خلال السنوات الماضية، احتلت تطبيقات المواعدة حيّزاً كبيراً من السوق العالمية، وحققت شركات مثل "ماتش غروب"، التي تعتبر إمبراطورية في المجال، أرباحاً في العام الماضي قاربت الخمسة مليارات دولار. تمتلك الأخيرة أبرز التطبيقات الناشطة اليوم، مثل "تيندر"، "أوكيبايد"، "هينج"، "ماتش"، "بلينتي أوف فيش"، ولو امتلكت تطبيقي "بادو" و"بامبل" لأصبحت مسيطرة على السوق بالكامل.
كل تطبيق يقدم خدمة مختلفة، ويتبع أسلوباً خاصاً في تعريف الناس على بعضهم. جزء من هذه التطبيقات يقوم بذلك على أساس الاهتمامات والمزايا الشخصية، بعكس أخرى تركز على مكان السكن والمزايا الجسدية. بعض هذه التطبيقات يعطي أفضلية للنساء ويمنع الذكور من إرسال الرسائل أولاً، كما هو الحال مع "بامبل" (الذي جاء كرد فعل على "تيندر") وبعضها الآخر يختلق أساليب مبتكرة للتعارف، مثلاً عبر اختيار الأشخاص الذين يشبهون نجمك المفضل (Badoo)، أو الذين "رأيتهم في الشارع ولم تمتلك الجرأة للتكلم معهم" (Happn).
ساهم وجود قاعدة بيانات لملايين المستخدمين على فيسبوك وإنستغرام في تسهيل عمل هذه التطبيقات، حيث أصبح من الممكن استعارة بيانات منها كي توفر على مستخدميها مجهود إنشاء حسابات جديدة. طبعاً، نتحدث عن التطبيقات غير المخصصة لفئات معينة.
يعتبر "تيندر" الأكثر شعبية اليوم، وهو النموذج المؤسس لثورة تطبيقات المواعدة بعد عام 2012. لم يعد غريباً أن نسمع قصص زواج بدأت عليه أينما ذهبنا في العالم، أو نصادف أشخاصاً ارتبطوا بعلاقات كان التطبيق عرّابها. سبب النجاح الكبير الذي حققه نموذج "تيندر" في الأساس يكمن في عدة عوامل، منها استفادته من التاريخ الطويل لمواقع التعارف مثل eharmony (ظهر في عام 2000) الذي طور خوارزميات لتعريف الأشخاص ذوي السمات المشتركة على بعضهم، وصولاً إلى اقتباسه طريقة عمل تطبيق Grindr المخصص للمثليين، والذي حوّل التركيز إلى موقع السكن والقرب المكاني.
اقــرأ أيضاً
فهم القائمون على "تيندر" أن ما يهم المستخدمين بشكل عام، أولاً، ليس المعلومات التي يكتبها كل واحد عن نفسه، بل الشكل والسمات البصرية، ومن بعد هذه الخاصية يأتي كل شيء آخر. ابتكر التطبيق طريقة خاصة في التصفح مناسبة لهذا التفكير هي الـ"Swipe" التي تنتقل بين صور المستخدمين عبر الضغط إما على اليمين في حال الإعجاب، أو على اليسار في حال العكس، وتبناها من بعده عدة تطبيقات. جعلت هذه الخاصية التطبيق أسهل وأقرب إلى صفحة التسوق.
تبنّى "تيندر" نظاماً شبيهاً باللعبة Elo Rating System يحتسب مهارات اللاعبين بالاعتماد على النقاط التي يجمعها كل واحد منهم، ويتغير تصنيف كل لاعب باستمرار بحسب تغير أدائه. بدأ هذا النظام مع ألعاب الشطرنج، ثم انتقل إلى ألعاب الفيديو، قبل أن يتم تبنيه اليوم في بطولات كرة القدم والفعاليات التي تعتمد على المنافسة.
يمكننا القول إن الجمع بين كل هذه الخاصيات جعل استعمال التطبيق "غاية بذاتها". هناك نسبة تقارب الثلث من المستخدمين، يستعملون التطبيق فقط للتسلية، ولم يسبق أن التقوا أحداً عليه (وفق أكثر من إحصائية). بشكل عام، الفئة العمرية الأكثر نشاطاً على التطبيق تتراوح بين 18 و36، مع تفوق واضح لأعداد الذكور على الإناث في أغلب بلدان العالم.
ينشط السياح بشكل كبير على التطبيق أيضاً، إذ يساعد في كسر الحواجز مع أبناء المناطق التي يزورونها، ما ينطبق بشكل واضح على بيروت ودبي والأمكنة السياحية الموجودة في العالم العربي، حتى أن التطبيق أصبح قادراً على التحكم في الوجهة السياحية التي يفترض أن يأخذها الشاب أو الفتاة، بما أنه ينجح أكثر في المدن ذات الكثافة المرتفعة.
وكما يحدث مع كل ابتكار جديد يحقق انتشاراً، بدأت المخاوف من الأضرار التي يمكن أن تشكلها هذه التطبيقات على المجتمع، واحتمال تأثيرها السلبي على مفهوم الحب بسبب تشجيعها العلاقات العابرة من أجل الجنس. يمكننا اليوم إيجاد عشرات المقالات التي تفصّل مساوئ عدد منها، من التسليع الذي يطاول الذكور والإناث في آنٍ، إلى اختزال الناس في مزاياهم البصرية. من دون أي اكتراث لشخصياتهم وثقافتهم بالإضافة إلى تقليله نسبة التواصل في المجال العام، وتحويل المواعدة إلى لعبة لقتل الملل، ما يخلق نوعاً من الاستسهال والاستخفاف بمعنى العلاقات وجديتها.
من ناحية أخرى، مع أن عدة دراسات تحدثت عن زيادة في نسبة العلاقات قصيرة المدى لمستخدمي "تيندر"، ليس هناك ما يثبت أنه كان مضراً للعلاقات طويلة المدى، كما أن الحديث عن تقليل التواصل في المكان العام غير دقيق، وهناك دراسات أثبتت أن العكس هو الصحيح، وأن التطبيقات الشبيهة بـ "تيندر" تشجع على الخروج وتعطي الأفراد ثقة أكبر وتحفزهم على التعرف إلى أشخاص خارج الدوائر الصغيرة التي ينتمون إليها.
في إحدى مقابلاته، يخبرنا مؤسس "تيندر"، جاستين مارتين، أن ما دفعه إلى تطوير التطبيق في الأصل هو معاناته في عالم العلاقات، لأنه شخص لا يخرج من الغرفة كثيراً ولا يمتلك الجرأة لأخذ مبادرات نحو الفتيات في المجال العام، وبأن التطبيق موجه لأشخاص مثله وجدوا أنفسهم على هامش الحياة بسبب عدم قدرتهم على الانخراط الاجتماعي.
أما في ما يخص التركيز على المزايا البصرية، فالانتقادات لم تظلم التطبيق كثيراً. هو يمنع فعلاً الاختلاف ويشجع المستخدمين على الالتصاق أكثر بالتنميطات الجندرية. تخبرنا إحدى الدراسات أن الذكور يحاولون الظهور في مواضع قوة غالباً، ويضعون خلفيات خارجية تظهر قيامهم بنشاطات جسدية معينة "ما يؤكد قدرتهم على أخذ الفتيات مغامرات في المجال الخارجي". أما الإناث، فيملن إلى استخدام السيلفي بشكل أكبر من الرجال وبطريقة تظهر أجزاء من جسدهن (الرجال يظهرون أجسادهم كاملة)، وبأن نسبة كبيرة تحاول أن تبدو أقصر من الحقيقة وأضعف، بعكس الرجال الذين يريدون الظهور أطول (يأخذ الأخيرون الصور من الأسفل وليس من الأعلى كما الفتيات).
لم يأت "تيندر" من الفضاء، فالقوانين التي تحكمه موجودة نفسها في الحياة اليومية، والعوامل التي تؤثر على خيارات الأفراد لانتقاء الشركاء المحتملين في المجتمع تعتمد بشكل أساسي على الشكل الخارجي والتنميطات الذكورية والأنثوية. لكن ما يحسب لـ"تيندر" أنه من النواحي الاجتماعية لعب دوراً في تعزيز "تمييع الحدود" Spatial Blurring بين الطبقات والفئات الاجتماعية التي لا تتواصل في العادة مع بعضها، ولا تلتقي في نفس الأمكنة العامة، وقد سمح بالتواصل بين أفراد مختلفين عن بعضهم، لكن طبعاً لدرجة معينة، بما أن الصور تعطي فكرة عن الفئة الاجتماعية التي ينتمي إليها الفرد أيضاَ (اللباس والخلفية).
ساهم وجود قاعدة بيانات لملايين المستخدمين على فيسبوك وإنستغرام في تسهيل عمل هذه التطبيقات، حيث أصبح من الممكن استعارة بيانات منها كي توفر على مستخدميها مجهود إنشاء حسابات جديدة. طبعاً، نتحدث عن التطبيقات غير المخصصة لفئات معينة.
يعتبر "تيندر" الأكثر شعبية اليوم، وهو النموذج المؤسس لثورة تطبيقات المواعدة بعد عام 2012. لم يعد غريباً أن نسمع قصص زواج بدأت عليه أينما ذهبنا في العالم، أو نصادف أشخاصاً ارتبطوا بعلاقات كان التطبيق عرّابها. سبب النجاح الكبير الذي حققه نموذج "تيندر" في الأساس يكمن في عدة عوامل، منها استفادته من التاريخ الطويل لمواقع التعارف مثل eharmony (ظهر في عام 2000) الذي طور خوارزميات لتعريف الأشخاص ذوي السمات المشتركة على بعضهم، وصولاً إلى اقتباسه طريقة عمل تطبيق Grindr المخصص للمثليين، والذي حوّل التركيز إلى موقع السكن والقرب المكاني.
فهم القائمون على "تيندر" أن ما يهم المستخدمين بشكل عام، أولاً، ليس المعلومات التي يكتبها كل واحد عن نفسه، بل الشكل والسمات البصرية، ومن بعد هذه الخاصية يأتي كل شيء آخر. ابتكر التطبيق طريقة خاصة في التصفح مناسبة لهذا التفكير هي الـ"Swipe" التي تنتقل بين صور المستخدمين عبر الضغط إما على اليمين في حال الإعجاب، أو على اليسار في حال العكس، وتبناها من بعده عدة تطبيقات. جعلت هذه الخاصية التطبيق أسهل وأقرب إلى صفحة التسوق.
تبنّى "تيندر" نظاماً شبيهاً باللعبة Elo Rating System يحتسب مهارات اللاعبين بالاعتماد على النقاط التي يجمعها كل واحد منهم، ويتغير تصنيف كل لاعب باستمرار بحسب تغير أدائه. بدأ هذا النظام مع ألعاب الشطرنج، ثم انتقل إلى ألعاب الفيديو، قبل أن يتم تبنيه اليوم في بطولات كرة القدم والفعاليات التي تعتمد على المنافسة.
يمكننا القول إن الجمع بين كل هذه الخاصيات جعل استعمال التطبيق "غاية بذاتها". هناك نسبة تقارب الثلث من المستخدمين، يستعملون التطبيق فقط للتسلية، ولم يسبق أن التقوا أحداً عليه (وفق أكثر من إحصائية). بشكل عام، الفئة العمرية الأكثر نشاطاً على التطبيق تتراوح بين 18 و36، مع تفوق واضح لأعداد الذكور على الإناث في أغلب بلدان العالم.
ينشط السياح بشكل كبير على التطبيق أيضاً، إذ يساعد في كسر الحواجز مع أبناء المناطق التي يزورونها، ما ينطبق بشكل واضح على بيروت ودبي والأمكنة السياحية الموجودة في العالم العربي، حتى أن التطبيق أصبح قادراً على التحكم في الوجهة السياحية التي يفترض أن يأخذها الشاب أو الفتاة، بما أنه ينجح أكثر في المدن ذات الكثافة المرتفعة.
وكما يحدث مع كل ابتكار جديد يحقق انتشاراً، بدأت المخاوف من الأضرار التي يمكن أن تشكلها هذه التطبيقات على المجتمع، واحتمال تأثيرها السلبي على مفهوم الحب بسبب تشجيعها العلاقات العابرة من أجل الجنس. يمكننا اليوم إيجاد عشرات المقالات التي تفصّل مساوئ عدد منها، من التسليع الذي يطاول الذكور والإناث في آنٍ، إلى اختزال الناس في مزاياهم البصرية. من دون أي اكتراث لشخصياتهم وثقافتهم بالإضافة إلى تقليله نسبة التواصل في المجال العام، وتحويل المواعدة إلى لعبة لقتل الملل، ما يخلق نوعاً من الاستسهال والاستخفاف بمعنى العلاقات وجديتها.
من ناحية أخرى، مع أن عدة دراسات تحدثت عن زيادة في نسبة العلاقات قصيرة المدى لمستخدمي "تيندر"، ليس هناك ما يثبت أنه كان مضراً للعلاقات طويلة المدى، كما أن الحديث عن تقليل التواصل في المكان العام غير دقيق، وهناك دراسات أثبتت أن العكس هو الصحيح، وأن التطبيقات الشبيهة بـ "تيندر" تشجع على الخروج وتعطي الأفراد ثقة أكبر وتحفزهم على التعرف إلى أشخاص خارج الدوائر الصغيرة التي ينتمون إليها.
في إحدى مقابلاته، يخبرنا مؤسس "تيندر"، جاستين مارتين، أن ما دفعه إلى تطوير التطبيق في الأصل هو معاناته في عالم العلاقات، لأنه شخص لا يخرج من الغرفة كثيراً ولا يمتلك الجرأة لأخذ مبادرات نحو الفتيات في المجال العام، وبأن التطبيق موجه لأشخاص مثله وجدوا أنفسهم على هامش الحياة بسبب عدم قدرتهم على الانخراط الاجتماعي.
أما في ما يخص التركيز على المزايا البصرية، فالانتقادات لم تظلم التطبيق كثيراً. هو يمنع فعلاً الاختلاف ويشجع المستخدمين على الالتصاق أكثر بالتنميطات الجندرية. تخبرنا إحدى الدراسات أن الذكور يحاولون الظهور في مواضع قوة غالباً، ويضعون خلفيات خارجية تظهر قيامهم بنشاطات جسدية معينة "ما يؤكد قدرتهم على أخذ الفتيات مغامرات في المجال الخارجي". أما الإناث، فيملن إلى استخدام السيلفي بشكل أكبر من الرجال وبطريقة تظهر أجزاء من جسدهن (الرجال يظهرون أجسادهم كاملة)، وبأن نسبة كبيرة تحاول أن تبدو أقصر من الحقيقة وأضعف، بعكس الرجال الذين يريدون الظهور أطول (يأخذ الأخيرون الصور من الأسفل وليس من الأعلى كما الفتيات).
لم يأت "تيندر" من الفضاء، فالقوانين التي تحكمه موجودة نفسها في الحياة اليومية، والعوامل التي تؤثر على خيارات الأفراد لانتقاء الشركاء المحتملين في المجتمع تعتمد بشكل أساسي على الشكل الخارجي والتنميطات الذكورية والأنثوية. لكن ما يحسب لـ"تيندر" أنه من النواحي الاجتماعية لعب دوراً في تعزيز "تمييع الحدود" Spatial Blurring بين الطبقات والفئات الاجتماعية التي لا تتواصل في العادة مع بعضها، ولا تلتقي في نفس الأمكنة العامة، وقد سمح بالتواصل بين أفراد مختلفين عن بعضهم، لكن طبعاً لدرجة معينة، بما أن الصور تعطي فكرة عن الفئة الاجتماعية التي ينتمي إليها الفرد أيضاَ (اللباس والخلفية).