تطهير غير مكتمل في السودان

04 ابريل 2017
هل من لغم هنا؟ (هانا ماكنيش/ فرانس برس)
+ الخط -
توجه أحمد صالح (40 عاماً) إلى والده الذي كان يرعى مجموعة من المواشي عند أطراف قريته في ولاية كسلا شرق السودان، ليخبره بنيّته في الزواج من قريبته، ويطلب مساعدته في تأمين مصاريف العرس، خصوصاً أنّ وظيفته كمدرّس لن تسعفه في تحمّل نفقات الزاوج. فطلب منه والده مساعدته في الرعي، وإيصال الأبقار إلى النبع. لكنّها ضلّت الطريق إلى منطقة مزروعة بالألغام.

خلال لحظات، تحوّلت حياة صالح إلى كابوس بسبب انفجار لغم أدّى إلى فقدانه بصره وبعض أصابع يديه. خسر وظيفته، وبات يعيش معتمداً على إعانات تقدّمها مجموعة من المنظّمات المهتمّة بهذه القضية. يقول لـ "العربي الجديد": "عشت أياماً صعبة. لكنّ في النهاية، سلّمت أمري إلى الله". أكثر ما ضايقه هو فقدانه وظيفة التدريس التي عشقها بسبب إصابته.

أمّا محمد الطاهر (50 عاماً)، فيقول لـ "العربي الجديد" إنّ ساقه بترت بعدما انفجر لغم أثناء قيادته السيارة. صالح والطاهر ليسا الضحيّتين الوحيدتين، علماً أنّ الألغام تنتشر في نحو عشر ولايات سودانيّة، خصوصاً في الولايات الشرقيّة الثلاث، وهي كسلا والبحر الأحمر والقضارف. هذه المناطق كانت مسرحاً للعمليّات العسكريّة بين الحكومة السودانية والمعارضة، وقد عمد كل طرف إلى "تأمين نفسه" من خلال زراعة الألغام.

رغم توقّف الحرب في شرق السودان، إلّا أنّ أهالي تلك المناطق ما زالوا يعانون الأمرين، ويخشون انفجار لغم في أية لحظة، خصوصاً في مناطق طوكر وهمشكورين والمناطق النائية الأخرى، رغم تطمينات حكوميّة بتطهير مناطق كثيرة.

خلال العام الماضي، أعلنت الحكومة عن إصابة ما يزيد عن ألفي شخص من جرّاء الألغام، وقد فقد 588 شخصاً حياتهم. وقّع السودان على اتفاقيّة "أوتاوا" الخاصة بحظر استخدام وتخزين وإنتاج ونقل الألغام المضادة للأفراد وتدمير تلك الألغام في عام 1997. وتصنّف الأمم المتحدة السودان ضمن الدول الأكثر تضرّراً من الألغام الأرضيّة والمتفجّرات. ومؤخّراً، أعلن جهاز مكافحة الألغام الحكومي تطهير 95 مليون متر مربّع من الألغام ومخلّفات الحروب في السودان، وتفجير ما يزيد عن عشرة آلاف لغم وثلاثة آلاف من مضادات الدبّابات منذ بداية تنفيذ برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الألغام في عام 2002.



وأعلنت الحكومة ولاية القضارف، إحدى ولايات الشرق الثلاث، خالية تماماً من الألغام في نهاية العام الماضي، بالإضافة إلى ولايات دارفور. خلال العام الماضي، نجح فريق عامل في إزالة الألغام من إزالتها من نحو 298 منطقة في ولايات الشرق الثلاث، وهي كسلا والبحر الأحمر والقضارف.

وقدّرت مساحة البلاد المزروعة بالألغام ومخلفات الحروب بنحو 1.3 مليون متر مربع، معظمها في ولايات الشرق الثلاث.

أما المناطق الحدوديّة بين مصر والسودان وإثيوبيا، فتعاني من مشكلة الألغام التي زرعت منذ الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي يصعّب المهمّة بالنسبة للعاملين في هذا المجال بسبب غياب المعلومات.

ويواجه برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الألغام في السودان جملة من التحديات، بينها غياب الخرائط المتعلقة بمناطق زراعة الألغام، وضعف التمويل، الأمر الذي قاد المنظّمة الأمميّة للبحث عن داعمين جدد. وكان برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الألغام في السودان قد خصّص مبلغ 75 مليون دولار لمشروع إزالة الألغام في البلاد بحلول عام 2019، وقد حصلت البلاد على 40 في المائة منها حتى العام الماضي.

وأكد مدير برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الألغام، حبيب حق أجاويد، أنّ المشروع في حاجة إلى نحو 13 مليون دولار لتنفيذ خطّته هذا العام، مشيراً إلى سعيه إلى زيادة الجهود بهدف إعلان الولايات الشرقية خالية من الألغام الأرضية. وأعلنت الحكومة في فبراير/ شباط الماضي دعم البرنامج الأممي بمليوني دولار، فضلاً عن التزامها باتفاقية "أوتاوا".

إلى ذلك، يقلّل البعض من الجهود الحكوميّة في ما يتعلق بنزع الألغام. يقول القيادي السابق في جبهة الشرق (التي قادت حرباً ضدّ الحكومة في الولايات الشرقية)، عبد الله موسى: "ما زلنا نسمع أخباراً عن سقوط ضحايا من جرّاء انفجار الألغام، عدا عن خوف الأهالي الدائم، خصوصاً في ولايتي كسلا والبحر الأحمر. ويشير إلى أن الأعوام التي أعقبت توقيع اتفاقية سلام كانت كافية لتطهير تلك المناطق في حال توفّر الإرادة. يضيف: "حتى الآن، معظم الأشخاص الذين نزحوا من مناطقهم في طوكر في ولاية البحر الأحمر، لم يعودوا، بسبب كثرة الألغام وغياب التنمية".

دلالات