تبدو التصفيات الجسدية بحق المعارضين المصريين لسلطات الرئيس عبد الفتاح السيسي، أبعد من مجرد أحداث متفرقة، إذ يرى فيها كثيرون سياسة ممنهجة يحرّض عليها السيسي شخصياً في خطابات عامة، وباتت شبه محمية "قانونياً" بموجب النص الجديد لقانون محاربة الارهاب الصادر أخيراً، والذي أمّن حصانة لعنصر الأمن الذي يلجأ للقتل "في حال شعر بالخطر". ويقول باحثون وسياسيون مصريون، إن النظام الحالي، يسعى بشتى الطرق لإصابة الشباب الرافض للانقلاب باليأس من المعارضة السياسية السلمية، في محاولة لجره وإدخاله إلى دائرة استخدام العنف العشوائي، ليصبح القضاء عليه في حينها أسهل بالنسبة للسلطات الأمنية.
ويرى سياسي بارز، عمل لفترة ضمن الدائرة المحيطة بالحملة الانتخابية الرئاسية، رافضاً نشر اسمه، أنه "ما إن أطلق الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي في الثلاثين من يونيو الماضي، إشارة البدء لتصفية المعارضين السياسيين، خلال مغادرته جنازة النائب العام السابق هشام بركات، حتى تلقفت الأجهزة الامنية تلك الإشارة". ويوضح أن "السيسي خلال كلمته التي أذاعها التلفزيون الرسمي وقتها، قد وجه اللوم للقضاة قائلاً لهم: سيبينا هم لكم بقالهم سنتين"، في ما فهمه البعض على أنه إشارة إلى الرئيس المعزول محمد مرسي، وقيادات الإخوان المسلمين، مشدداً على أنه لا بد من العدالة الناجزة، فتحوّلت التصفية الجسدية والقتل خارج إطار القانون بعدها، إلى سلوك ممنهج لدى الأجهزة الأمنية ضد المعارضين السياسيين".
وكان عضو "المجلس القومي لحقوق الإنسان"، الحكومي، ناصر أمين، قد حذر من أن تطبيق قانون الإرهاب الجديد سيفتح باب التصفية الجسدية للمعارضين بشكل واسع، قائلاً: "هو أخطر القوانين التي صدرت في المرحلة الأخيرة، ويمس أشياء كثيرة لها علاقة بضمانات المحاكمة العادلة والمنصفة، لوجود نصوص فضفاضة يمكنها أن تطال أي شخص أو أي مجموعة، فهذا القانون خطر، وسيؤثر بشكل كبير جداً على الحقوق والحريات في مصر". وتنص المادة الثامنة من قانون الارهاب الصادر في 15 أغسطس/آب الحالي، ما حرفيته: "لا يُسأل جنائياً القائمون على تنفيذ أحكام هذا القانون إذا استعملوا القوة لأداء واجباتهم أو لحماية أنفسهم من خطر محدق يوشك أن يقع على النفس أو الأموال، وذلك كله متى كان استخدامهم لهذا الحق ضرورياً وبالقدر الكافي لدفع الخطر".
اقرأ أيضاً: أسبوع على "قانون الإرهاب" المصري: العمليات ضد الأمن تزداد
ويضيف أمين، في تصريحات صحافية، أن "النص في حقيقته يسمح بالإفلات من العقاب في حالات ارتكاب الضابط جريمة أثناء قيامه بمهامه". ويلفت إلى أن "قانون العقوبات كان ينص على وجود التحقيق من قبل النيابة للتأكد من أنه قام بالإجراءات الضرورية وأنه لم يكن هناك حل آخر غير الذي قام به، لكن النص في قانون الإرهاب الحالي لم يحتوِ على تلك الضمانة، وأطلق بشكل نهائي يد الضابط في حالة ارتكابه جريمة أثناء تنفيذ مهمة رسمية، وأصبح يتمتع بالحصانة".
وفي الشهرين الماضيين، شهدت مصر جرائم تصفية جسدية عديدة، ترصد "العربي الجديد" أبرزها؛ في 1 يوليو/تموز 2015، ما كادت ساعات قليلة تمر على دعوة السيسي لتنفيذ "العدالة الناجزة"، أو كما يراها المراقبون "القتل خارج إطار القانون"، حتى قامت أجهزة الأمن بمحافظة الجيزة، إحدى محافظات القاهرة الكبرى، بتصفية 13 من قيادات الصف الأول بجماعة "الإخوان المسلمين"، بينهم رئيس اللجنة القانونية بالجماعة، البرلماني السابق ناصر الحافي، ومسؤول قطاع وسط الدلتا بالجماعة، محمد طاهر، خلال اجتماع لهم، بمدينة السادس من أكتوبر، زاعمة أنهم بادروا بإطلاق النار تجاه القوات خلال مداهمة الشقة التي كانوا يجتمعون بها.
الرواية الأمنية بأن قيادات الجماعة، استخدمت السلاح، اتضح بعدها، وبأدلة دامغة كذب تلك الرواية، بعدما اكتشف أهالي الضحايا، خلال استلام الجثامين من مشرحة زينهم، أن هناك علامات تعذيب على أجسادهم، بالإضافة إلى بصمات بأصابع الإبهام، ما يؤكد أنهم تم إلقاء القبض عليهم قبل تصفيتهم، برصاص قوات الأمن.
وفي السادس من أغسطس/آب الحالي، قامت قوات الأمن في محافظة الفيوم (جنوب)، بقتل 5 من قيادات الجماعة، والتمثيل بجثثهم، خلال تواجدهم بمزرعة في قرية السيلين، مدعية أنهم بادروها بإطلاق النيران، وكذلك بأن القيادات الخمس متهمين بقتل نجلة ضابط شرطة، تدعى "جاسي" بالمحافظة. لكن أهالي القرية يكذبون رواية الداخلية، ويؤكد عدد منهم أن "قوات الداخلية قامت فور دخولها للقرية بإطلاق الأعيرة النارية في الهواء ثم قامت بتقييد الضحايا، وهم: عبد العزيز مراد، وعبدالفتاح عبد الناصر، وربيع خراد، وعبد الناصر علواني، وعبد العزيز هيبة، وعبدالسلام حتيتة، وأطلقت عليهم الرصاص أمام ذويهم".
وفي السادس من أغسطس أيضاً، قامت قوات الشرطة بتصفية أحد الأعضاء المنتمين لحركة "حازمون"، خلال تواجده في منزل بمركزالعياط، جنوب المحافظة، مدعية امتلاكه لسلاح ناري، وإطلاق النيران على الأمن. هذه المرة، فضح حساب الضحية على موقع "فيسبوك"، كذبها، فكان قد كتب على حسابه الشخصي قبلها بيوم واحد، أنه سيقوم بتسليم نفسه للشرطة بعد أن علم أن هناك "أمر ضبط وإحضار"، موضحاً أنه لم يرتكب أي جريمة ولذلك سيقوم بتسليم نفسه، ليفاجأ بعدها متابعو الحساب على موقع التواصل الاجتماعي بإعلان الداخلية عن تصفيته، لأنه كان مسلحاً.
ويوم الجمعة الماضية، قتلت أجهزة الأمن المصرية، في محافظة الفيوم، اثنين من الشباب، أحدهما محامٍ، والآخر عامل، بدعوى تورطهما في مقتل الطفلة جاسي، ابنة ضابط شرطة بمحافظة الفيوم، وهي التهمة ذاتها التي قتلت على أساسها 5 من قيادات جماعة الاخوان المسلمين بالمحافظة في السادس من الشهر ذاته.
وكانت واقعة أخرى، لم يتم تسليط الضوء على كواليسها، قد شهدت مقتل ثلاثة أشخاص، في رمضان الماضي في انفجار سيارة بالحي الحادي عشر، بمدينة السادس من أكتوبر، قبل الإفطار بدقائق معدودة، وفي مكان بعيد عن الكثافة السكانية. واعترف أحد أهالي الضحايا الثلاث، أن قريبه كانت أجهزة الأمن قد ألقت القبض عليه قبلها بيوم واحد، فيما كان الاثنان الآخران هاربين من ملاحقة الشرطة لهما، قبل أن يفاجأ ذووهم بأسمائهم بين الضحايا، مؤكدا أنه "تم تفخيخ السيارة وتفجيرهم بداخلها"، على حد تعبيره.
اقرأ أيضاً: قانون السيسي... لا يخيف "الإرهابيين" ويهدّد المعارضين