية باعتباره "تعديلاً بسيطاً لا يتضمن إجراءات خطيرة". ويأتي الترويج بعد التراجع عن إدراج القنوات الفضائية وصفحات وسائل التواصل الاجتماعي من التعريف الجديد للكيانات الإرهابية التي يستهدف القانون مواجهتها، وكذلك التراجع عن النصّ على فقدان الوظيفة العامة والدعم التمويني بالنسبة للشخص الذي يُدرج على قائمة الإرهابيين.

وقال مصدر حكومي اطلع على مشروع تعديل القانون منذ اقتراحه نهاية العام الماضي من قبل لجنة التحفظ على أموال الجماعات الإرهابية والإرهابيين، المُنشأة بالقانون 22 لسنة 2018، إن إدراج القنوات الفضائية وصفحات التواصل الاجتماعي ككياناتٍ إرهابية لم يكن من أهداف المشروع بدايةً، بل ظهر كفكرةٍ في مجلس النواب. أما عن أسباب التراجع، فذلك لـ"إشاعة حالةٍ من الارتياح واللامبالاة على وسائل التواصل الاجتماعي إزاء تعديل القانون، الذي يهدف في الحقيقة إلى إمعان السيطرة على أموال الإخوان والمتهمين بتمويل الجماعة"، بحسب المصدر.


وشرح المصدر هذا الأمر بأن لجنة التحفظ باتت تعاني من صعوبة فرض سيطرتها على الأموال المنسوب ملكيتها للأشخاص المتهمين بتمويل "الإخوان" بسبب مشاكل عديدة، أبرزها تراكب الملكيات، وتكامل الحصص الخاصة بالأفراد المتهمين مع حصصٍ أخرى في كيانات اقتصادية واحدة. ويشارك في بعض هذه الحصص مستثمرون من دولٍ صديقة للنظام، كالسعودية والإمارات والكويت، ما جعل الهدف الرئيسي للتعديل هو تسهيل شمول التحفظ لجميع الأصول المالية والموارد الاقتصادية المراد التحفظ عليها كمرحلةٍ أولى، ثم مصادرتها في مرحلةٍ تالية بناء على القانون الصادر عام 2018 بشأن أموال الجماعات الإرهابية والإرهابيين.

هذا الهدف الرئيس يتمثل في استحداث فقرةٍ جديدة ضمن الآثار المترتبة على الإدراج على قائمة الإرهاب ونشر القرار رسمياً، ونصّها كالآتي: "تجميد الأموال أو الأصول الأخرى المملوكة للكيان الإرهابي/الشخص الإرهابي، أو لأعضاء الكيان، سواءً أكان يملكها الكيان/الشخص بالكامل أو في صورة حصة في ملكية مشتركة، والعائدات المتولدة منها، أو التي يتحكم فيها الكيان/الشخص بشكل مباشر أو غير مباشر، والأموال أو الأصول الأخرى الخاصة بالأشخاص والكيانات التي تعمل من خلاله".

ويعني هذا بشكل واضحٍ وجريء إمكانية تجميد الأموال أو الأصول الأخرى التي تزعم التحريات الأمنية أنها مملوكة للكيان الإرهابي. ويأتي في المقام الأول في هذا الإطار الأشخاص المزعوم أنهم أعضاء في هذا الكيان أو الذين يتم إدراجُهم كإرهابيين، سواءً أكانت ملكية صافية لهم، أو في صورة حصّة في ملكيات مشتركة، بما في ذلك العائدات الناتجة عنها، حتى إذا كان الشخص لا يتحكم فيها بشكل مباشر، فضلاً عن الأموال أو الأصول الخاصة بالأشخاص والكيانات التي تعمل من خلال تلك الحصص المشتركة. وسيمنح هذا النص السلطة إمكانية التحفظ على شركات ومستشفيات ومدارس مملوكة جزئياً للأفراد المزعوم كونهم إرهابيين.

ويتنافى التنظيم الجديد مع مبدأ شخصية العقوبة المقرر في القانون والقضاء المصري، فضلاً عن كونه يتيح للسلطة التدخل لفضّ عرى الشراكة بين الأشخاص المستهدفين وغيرهم، أو للتدخل السلطوي في هذه الشراكة المدنية المالية. وإذا تطور الأمر، فإنه يتيح لها تفعيل القانون 22 لسنة 2018 الذي يسمح بمصادرة الأموال، فبذلك ستحل السلطة في الشراكة بدلاً من الشخص المزعوم كونه إرهابيا. والجدير ذكره أن هذا كلّه ممكن حصوله دون أحكام قضائية صادرة ضد الشخص المستهدف، ذلك لأن قانون الكيانات الإرهابية يسمح منذ إصداره عام 2015 بإدراج الكيانات والأشخاص على قائمة الإرهاب بقرار مؤقت من دائرة بمحكمة جنايات القاهرة بناء على طلب النيابة العامة، وليس فقط بناءً على حكمٍ قضائي موضوعي.

وبالتالي، فإن هذا التعديل يوسّع سلطات الدولة في التعامل مع الإمكانيات الاقتصادية المختلفة لدى العناصر المستهدفة بالمصادرة، باعتبارها أموالاً، فضلاً عن زيادة فرص الاستفادة من الممتلكات محل المصادرة بموجب القانون 22 لسنة 2018 الذي يتناقض صراحة مع المادة 40 من الدستور، التي تنص على أن "المصادرة العامة للأموال محظورة. ولا تجوز المصادرة الخاصة إلا بحكمٍ قضائي". فالمقصود بالمصادرة الخاصة هنا أن تحدد المحكمة الجنائية حصرياً الأدوات أو الأموال التي استخدمها الجاني في عمله الإجرامي، ومن ثم تحكم بمصادرتها بعد ثبوت استخدامها في مخالفة القانون، كمصادرة السيارات والأسلحة والمخدرات في قضايا التهريب والقتل والإرهاب، الأمر الذي يختلف تماماً عن حالة الأموال المتحفظ عليها جميعاً من أشخاص يشتبه في تمويلهم لجماعة "الإخوان".

وتستحدث التعديلات أيضاً بنداً له آثاره الخطيرة على المناطق والبيئات التي تنتشر فيها ظاهرة التضامن الاجتماعي لإعانة ذوي المعتقلين، وهو "حظر تمويل أو جمع الأموال أو الأشياء للإرهابي، سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر". وهذا النصر يعد فضفاضاً يمكن تطويعه لمنع إعانة ذوي المعتقل الموصوف إرهابياً، ورعاية منزله وأسرته.   

وتتماشى قراءة النص بهذه الصورة مع القضايا التي تمّ تحريكها ضد عدد من النشطاء الاجتماعيين في العامين الماضيين باتهامات في حقيقتها تجميع أموال لإعانة ذوي المعتقلين، وكذلك سياسة استبعاد المعتقلين الذين تتمتع عائلاتهم بالكفالة الاجتماعية أو بمصادر دخل دائمة. 

وتضاف هذه الآثار إلى آثار أخرى ستظل قائمة هي "حظر الكيان الإرهابي، ووقف أنشطته، وغلق الأمكنة المخصصة له، وحظر اجتماعاته، وحظر تمويل أو جمع الأموال أو الأشياء للكيان، سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر، وحظر الانضمام للكيان أو الدعوة إلى ذلك، أو الترويج له، أو رفع شعاراته". وفي ما يخص "الإرهابيين"، فيتم إدراجهم على قوائم المنع من السفر وترقب الوصول، أو منع الأجنبي من دخول البلاد، وسحب جواز السفر أو إلغاؤه أو منع إصدار جواز سفر جديد، وفقدان شرط حسن السمعة والسيرة اللازم لتولي الوظائف والمناصب العامة أو النيابية، بحسب التعديل.


وتراجعت السلطة في الجلسة الأخيرة لمناقشة المشروع عن توسيع مصطلح "الأموال" في القانون، ليشمل جميع الأصول المالية والموارد الاقتصادية. ومن هذه الأصول والموارد النفط، الموارد الطبيعية الأخرى، المُمتلكات أياً كان نوعها، مادية أم معنوية، منقولة أو ثابتة، أياً كانت وسيلة الحصول عليها، الوثائق والأدوات القانونية، العملات الوطنية أو الأجنبية، والأوراق المالية أو التجارية. كذلك تضاف الصكوك والمُحررات المثبتة لكل ما تقدم أياً كان شكلها، بما في ذلك الشكل الرقمي والإلكتروني، وجميع الحقوق المتعلقة بأي منها، بما في ذلك الائتمان المصرفي، والشيكات السياحية والمصرفية، والاعتمادات المستندية، وأي فوائد أو أرباح أو مصادر دخل أخرى مترتبة على أو متولدة من هذه الأموال أو الأصول، أو أي أصول أخرى يُحتمل استخدامها للحصول على تمويل أو منتجات أو خدمات.

وفسّر المصدر الحكومي التراجع بتلقي السلطة تحذيرات من صعوبة السيطرة على جميع هذه الصور من الأموال والأملاك، مع سهولة السيطرة على الحصص والكيانات الاقتصادية بالنصوص التي تمّ استحداثها نهائياً. 

واللافت أن تعديل القانون تمّ اقتراحه بالتوازي مع إصدار قرارات، نهاية العام الماضي، بالمصادرة النهائية لأموال أكثر من 120 شخصاً من المتهمين في قضايا تمويل الجماعة وإعادة إحياء نشاطها الاقتصادي. وجاءت هذه القرارات بعدما صدرت أحكام نهائية من محكمة مستأنف الأمور المستعجلة برفض التظلّمات المرفوعة من المتهمين بتمويل "الإخوان" والإرهاب ضد قرار لجنة التحفظ على أموال الجماعات الإرهابية، بنقل جميع الأموال والأملاك التابعة لهؤلاء المتهمين إلى الخزانة العامة للدولة. 

ويتنافى قانون الكيانات الإرهابية مع أبسط قواعد العدالة، كونه لا يشترط ثبوت ارتكاب كيان أو شخص ما لجرائم مُحددة في القانون، بل يكتفي باتهام النيابة، وصدور قرار من الدائرة المختصة للإدراج على قوائم الإرهاب، وهو ما وظف على مدار السنوات الخمس الأخيرة في التخلص من معارضي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بمعاقبة كثير منهم بالحرمان من تولي المناصب العامة أو النيابية.

وكان الشهر العقاري في مختلف المحافظات قد أنهى، في خريف 2018، حصر كل الأملاك والعقارات المتعامل عليها، والتي كانت مملوكة للمتهمين، وتمّ إرساله إلى مكتب وزير العدل السابق حسام عبد الرحيم، استعداداً لنقلها إلى ملكية الخزانة العامة للدولة رسمياً، بعد صدور حكم مستأنف الأمور المستعجلة بتأييد المصادرة. وقد تم ذلك بالفعل خلال الأشهر الماضية بالنسبة إلى مئات الحالات، من بين أكثر من 1500 شخص مدرجين على القائمة الرئيسية لمتهمي تمويل "الإخوان"، ومن بينهم نجم الكرة السابق المقيم في قطر حالياً محمد أبو تريكة، والذي لم يتم حلحلة موقفه حتى الآن رغم تدخل العديد من الوسطاء العرب.

وسبق أن استدعى جهاز الأمن الوطني في بعض المحافظات عدداً من المتهمين بتمويل الجماعة المدرجين في قائمة الإرهاب، ممن لم يدخلوا السجون في قضايا أخرى، وأبلغهم بضرورة تسوية الأوضاع المالية لشركاتهم وأملاكهم سريعاً، تمهيداً لمصادرتها من قبل الدولة.

وأشارت المصادر إلى أنّ التعليمات الأمنية تضمنت ضرورة الإفصاح عن جميع الأملاك المسجّلة باسم الشخص المدرج في قائمة الإرهاب بقضية التمويل، قبل تنفيذ قرار المصادرة، مع التهديد بتحريك قضايا ضريبية ومالية ضدّ من يخفون أملاكاً أو ينقلون ملكيتها إلى أشخاص آخرين لحمايتها من المصادرة. كما تم إعداد قائمة جديدة العام الماضي تضم نحو 30 شخصاً زعمت تحريات الأمن الوطني أنهم تعاونوا مع بعض المتهمين لإخفاء ملكياتهم، أو نقلها إليهم أو إلى آخرين، وصدر قرار بالتحفظ أيضاً على أموالهم.




 

دلالات
المساهمون