تعاطف طائفي

14 ابريل 2015
عند كلّ مفترق تجدد الطائفية أنفاسها (فرانس برس)
+ الخط -

ختمت الحرب الأهلية اللبنانية أمس أربعين عاماً على انطلاقتها في 13 أبريل/نيسان 1975. وهي التي استمرت حتى 13 أكتوبر/تشرين الأول عام 1990.

التاريخ الأول يحمل الكثير من التأويل. فيشير كثيرون إلى أنّ الحرب بدأت قبل ذلك بكثير، منذ تأسيس لبنان الكبير ودستوره، ومن بعده استقلاله وميثاقه الوطني، وصولاً إلى "ثورة 1958" الناصرية ضد حلف بغداد، واتفاق القاهرة واغتيال معروف سعد. وما بين ذلك وذاك مشاكل اجتماعية، واستبعاد لحقوق الفئات الأضعف في المجتمع رغم أنّها تمثل أكثرية المواطنين.

والتاريخ الثاني يحاول أن يظهر على أنّه متفق عليه. لكنّ الحرب استمرت بعده بأشكال مختلفة، وأبقت الأغنياء أغنياء والفقراء فقراء. وزادت الفقراء فقراً، وزادت عدد الأغنياء بعدها. والأخطر أنّها أرست التقسيمات الدينية والطائفية والمذهبية في لبنان، لا في المناصب السياسية والعسكرية والإدارية فقط، بل في نفس كلّ مواطن لم تكتمل مواطنته يوماً.

يروي اللبنانيون الذين عاشوا قبل عام 1975، وخصوصاً في فترة الستينيات التي شهدت نهضة إدارية واقتصادية في لبنان، إبان الحكم الشهابي، أنّ الطائفية لم تكن موجودة في حياتهم. ولم يكونوا يتعاملون مع أحد على أساس طائفي.

وبالرغم من أنّ مقدمة الدستور عام 1926 تنصّ على السعي لإلغاء الطائفية السياسية، فقد سعي بالكاد في هذا الاتجاه. ولم تكن الستينيات نفسها خالية مائة في المائة من الطائفية. فالأخيرة رسختها الأعراف اللبنانية منذ البداية، ومع ذلك فقد كانت التجربة الاقتصادية الناشئة، وما لها من التهاء الناس بالعمل والارتقاء، مفعولها في التعامل اليومي بين المواطنين من مختلف الطوائف، وصولاً إلى حدّ المصاهرة في المدن الكبرى، خصوصاً العاصمة بيروت.

تراجع كلّ شيء خلال الحرب وما بعدها. والأسباب كثيرة للغاية ويرتبط أكثرها بالأحزاب الطائفية التي تولت السيطرة حرباً، واقتسمت الكعكة ما بعد حرب - ولا أقول سلاماً.

وعند كلّ مفترق تجدد الطائفية أنفاسها، ويحقن زعماء الطوائف أبناءها بخطوط وأشكال لا حصر لها منها. وعلى الرغم من أنّ اللبنانيين معتادون على استهلاك كلّ ما هو جديد وتركه بعد حين لصالح جديد آخر. فالطائفية تبقى راسخة لديهم. هي راسخة في وجدانهم، وأسلوب حياتهم، وتعريف كلّ واحد منهم لكيانه وهويته.

في مثل هذا الوضع، تبدو المواطنة حلماً بعيداً جداً. وأقرب ما يمكن أن يطمح إليه من ينحت في هذا السبيل، أن يصل فقط إلى تعاطف ابن طائفة ما، مع ابن طائفة أخرى في محنته. وقليلاً ما يحصل ذلك. فالحرب تشهد، وتفجيرات ما بعدها ماثلة أمامنا.