وتمرّ المفاوضات حالياً بين الجانبين في مسار معقد، وما يعزز ذلك التصريحات الصحافية التي أطلقها أخيراً مفاوض الاتحاد الأوروبي ميشيل بارنييه، التي قال فيها إن "مسؤوليتي قول الحقيقة"، متحدثاً عن "عدم حصول تقدم كبير في المفاوضات بين الجانبين"، ومحذراً من أنه "لا يمكن الاستمرار في هذا المسار إلى الأبد".
ويدفع غياب الانسجام وعدم تحقيق خرق جدي إلى التوجس من عدم تحقيق صفقة ناجحة، ويتمثل التباين الأبرز في إصرار المفوضية الأوروبية على وضع قواعد المنافسة العادلة اعتباراً من عام 2021، فيما ترى لندن أنها كدولة ذات سيادة لن تخضع لأي لوائح، وعليه فإن الخروج دون اتفاق سيضرّ وسيربك اقتصادات دول جوار بريطانيا، وفي مقدمتها ألمانيا.
وفي غمرة هذه المعطيات السلبية، تفيد التقارير الاقتصادية في ألمانيا بتراجع العلاقات الاقتصادية مع بريطانيا، التي تحتل المرتبة السابعة في قائمة شركائها التجاريين،
وهناك توقعات بأن يتراجع الترتيب بشكل أكبر، بعدما كانت في المرتبة الخامسة عند استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عام 2016.
وسيجري الحسم لناحية توجه الشركات الألمانية إلى استبدال الموردين السابقين في بريطانيا بآخرين في أرجاء القارة الأوروبية من منطلق أن سلاسل التوريد مهددة بأن تصبح أبطأ وأكثر كلفة، في حال عدم حصول اتفاق للتجارة الحرة بحلول نهاية عام 2020.
وستفرض لندن 10% رسوماً جمركية على السيارات المستوردة لحماية شركاتها، هذا عدا عن الرسوم المقررة على المنتجات الزراعية التي ستصبح أكثر تكلفة، بهدف دعم المزارعين البريطانيين، وفق ما ذكرت صحيفة "دي فيلت".
في المقابل، يعتبر رئيس لجنة التجارة في البرلمان الأوروبي بيرند لانغه، أن "لا صفقة" سيكون لها تأثيرات أكثر دراماتيكية على بريطانيا من ألمانيا وبقية أوروبا، لأن نحو نصف صادرات المملكة المتحدة تستقبلها مرافئ دول الاتحاد الأوروبي، فيما هناك 6% فقط من صادرات الاتحاد الأوروبي تذهب إلى بريطانيا.
من جهة ثانية، تشير التحليلات إلى أن الناتج المحلي الإجمالي في بريطانيا سيتراجع بأكثر من 14%، وعدم حصول اتفاق مع التكتل الأوروبي سيزيد النسبة بين 5 و7% إضافية على لندن.وعليه، إن انتهاء الفترة الانتقالية دون اتفاق، سيؤدي إلى تفاقم الوضع، لأن أسعار السلع المستودة سترتفع بسبب الرسوم الجمركية الجديدة، يضاف إليها التعثر في قطاع النقل والخدمات اللوجستية، مع ما سيسببه الازدحام عند الحدود بفعل إجراءات الفحص والمراقبة للصادرات والواردات من البضائع والسلع، وبينها الخضروات.
ومن المعروف أن 79% من البضائع الموجودة في المتاجر البريطانية تصل من دول الاتحاد الأوروبي، وأهمها ألمانيا.
ويرى الخبير التجاري في المركز الأوروبي للإصلاح، سام لوي، في تصريحات صحافية، أن إمدادات مصنعي الأدوية البريطانيين بمواد كيميائية من الاتحاد الأوروبي قد تكون معرضة للخطر.
يشار إلى أن هناك اعتقاداً بريطانياً بأن عامل الوقت في مصلحتهم، ما سيدفع الاتحاد الأوروبي إلى تقديم التنازلات.
وفي هذا السياق، يتوقع المراقبون أن تؤدي المستشارة أنجيلا ميركل، المهتمة بأن يكون هناك علاقة جيدة مع "سيد بريكست" بوريس جونسون وبريطانيا، دوراً حاسماً خلال الجولات الأخيرة للمفاوضات، وذلك بعد تسلّم برلين رئاسة مجلس الاتحاد الاوروبي اعتباراً من يوليو/تموز المقبل، لكن سيتعين عليها أولاً تليين موقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يبدو صارماً مع البريطانيين.