صباح كلّ يوم، يخرج حسين (60 عاماً) إلى الشارع لينظّف الأرصفة، ويتحدّث إلى الناس بدلاً من المكوث في المنزل طوال اليوم. قبل 37 عاماً، فقد الملازم ثاني حسين الحاشدي رجليه بسبب انفجار لغم، خلال مهمّة عسكريّة في منطقة إب (وسط اليمن)، بعد انتهاء الحرب بين شطري البلاد في ذلك الوقت. ويقول إنّه أحيل إلى التقاعد بعد الانفجار.
وفي ظلّ زيادة مناطق الحرب الراهنة في اليمن، لا ينقضي عام إلّا وتُزرع ألغام في محافظات جديدة، إضافة إلى آلاف الألغام التي كانت قد زرعت خلال الأعوام الماضية.
وعلى مدار خمسة عقود، شهد اليمن صراعات مسلّحة عدة، وكان المتحاربون يزرعون الألغام، ويتركون مخلّفات الذخيرة القابلة للانفجار. وفي عام 1998، بدأت الأمم المتحدة والحكومة اليمنية برنامجاً لإزالة الألغام بعد مصادقة الأخيرة على اتفاقيّة حظر الألغام. إلّا أنّ الحرب الأخيرة أوقفت هذا البرنامج، مما أدى إلى انتشارها بشكل غير مسبوق.
ويفيد تقرير لبرنامج إزالة الألغام بأن الضحايا المباشرين لانتشار الألغام في اليمن بلغوا 50 ألفاً. ويرفض عدد كبير من الأسر النازحة العودة إلى الديار، بسبب انتشار الألغام في مناطقها الأصلية، وسماعهم عن انفجار ألغام في مدنيين عائدين.
وفي غرب تعز، تقول إحدى النساء: "خرجت ابنتي نهلة (12 عاماً) قبل أربعة أشهر لرعي الأغنام مع ابنة شقيقتها (7 أعوام) في قرية تبيشعة غرب محافظة تعز. وبينما كانتا تقفان على طريق فرعي، انفجر لغم زرعته جماعة أنصار الله (الحوثيين)، مما أدى إلى بتر قدم نهلة اليمنى، فيما كانت إصابة ابنة شقيقتها خفيفة".
تضيف أم نهلة: "ابنتي دخلت المستشفى وبقيت هناك فترة، لتخرج بعدها بحالة نفسيّة سيّئة للغاية. عانت من الكآبة، وصارت تبكي كثيراً، وبدت عاجزة عن الحركة في بعض الأحيان". حين تتذكر الحادثة، تبكي بشكل هستيري. تضيف لـ "العربي الجديد": "حاليّاً، ننتظر التئام جروحها تماماً، ليتسنى لها تركيب قدم صناعية".
أما ناجي طعيمان (26 عاماً)، فبات يستخدم عكازاً للمشي بعد رحلة طويلة من العلاج والعمليّات الجراحيّة في مأرب وصنعاء، وذلك إثر انفجار لغم أرضي زرعه الحوثيّون قرب منطقة سد مأرب في محافظة مأرب (شرق). ويقول محمد طعيمان، وهو والد الشاب، إنّ اشتداد المواجهات قبل عام ونصف العام في مديرية صرواح في مأرب، بين قوات الشرعيّة وجماعة الحوثيين، وقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح، دفعت العائلة إلى النزوح إلى إحدى مناطق المديرية الآمنة. ويشير إلى أنّه أوكل مهمّة نقل الأغنام بالسيّارة إلى منطقة قرب سد مأرب. وخلال تواجده في منطقة الجريبة، انفجر لغم أرضي زرعه الحوثيون، مما أدى إلى تضرّر السيّارة تماماً، فيما أصيبت قدم ابنه اليسرى بستة كسور، وهو أصيب أيضاً. ويضيف: "عندما حاول المعنيون إسعافي، اكتشفوا أنّ المنطقة مليئة بالألغام، وقد نزعوا سبعة ألغام قبل أن يتمكّنوا من الوصول إلي".
من جهته، يقول محمد سعيد إن جده كان أحد ضحايا الألغام في ريف محافظة تعز، وقد انفجر به لغم أواخر الثمانينيات، زرع في الطريق الذي يستخدمه عامة الناس، مما أدى إلى بتر رجله اليمنى. ويضيف سعيد: "كان جدّي مزارعاً يعتني بأرضه، ويتنقل فيها كيفما شاء. بات يمشي بصعوبة بالغة مستعيناً بالعكاز، مما اضطرّ أبناءه الصغار إلى العمل في الأرض، وقد حرموا من التعليم والعيش مثل بقية أطفال القرية". ويشير إلى أن أسراً كثيرة في منطقته ما زالت تعاني من تبعات الألغام، التي لم تنتزع حتى اليوم.
الحرب الراهنة قضت على إنجازات البرنامج السابقة، لتعود ظاهرة انتشار الألغام الفردية المحرمة دولياً، وألغام المركبات في معظم المحافظات التي باتت نظيفة تماماً منها، بينها تعز، أكثف المحافظات اليمنية سكاناً وأكثرها فقراً.
واتهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحوثيين بزراعة الألغام بشكل كبير في المنازل والشوارع والطرقات العامة والأحياء والمدارس والمرافق الخدماتية، التي تتمركز فيها. وأشارت إلى استخدام الحوثيين وحلفائهم الألغام الأرضية في تعز، ثالث أكبر مدينة يمنية، مما أدى إلى إصابات عدة في صفوف المدنيين. وقال مدير قسم الأسلحة في المنظمة، ستيف غوس، إنه "من خلال استخدام الألغام الأرضية، تُظهر قوات الحوثيين وحلفاؤها قسوة بالغة تجاه المدنيين. على الأطراف المتحاربة في اليمن التوقف فوراً عن زرع الألغام، وتدمير أي ألغام بحوزتها، وضمان عمل فرق نزع الألغام دون عوائق حتى يتسنى للأسر العودة إلى بيوتها بسلام".
اقــرأ أيضاً
وما زال الحوثيّون وقوات صالح يزرعون الألغام، خصوصاً في مناطق سكنهم، مثل منطقة باب المندب والمخاء في تعز وجنوب الحديدة، في ظل قلة التجهيزات الفنية وفرق إزالة الألغام التابعة لقوات الرئيس اليمني، لتشكل تلك الألغام خطراً مستمراً.
ولا تبدي المنظّمات الدوليّة اهتماماً ظاهريّاً بالتخلص من الألغام حالياً، باستثناء منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، التي بدأت العام الماضي التوعية حول خطر الألغام من قبل فرقها التي تزور المدارس والمجتمعات المتضررة. واستفاد من هذه الخدمات نحو 1.2 مليون شخص، خصوصاً الحماية من مخاطر الألغام والمواد القابلة للانفجار.
إلى ذلك، وثق التحالف اليمني للرصد وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان ألفين و258 حادثة خلفتها الألغام الأرضية المضادة للدروع والمضادة للأفراد، التي زرعتها المليشيات منذ بداية الحرب في اليمن، والتي دخلت عامها الثالث. وبحسب المدير التنفيذي للتحالف، مطهر البذيجي، تنوّعت الحوادث، وأدّت إلى إصابات أو تفجير منشآت أو تفخيخ مركبات وجسور، وتوزّعت الانتهاكات على 16 محافظة يمنية.
ويقول البذيجي لـ "العربي الجديد": "رصد فريق التحالف اليمني 615 ضحيّة من جرّاء انفجار الألغام، من بينها 101 طفلاً دون سن السابعة عشرة، و26 امرأة". ويشير إلى أنّ محافظة تعز تصدّرت قائمة المحافظات المتضرّرة من ناحية عدد القتلى، وقد بلغ عددهم 157، تلتها محافظة عدن (116 ضحية)، ثمّ محافظتا لحج ومأرب، بنحو 93 ضحيّة، ثم محافظة البيضاء (39 ضحية) وأبين (35 ضحية). ووثّق الفريق 924 حالة إصابة نتيجة انفجار لغم أرضي."
اقــرأ أيضاً
وفي ظلّ زيادة مناطق الحرب الراهنة في اليمن، لا ينقضي عام إلّا وتُزرع ألغام في محافظات جديدة، إضافة إلى آلاف الألغام التي كانت قد زرعت خلال الأعوام الماضية.
وعلى مدار خمسة عقود، شهد اليمن صراعات مسلّحة عدة، وكان المتحاربون يزرعون الألغام، ويتركون مخلّفات الذخيرة القابلة للانفجار. وفي عام 1998، بدأت الأمم المتحدة والحكومة اليمنية برنامجاً لإزالة الألغام بعد مصادقة الأخيرة على اتفاقيّة حظر الألغام. إلّا أنّ الحرب الأخيرة أوقفت هذا البرنامج، مما أدى إلى انتشارها بشكل غير مسبوق.
ويفيد تقرير لبرنامج إزالة الألغام بأن الضحايا المباشرين لانتشار الألغام في اليمن بلغوا 50 ألفاً. ويرفض عدد كبير من الأسر النازحة العودة إلى الديار، بسبب انتشار الألغام في مناطقها الأصلية، وسماعهم عن انفجار ألغام في مدنيين عائدين.
وفي غرب تعز، تقول إحدى النساء: "خرجت ابنتي نهلة (12 عاماً) قبل أربعة أشهر لرعي الأغنام مع ابنة شقيقتها (7 أعوام) في قرية تبيشعة غرب محافظة تعز. وبينما كانتا تقفان على طريق فرعي، انفجر لغم زرعته جماعة أنصار الله (الحوثيين)، مما أدى إلى بتر قدم نهلة اليمنى، فيما كانت إصابة ابنة شقيقتها خفيفة".
تضيف أم نهلة: "ابنتي دخلت المستشفى وبقيت هناك فترة، لتخرج بعدها بحالة نفسيّة سيّئة للغاية. عانت من الكآبة، وصارت تبكي كثيراً، وبدت عاجزة عن الحركة في بعض الأحيان". حين تتذكر الحادثة، تبكي بشكل هستيري. تضيف لـ "العربي الجديد": "حاليّاً، ننتظر التئام جروحها تماماً، ليتسنى لها تركيب قدم صناعية".
أما ناجي طعيمان (26 عاماً)، فبات يستخدم عكازاً للمشي بعد رحلة طويلة من العلاج والعمليّات الجراحيّة في مأرب وصنعاء، وذلك إثر انفجار لغم أرضي زرعه الحوثيّون قرب منطقة سد مأرب في محافظة مأرب (شرق). ويقول محمد طعيمان، وهو والد الشاب، إنّ اشتداد المواجهات قبل عام ونصف العام في مديرية صرواح في مأرب، بين قوات الشرعيّة وجماعة الحوثيين، وقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح، دفعت العائلة إلى النزوح إلى إحدى مناطق المديرية الآمنة. ويشير إلى أنّه أوكل مهمّة نقل الأغنام بالسيّارة إلى منطقة قرب سد مأرب. وخلال تواجده في منطقة الجريبة، انفجر لغم أرضي زرعه الحوثيون، مما أدى إلى تضرّر السيّارة تماماً، فيما أصيبت قدم ابنه اليسرى بستة كسور، وهو أصيب أيضاً. ويضيف: "عندما حاول المعنيون إسعافي، اكتشفوا أنّ المنطقة مليئة بالألغام، وقد نزعوا سبعة ألغام قبل أن يتمكّنوا من الوصول إلي".
من جهته، يقول محمد سعيد إن جده كان أحد ضحايا الألغام في ريف محافظة تعز، وقد انفجر به لغم أواخر الثمانينيات، زرع في الطريق الذي يستخدمه عامة الناس، مما أدى إلى بتر رجله اليمنى. ويضيف سعيد: "كان جدّي مزارعاً يعتني بأرضه، ويتنقل فيها كيفما شاء. بات يمشي بصعوبة بالغة مستعيناً بالعكاز، مما اضطرّ أبناءه الصغار إلى العمل في الأرض، وقد حرموا من التعليم والعيش مثل بقية أطفال القرية". ويشير إلى أن أسراً كثيرة في منطقته ما زالت تعاني من تبعات الألغام، التي لم تنتزع حتى اليوم.
الحرب الراهنة قضت على إنجازات البرنامج السابقة، لتعود ظاهرة انتشار الألغام الفردية المحرمة دولياً، وألغام المركبات في معظم المحافظات التي باتت نظيفة تماماً منها، بينها تعز، أكثف المحافظات اليمنية سكاناً وأكثرها فقراً.
واتهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحوثيين بزراعة الألغام بشكل كبير في المنازل والشوارع والطرقات العامة والأحياء والمدارس والمرافق الخدماتية، التي تتمركز فيها. وأشارت إلى استخدام الحوثيين وحلفائهم الألغام الأرضية في تعز، ثالث أكبر مدينة يمنية، مما أدى إلى إصابات عدة في صفوف المدنيين. وقال مدير قسم الأسلحة في المنظمة، ستيف غوس، إنه "من خلال استخدام الألغام الأرضية، تُظهر قوات الحوثيين وحلفاؤها قسوة بالغة تجاه المدنيين. على الأطراف المتحاربة في اليمن التوقف فوراً عن زرع الألغام، وتدمير أي ألغام بحوزتها، وضمان عمل فرق نزع الألغام دون عوائق حتى يتسنى للأسر العودة إلى بيوتها بسلام".
وما زال الحوثيّون وقوات صالح يزرعون الألغام، خصوصاً في مناطق سكنهم، مثل منطقة باب المندب والمخاء في تعز وجنوب الحديدة، في ظل قلة التجهيزات الفنية وفرق إزالة الألغام التابعة لقوات الرئيس اليمني، لتشكل تلك الألغام خطراً مستمراً.
ولا تبدي المنظّمات الدوليّة اهتماماً ظاهريّاً بالتخلص من الألغام حالياً، باستثناء منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، التي بدأت العام الماضي التوعية حول خطر الألغام من قبل فرقها التي تزور المدارس والمجتمعات المتضررة. واستفاد من هذه الخدمات نحو 1.2 مليون شخص، خصوصاً الحماية من مخاطر الألغام والمواد القابلة للانفجار.
إلى ذلك، وثق التحالف اليمني للرصد وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان ألفين و258 حادثة خلفتها الألغام الأرضية المضادة للدروع والمضادة للأفراد، التي زرعتها المليشيات منذ بداية الحرب في اليمن، والتي دخلت عامها الثالث. وبحسب المدير التنفيذي للتحالف، مطهر البذيجي، تنوّعت الحوادث، وأدّت إلى إصابات أو تفجير منشآت أو تفخيخ مركبات وجسور، وتوزّعت الانتهاكات على 16 محافظة يمنية.
ويقول البذيجي لـ "العربي الجديد": "رصد فريق التحالف اليمني 615 ضحيّة من جرّاء انفجار الألغام، من بينها 101 طفلاً دون سن السابعة عشرة، و26 امرأة". ويشير إلى أنّ محافظة تعز تصدّرت قائمة المحافظات المتضرّرة من ناحية عدد القتلى، وقد بلغ عددهم 157، تلتها محافظة عدن (116 ضحية)، ثمّ محافظتا لحج ومأرب، بنحو 93 ضحيّة، ثم محافظة البيضاء (39 ضحية) وأبين (35 ضحية). ووثّق الفريق 924 حالة إصابة نتيجة انفجار لغم أرضي."