وتوصّل الائتلاف الحاكم في البرلمان التونسي، الأربعاء الماضي، بشق الأنفس إلى التصديق على قانون المصالحة، الذي كان قد تقدم به الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، بموافقة 117 صوتاً، مع احتفاظ نائب وحيد واعتراض ثلاثة آخرين، فيما قررت المعارضة الامتناع عن التصويت أو المشاركة في مداولاته.
ويدعو قانون المصالحة الذي أحيل من قبل رئاسة الجمهورية إلى البرلمان، منتصف يوليو/ تموز 2015، وبدأت مناقشته منذ أواخر إبريل/ نيسان الماضي، إلى العفو عن الآلاف من موظفي الدولة ورجال الأعمال الذين نهبوا أموالاً عامة طيلة حكم زين العابدين بن علي، مقابل إرجاع هذه الأموال مع فوائد.
واعتبرت حركة "النهضة"، أنّ المصادقة على مشروع قانون المصالحة، "خطوة ضرورية في اتجاه تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة"، مشيرة إلى أنّ إقراره "تم عبر توافقات جعلته أكثر انسجاماً مع قانون العدالة الانتقالية، وأحكام الدستور الجديد".
وقالت الحركة، في بيان، أمس الجمعة، بعد اجتماع مكتبها التنفيذي بإشراف رئيسها راشد الغنوشي، إنّ "المصادقة على قانون المصالحة جاء بعد أن تمّ إدخال تحويرات جوهرية على صيغته الأولية للعام 2015"، مضيفة أنّه "جمع العائلة التونسية الموسعة على قاعدتي العفو وليس تبييضاً للفساد وتغطية على الفاسدين كما يروّج".
وقال رئيس الكتلة البرلمانية لحركة "النهضة" نور الدين البحيري، لـ"العربي الجديد"، اليوم السبت، إنّ "المصالحة الشاملة جزء من برنامج حركة النهضة، وخياراتها الإستراتيجية، خاصة وأنّها رفضت سابقاً تمرير قانون العزل السياسي واختارت آلية لحل خلافات الماضي عبر العدالة الانتقالية".
وأضاف البحيري، أنّ "النهضة حزب وطني مسؤول، تحمل الآمانة في استكمال الانتقال الديمقراطي، وتحقيق أهداف الثورة لإيصال تونس إلى بر الأمان".
وقال رئيس كتلة "النهضة"، إنّ "المغالطات بخصوص قانون المصالحة التي تروّج، بعضها عن جهل بالقانون وأخرى عن سوء نية، هدفها إرباك الوضع في تونس، لأنّ المقصود ليس القانون بحد ذاته، وإنّما بثّ الفوضى وإرسال رسائل سلبية إلى الخارج".
وتابع أنّ "هذه المغالطات تحوّلت إلى هيئة الانتخابات بهدف تعطيل المسار الانتخابي، وطاولت أيضاً حركة النهضة باعتبارها من أكثر الأحزاب تحمّلاً لمسؤولية استكمال المسار الديمقراطي".
وبيّن البحيري، أنّ "هناك فرقاً بين المعنيين بالعدالة الانتقالية من مرتكبي جرائم التعذيب وتجاوزات حقوق الإنسان، وبين المعنيين بجرائم مالية"، مشيراً إلى أنّه "توجد بين هاتين الفئتين، فئة أخرى لم ترتكب اعتداءات ولا جرائم رشوة، ولم تنتفع بالمال العام، ولكن هؤلاء وبحكم وظيفتهم وجدوا أنفسهم محالين على القضاء، كشركاء للفاعلين الأصليين، فقط لأنّهم كانوا في مواقع إدارية فرضت عليهم تنفيذ قرارات المسؤولين، لافتاً إلى أنّ "هؤلاء لا يمكنهم اللجوء إلى هيئة العدالة الانتقالية ولا إجراء مصالحة".
وأكد البحيري أنّ "قانون المصالحة الذي تمت المصادقة عليه بعد التعديلات، لا يشمل رجال أعمال كما يروّج البعض ولا المرتشين ولا ناهبي الأموال العامة"، مشدداً على أنّ "حركة النهضة ترفض تبييض الفساد وتؤيد استرجاع أموال الدولة، لكنّها لن تسمح لأقلية بتدمير الديمقراطية وتحويل مجلس نواب الشعب إلى ساحة معارك وعنف، فقط لتشويه صورة تونس".
وفي المواقف، اعتبرت "الجبهة الشعبية"، أنّ المصادقة على قانون المصالحة، هو "خيانة لقيم الثورة ولشهداء الوطن"، مؤكدة "استمرارها في مقاومته بكل الطرق النضالية المشروعة".
وأدانت الجبهة، في بيان، ما وصفته "الانقلاب الذي قام به الائتلاف الحاكم، وكل من ناصره تحت قبة البرلمان على الدستور والنظام الداخلي للمجلس"، معتبرة أنّ "القانون يعد انتهاكاً للدستور ولقانون العدالة الانتقالية، وتكريساً لسياسة الإفلات من العقاب، ومقدمة لطيّ ملفات الاغتيالات السياسية، وتسفير الشباب إلى بؤر الصراعات في المنطقة".
وحذّرت الجبهة، من أنّ "تمرير مشروع هذا القانون، يهدّد بالعودة إلى مربع الحكم الفردي والاستبداد، وتهيئة المناخ لتوريث الحكم عبر مراجعة النظام السياسي".
من جهته، اعتبر الاتحاد العام التونسي للشغل، أنّ المصادقة على قانون المصالحة، "تسامح مع من أخطؤوا بحق المجموعة الوطنية، وعقاب لمن رفضوا تجاوز القانون وتعرّضوا إلى الاضطهاد"، معتبراً أنّ من شأن ذلك "إعاقة أيّ تقدّم في مجال العدالة الانتقالية، المعطّلة أصلاً منذ ما يناهز الأربع سنوات".
جاء ذلك في بيان، للمكتب التنفيذي للاتحاد، صدر أمس الجمعة، وأكد فيه "التمسّك بالموقف المبدئي الدّاعي إلى عدم تجاوز الدستور في كلّ ما يتعلّق بمسار العدالة الانتقالية، والدعوة إلى احترام الإجراءات الدستورية في عرض القوانين".
وأشار بيان الاتحاد، إلى "أهمّية المصالحة في المرحلة الانتقالية التي يجب أن تكون قائمة على قاعدة المكاشفة فالمحاسبة ثمّ المصالحة، على اعتبار أنّ الغاية من هذا المسار، القطع مع منظومة الفساد والتأسيس لمجتمع الديمقراطية والشفافية وسيادة القانون"، بحسب البيان.