تصنيف المصارف اللبنانية سلبي.. والبنوك تردّ: إنها السياسة

19 مارس 2014
الوضع السياسي والأمني يؤثر على خفض التصنيف
+ الخط -
كيف يمكن للبنان أن يحصل على ثقة مؤسسات التصنيف الائتماني العالمية؟
سؤال تراجيدي فعلاً في بلد مكشوف على كافة المخاطر.
وبما أن الإجابة سلبية طبعاً، يمكن توقع ما أعلنته وكالة التصنيف العالمية "موديز"، اليوم الأربعاء، حول لبنان.

فقد أبقت وكالة التصنيف الدولية "موديز"، للتصنيفات الائتمانية، على نظرة مستقبلية سلبية للنظام المصرفي اللبناني، وعزت ذلك إلى مستوى الانكشاف الكبير للبنوك على أوراق مالية حكومية تصنيفها "B1" (تعني مخاطر عالية في عدم القدرة على سداد الديون) وضغوط في جودة الأصول من جراء النمو الاقتصادي الضعيف.

والتصنيف الائتماني يقيس قدرة الدولة أو المؤسسات أو المصارف على سداد ديونها.
وكلما انخفض التصنيف ارتفعت مخاطر عدم قدرة الجهات المعنية بالتصنيف على سداد ديونها.

وتنظر المؤسسات الدولية بأهمية إلى التصنيفات الدولية، وخصوصاً قبل قيامها بأي خطوات لتمويل أو إقراض دولة او مؤسسة أو مصرف.
وتقوم التصنيفات على معايير مختلفة، منها ما يتعلق بالوضع المالي والثقة بالمصرف أو الدولة أو المؤسسة المعنية بالتصنيف، ومنها ما يرتبط بالوضع العام الذي يحيط بالمؤسسة أو الدولة أو المصرف.
ربحيّة المصارف في خطر

وأشارت وكالة التصنيف "موديز"، في تقريرها اليوم، الى أن الحاجة إلى تجنيب مخصصات مالية كبيرة وعدم توليد أعمال جديدة تذكر سينال من ربحية القطاع المصرفي في لبنان إضافة إلى تداعيات الصراع في سوريا والتوترات السياسية الداخلية.

وتوقعت أن يظل مناخ العمل للبنوك اللبنانية صعباً في ظل توقعات لنمو الاقتصاد 2% في 2014 مقارنة مع متوسط بلغ 8% بين 2007 و2010 وارتفاع عجز الميزانية إلى 11% من الناتج المحلي الإجمالي في 2014 مع اعتماد الحكومة على البنوك المحلية لتمويل نفقاتها.

وأضافت "موديز" أن نمو الائتمان في 2014 سيدور بين 6% و9% مقارنة مع متوسط نمو سنوي قدره 24% في الفترة من 2007 إلى 2010.

تأثيرات السياسة حتمية

رئيس جمعية المصارف في لبنان، فرنسوا باسيل، أكد في حديث مع "العربي الجديد"، أن لا علاقة لوضع القطاع المصرفي بخفض تصنيفها. 

ويشرح باسيل أن كل التصنيفات السلبية التي تصدر بحق المصارف اللبنانية تأتي نتيجة التدهور السياسي والأمني الكبير الذي يصيب لبنان.
ويقول باسيل إن وضع القطاع المصرفي يثبت متانته بشكل دوري، ويضيف: "موديز تدرس المخاطر العامة التي تحيط بالقطاعات المصرفية، ومن الطبيعي أن يكون لخفض تصنيف الدولة اللبنانية بسبب التوترات الامنية والسياسية تأثيراته على خفض تصنيف القطاع المصرفي". 
ويتساءل رئيس جمعية المصارف في لبنان: "كيف يمكن أن يكون التصنيف إيجابياً في ظل التفجيرات والطيران الحربي السوري الذي يضرب مناطق لبنانية، والتوترات السياسية المستمرة؟".

سؤال منطقي في بلد دخل في حرب النظام السوري على شعبه من بوابة مذهبية، حيث يشارك الآلاف من عناصر حزب الله في عمليات مداهمة وقصف المناطق السورية.
والحزب، الذي يمتلك قاعدة شعبية واسعة، هو في صراع مستمر مع جزء آخر من اللبنانيين، ما يؤدي الى صراع داخلي تتخلله بين فترة وأخرى اشتباكات مسلحة بين اللبنانيين أنفسهم.

وهذا البلد الصغير تقصف بعض مناطقه الطائرات الحربية السورية منذ أشهر، ويعيش على وقع خلافات سياسية ضخمة أدت إلى عدم إجراء انتخابات نيابية جديدة، وإلى عدم تشكيل حكومة لأكثر من 10 أشهر، انتهت بإعلان حكومة لم تنل الثقة على بيانها الوزاري بعد مرور شهر على تشكيلها.
وإضافة إلى هذه الاستحقاقات المبتورة، يدخل لبنان مرحلة انتخاب رئيس جديد للجمهورية في نهاية أيار/ مايو المقبل، ما يعني جولة جديدة من الاضطرابات.

ومع هذه الإخفاقات السياسية المتواصلة، تهزّ التفجيرات المناطق اللبنانية، وتدور حرب طاحنة في شمال لبنان بين جماعات سنية وأخرى علوية.
وتخوض المناطق البقاعية في شرق لبنان صراعات مذهبية متصاعدة.
أما في جنوب لبنان، فاحتمال حصول ضربة إسرائيلية يبقى موجوداً في كل لحظة...

ماذا عن السياسة النقدية والاقتصادية؟

لكن، إلى جانب السياسة والأمن، لا يمكن إغفال المخاطر الناتجة عن الخلل الاقتصادي البنيوي في لبنان. إذ لا تزال الموازنة العامة للبلاد من دون إقرار منذ 9 سنوات، ويتم الإنفاق من دون أي سند قانوني أو دستوري، ما يرفع النفقات الحكومية ويزيد من حجم الدين العام الى مستوى قياسي وصل اليوم إلى ما يوازي 63.9 مليار دولار.
في حين ارتفع الدين في العام الماضي وحده بحوالى 5.78 مليارات دولار، وسط تراجع ضخم في حجم الانفاق الاجتماعي والاستثماري.
وبالتزامن مع الفوضى الإنفاقية القائمة، تقوم المصارف اللبنانية، وخصوصاً الأساسية منها، بالاستثمار في تمويل الدولة اللبنانية عبر سندات الخزينة وشهادات الايداع، مستفيدة من ارتفاع نسبة الفوائد لتنمية أرباحها، برغم المخاطر الحقيقية التي تدور حول قدرة الدولة على سداد ديونها وخفض حجم دينها المحلي.
هذا الأمر، لفت وكالة التصنيف العالمية "ستاندرد اند بورز"، التي أصدرت في الشهر الأخير من العام 2013، تقريراً خفض التصنيف الائتماني السيادي الطويل الأجل للبنان الى B-. كما خفضت التصنيف الائتماني الطويل الامد لأكبر ثلاثة مصارف لبنانية: بنك عوده، بنك البحر المتوسط وبنك لبنان والمهجر إلى B-.

واعتبر التقرير أن هذه المصارف منكشفة بصورة كبيرة على الدين السيادي للدولة اللبنانية، بما معناه أن هذه المصارف تحمل قيمة ضخمة من الدين العام اللبناني عبر سندات الخزينة الصادرة عن وزارة المالية وشهادات الإيداع الصادرة عن مصرف لبنان.
وبلغت توظيفات بنك عوده، في الدين السيادي، 3.3 أضعاف أمواله الخاصة، و3.1 أضعاف الأموال الخاصة لبنك ميد، و4 أضعاف الأموال الخاصة لبنك لبنان والمهجر.

التصنيفات لا تعكس الواقع

إلا أن هذه المخاطر الهيكلية لا يعتبرها رئيس المؤسسات المالية في لبنان جان حنا، رئيس المؤسسات المالية في لبنان، ذات أهمية قصوى.
ويقول حنا، لـ"العربي الجديد"، إن التصنيفات الإئتمانية الدولية لا تؤثر بشكل كبير على القطاع المصرفي اللبناني، ولا تعكس الواقع الفعلي للقطاع المصرفي. "إذ إن أقصى ما يمكن أن يحصل هو رفع الفائدة على الخطوط الائتمانية اللبنانية مع المؤسسات الدولية".
ويعتبر رئيس المؤسسات المالية اللبنانية أن الأساس في تقييم وضع المصارف اللبنانية هو تطبيق مقررات بازل 3 المتعلقة بحجم الملاءة وكفاية رأس المال.
ويضم تجمع المؤسسات المالية ممثلين ورؤوساء المؤسسات المالية العاملة في لبنان والمرخصة من قبل مصرف لبنان.
ويعتبر حنا أن "ستاندرد اند بورز" لديها مقاييس عالمية للتصنيف، وهذه المقاييس تعتبر أن الاستثمار في الدين العام اللبناني يجلب المخاطر للمصارف، فتصدر بذلك خفضاً في تصنيفها. إلا أن المخاطر التي تتحدث عنها الوكالة الدولية ليست حقيقية، وفق حنا، إذ إن المصارف اللبنانية مقيمة في لبنان ومخاطرها مرتبطة بالمخاطر الواقعة على الدولة، إلا أن ملاءتها ورأس مالها كافيان لتبديد أية شكوك في ما يتعلق بوضعيتها النقدية.

ويرى حنا أن الدولة اللبنانية، بوضعها الحالي، هي أكبر صاحب أملاك وأكبر مؤسسة في لبنان، ولديها  أضخم موجودات عقارية، وتستطيع تأمين سيولة توازي أضعاف الدين العام الموجود في حال قررت تسييل عقاراتها، معتبراً أن لا مخاطر على دين الدولة ولا على المصارف المستثمرة فيه.

المساهمون