تعدد الزوجات مكروه في إيران

20 ديسمبر 2019
المعارضة المجتمعية سبب موجب لعدم تطبيق "الأمر الحلال"(فرانس برس)
+ الخط -

بخلاف ما قد يظنّه كثيرون، فإنّ المجتمع الإيراني من المجتمعات حيث تعدّد الزوجات أمر مكروه، بحسب ما يصرّح أهل البلاد، لا سيّما رجال الدين
في ملصق إعلاني كبير انتشر في إيران قبل نحو شهرَين، اجتمعت أربع نساء يرتدينَ الشادور مع رجل وثلاثة أطفال، فيما الجميع يبتسم. على الأثر، سُجّلت ضجّة كبيرة ونقاشات على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ إنّ الإعلان يتناول أمراً مكروهاً من قبل المجتمع الإيراني في غالبيته وهو تعدّد الزوجات. ومؤسسة "الحياة الحسنى"، مقرّها مدينة قم الواقعة إلى جنوب العاصمة طهران، هي التي نشرت الإعلان كدعاية لورش أرادت تنظيمها في العاصمة في الثامن من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي تحت عناوين من قبيل "ضرورة إحياء ثقافة تعدد الزوجات"، و"مقتضيات تشكيل أسر متعددة زوجات"، و"الأحكام الفقهية للأسر متعددة الزوجات"، و"مهارات التواصل بين هذه الأسر"، وغيرها.

وكان من الطبيعي أن يواجه الإعلان باعتراض واسع النطاق ليس على شبكات التواصل فحسب، وإنّما من قبل بعض المسؤولين ورجال الدين، لأنّ الثقافة الغالبة في المجتمع الإيراني ترفض فكرة تعدّد الزوجات، ومَن يتزوّج امرأة ثانية أو ثالثة من دون أعذار وجيهة يلقى عتاباً. لكنّ الأمر مقبول في مناطق المتاخمة للخليج أو أفغانستان وباكستان، لأسباب عرفية أو دينية، لا سيّما في محافظة سيستان وبلوشستان التي تحتلّ وفقا لبيانات رسمية (عام 2016) المركز الأوّل في تعدّد الزوجات، إذ إنّ 14.9 في المائة من النساء المتزوجات في المحافظة صرّحنَ بأنّ أزواجهنّ تزوّجوا أكثر من امرأة واحدة. ثمّ تأتي محافظة هرمزجان المطلّة على الخليج بنسبة 7.03 في المائة. يُذكر أنّ تعدّد الزوجات مقبول كذلك في مدن مثل مدينة قم الدينية الواقعة وسط البلاد، لأسباب دينية.




والإيرانيون المؤيّدون أو المروّجون لتعدد الزوجات، وهم قلّة في المجتمع الإيراني، يقدّمون حججاً من قبيل أنّ نسبة الإناث في المجتمع أكبر من نسبة الذكور فيه، وأنّ تعدّد الزوجات أفضل خيار لحلّ مشكلة العنوسة والمطلقات والأرامل، أو أنّه يمنع انتشار الفساد في المجتمع وما إلى ذلك. لكنّ المعارضين يرفضون تلك الحجج، إذ يرون أنّ تعدّد الزوجات يهدّد أسس الأسرة وسلامتها ويتسبّب في زيادة بالطلاق نتيجة رفضه غالباً من قبل الزوجة الأولى. وبينما يستند مؤيّدوه إلى الحجج الدينية قائلين إنّ تعدّد الزوجات أمر حلال شرعاً، يقرّ المعارضون بأنّ الشرع يجيز الأمر غير أنّهم يؤكدون أنّه لا يوصي به، مشيرين إلى أنّ اعتبار أمر ما حلالاً لا يعني وجوب تطبيقه، خصوصاً إذا كان يواجه معارضة مجتمعية.

ويرى المعارضون أنّ الظروف الاقتصادية الصعبة ومشكلات أخرى تجعل العدالة الزوجية أمراً غير قابل للتحقيق، داعين إلى تكثيف الجهود لتشجيع الشبان والشابات على الزواج في ظل العزوف الكبير عنه المسجّل في المجتمع، الأمر الذي تسبّب في ارتفاع سنّ الزواج في البلاد. كذلك يدعون إلى إزالة العراقيل الاقتصادية أمام زواج الشباب، بدلاً من طرح قضايا مرفوضة مجتمعياً.

والمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي يُعَدّ من معارضي تعدّد الزوجات، وقد نقلت وسائل الإعلام الإيرانية أخيراً قوله إنّ "العاملين في مؤسسة القيادة في حال تزوّجوا ثانية، فإنّهم يُطردون من العمل". أضاف "أنا لا أفتي باستحباب تعدّد الزوجات في الظروف الراهنة للمجتمع، وأساساً لا أقبل هذا الأمر"، داعياً الرجال إلى "تجنّب ممازحة نسائهم حول أمر كهذا (أي الزواج بثانية) لأنّه يوجع قلوب النساء".

وهذا الرفض المجتمعي له ترجمته في القوانين الإيرانية، فقانون حماية الأسرة المقرّ في عام 1974 يمنع المتزوّج من الزواج بامرأة ثانية إلا بموافقة خطيّة من الزوجة الأولى من خلال المحكمة، وفي ثماني حالات محدّدة هي: عدم قدرة الزوجة الأولى على الاضطلاع بمسؤولياتها الزوجية، والنشوز، والإصابة بأمراض يصعب علاجها، وصدور حكم بالسجن على الزوجة لأكثر من ستّة أشهر، والإدمان المضرّ، وترك الأسرة، والعقم، وفقدان أثر الزوجة. ويحظر القانون تسجيل الزواج بامرأة ثانية إلا بتصريح يحصل عليه الرجل من المحكمة بعد موافقة الزوجة الأولى، وفي حال خالف مكتب تسجيل الزواج ذلك فإنّه في الإمكان إلغاء ترخيصه القانوني. كذلك يُعاقَب الرجل بغرامة أو بالسجن من 91 يوماً إلى ستّة أشهر، إذا أقدم على الزواج ثانية من دون موافقة الزوجة الأولى. وأمام هذا التشدد ومعارضة الزوجة الأولى، يلجأ رجال راغبون في الزواج من ثانية إلى الزواج العرفي الشرعي سرّاً من دون تسجيله رسمياً.



من جهة أخرى، وفيما يشير مؤيّدو تعدّد الزوجات إلى خمسة ملايين امرأة إيرانية بلا زوج في إيران كحجّة لتسويق فكرتهم، نشرت وكالة "مهر" الإيرانية بيانات رسمية تظهر أنّ عدد العزباوات أكبر من عدد العازبين في كلّ الفئات العمرية، إلا في ما يتعلّق بالذين تجاوزوا 40 عاماً. في سياق متصل، تفيد بيانات مركز الإحصاء الإيراني لعام 2016 بأنّ العزوبة النهائية في إيران في عام 1996 كانت 1.1 في المائة للذكور و1.2 في المائة للإناث، لكنّ النسبة ارتفعت ضعفَين بالنسبة إلى الرجال وثلاثة أضعاف بالنسبة إلى النساء بعد عشرين عاماً أي في عام 2016. بالإضافة إلى ذلك، تظهر بيانات منظمة السجل المدني الإيرانية أنّ عدد العزباوات من الفئة العمرية 30 - 49 عاماً هو نحو 900 ألف امرأة، وعدد العازبين في الفئة نفسها هو 320 ألف رجل.
دلالات
المساهمون