تطبيقات وتقنيات تكافح الفساد

04 فبراير 2015
البيانات المفتوحة والتطبيقات الذكية تعزّز الشفافية (Getty)
+ الخط -
يعتبر الفساد آفة الاقتصاد، حيث يؤدي إلى سوء توزيع الموارد وإضعاف الإنتاجية والتنافسية. وبذلك، يتسبب الفساد في ‏إضعاف الدولة وتضييع مقدراتها، ما يشلّ التنمية ويعيق التقدم الاقتصادي، بل يجعلها رهينة الظلم الاجتماعي بوجود جبال من ‏الأموال محصورة عند قلة ثرية وحقول من الفقر عند الأغلبية الساحقة من الشعب. ‏ 
وإذا كانت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات قد أحدثت ثورة عميقة في عالم المال والأعمال بتسهيل المعاملات عبر تقريب ‏الأمكنة والأزمنة، فإسهاماتها كثيرة وبليغة في مكافحة الفساد. ويتجلى ذلك في تفكيك احتكار المعلومة وترسيخ الشفافية. ‏فجدير بالذكر أن البيانات المفتوحة تساهم في إتاحة المعلومات للجميع بشكل مبسّط وواضح يطلع الرأي العام على آخر ‏التطورات، ويعزز مشاركته في صناعة القرار من خلال إعطائه مساحة واسعة للتعبير عن الرأي وتقديم المقترحات. ‏
وعلى هذا الأساس، تحد تكنولوجيا المعلومات من تحفظ الأجهزة الحكومية عبر إرساء التعامل الآلي والمناهج الرقمية، الأمر ‏الذي يقلّل من التعامل المباشر بين الموظفين والمواطنين، ما يحدّ من الرشاوى، كما يساعد على تتبّع "المساطر" الإدارية ‏والاحتفاظ بها في الذاكرة المعلوماتية للمؤسسات، كأدلة مثبتة لكل العمليات التي يتم إجراؤها. ‏
‏إلى جانب ذلك، تسهم البيانات المفتوحة في إضفاء الشفافية عبر نشر القرارات والعمليات والنتائج الحكومية. علاوة ‏على ذلك، تعزز تكنولوجيا المعلومات المساءلة الحكومية.
وفي سياق متصل، يلعب الإعلام الاجتماعي دوراً هاماً في مكافحة الفساد، فمواقع التواصل الاجتماعي، كـ"فيسبوك" و"تويتر"، ‏تمكن المواطنين من نشر أفكارهم وإيصال أصواتهم للمعنيين بالشأن العام. بالإضافة إلى ذلك، تعطي وسائل الإعلام ‏الاجتماعي فرصة الاستجابة لطلبات المواطنين، من خلال فتح قنوات التواصل المباشر مع القيادات الحكومية.
في المقابل، يواجه استخدام تكنولوجيا المعلومات تحديات مختلفة، ترتبط بمسألة الجهل باستعمالها، فعندما يكون الناس غير ‏مؤهلين لفهم البيانات المعقدة، يجب الاستعانة بخبراء التكنولوجيا لتبسيط الاستخدام وتوضيح المخاطر المترتبة عن هذه ‏التكنولوجيا. وعلى هذا النحو، تطرح قضية نطاق الشفافية في مواجهة سرية المعلومة، فالإفصاح عن بعض المعلومات ‏الاستراتيجية للمؤسسات، قد يكون له وقع كبير على تنافسيتها عبر تقليد خدماتها ومنتجاتها وطرق عملها، والاحتيال عليها ‏بتزوير البيانات وقرصنة المعلومات. ‏
وفي السنوات الأخيرة، تسجل وجود تجربة رائدة في تكنولوجيا مكافحة الفساد أقرتها اليابان عبر مشروعين متكاملين وهما: ‏استراتيجية البيانات الحكومية المفتوحة والحوكمة الإلكترونية. وبناءً على ذلك، أقدمت الحكومة اليابانية على إقامة مدونات ‏رسمية للتفاعل مع الجمهور، منصات رقمية للإبلاغ عن عمليات الفساد الإداري والمالي، وكذلك تشجيع استخدام البيانات ‏المفتوحة بهدف‎ ‎تسهيل التحليلات‎ ‎المستقلة‎ ‎في‎ ‎سبيل‎ ‎تعزيز‎ ‎الشفافية‎ ‎وبناء‎ ‎الثقة‎ ‎لدى‎ ‎الجمهور، ما حسّن من ترتيب اليابان ‏في سلّم الدول المحاربة للفساد التابع لمنظمة الشفافية الدولية، وتحتل بذلك المرتبة الخامسة عشر من بين مئة وخمس ‏وسبعين دولة.‏
وإجمالاً، فإن تكنولوجيا المعلومات تقوي سبل مواجهة الفساد بتكسير حواجز الاحتكار والتحفظ وبناء قواعد المساءلة ‏والشفافية. فاليوم يمكن اعتبار الناشطين في مجال البيانات من مبرمجي التطبيقات الذكية بمثابة وكلاء للإصلاح والتغيير. ‏وبالموازاة مع ذلك، تحتاج‎ ‎الحكومات‎ ‎إلى‎ ‎إعداد‎ ‎بيئة‎ ‎مناسبة‎ ‎لإطلاق‎ ‎قدرات التكنولوجيا‎ ‎وتسخيرها‎ ‎لتعزيز‎ ‎الثقة.‏‎ ‎ويتضمن‎ ‎ذلك‎ ‎دعم‎ ‎التقنيات‎ ‎على‎ ‎غرار الإنترنت‎ ‎فائق‎ ‎السرعة‎ ‎والاتصال‎ ‎اللاسلكي‎ ‎وإطار‎ ‎العمل‎ ‎الملائم‎ ‎لمعالجة‎ ‎مسائل الأمن‎ ‎والخصوصية‎ ‎والقدرة‎ ‎على‎ ‎الاتصال. كما يستلزم على‎ ‎القيادات‎ ‎الحكومية‎ ‎أن‎ ‎تعمل على تصميم نظام‎ ‎يسخّر‎ ‎التكنولوجيا‎ ‎لإعادة‎ ‎بناء‎ ‎الثقة. ففي‎ ‎ضوء‎ ‎طبيعة‎ ‎التكنولوجيا‎ ‎سريعة‎ ‎التغيُّر،‎ ‎ينبغي‎ ‎أن‎ ‎تتمتع البرامج‎ ‎والقوانين‎ ‎بالقدرة‎ ‎على‎ ‎التكيّف‎ ‎والاستجابة‎ ‎للمخاوف‎ ‎والإمكانات الجديدة، مع العمل على شراكات مؤسساتية قويمة لمكافحة الفساد.‏
(باحث و أكاديمي مغربي)
المساهمون