دخل السجال الإيراني ــ السعودي مراحل غير مسبوقة، إثر تصعيد المرشد الإيراني، علي خامنئي، لغته الهجومية على السعودية، متهماً إياها بـ "الصدّ عن سبيل الله" و"دعم الإرهاب"، بعد أن منعت إيران حجاجها من الذهاب إلى السعودية، هذا العام، بعد رفضها توقيع اتفاقية الحج.
و"جرت العادة"، منذ الثورة الإيرانية في عام 1979، أن يشهد موسم الحج توتراً سعودياً ــ إيرانياً، بسبب الاختلافات السياسية الجذرية بين الجانبين، لكن مستوى التوتر قد تضاعف هذا العام، بسبب امتناع إيران عن توقيع اتفاقية الحج، لتكون المرة الأولى التي لا ترسل فيها طهران حجاجاً إلى مكة، في الوقت الذي أكد فيه وزير الحج والعمرة السعودي، محمد بنتن، وجود حجاج إيرانيين في مكة، قادمين من مختلف قارات العالم (لم يأتوا من إيران أو عن طريق الحكومة الإيرانية).
من جهته، جدّد وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، يوم الثلاثاء، في محاضرته بالمعهد الملكي للشؤون الدولية "تشاتام هاوس" في العاصمة البريطانية لندن، تحميل الحكومة الإيرانية مسؤولية منع الإيرانيين من الحج. وأضاف أن "الحكومة الإيرانية مسؤولة أمام الله على منع حجاجها من القدوم إلى المملكة"، مشيراً إلى أن "إيران رفضت توقيع اتفاقية الحج على الرغم من توقيع الدول الأخرى عليها".
وهاجم الجبير إيران، متهماً إياها بمحاولة "استعادة إمبراطورية ضائعة"، مؤكداً أن السعودية "لا تملك طموحات خارجية تتجاوز حدودها". وكان الرئيس الإيراني، حسن روحاني، قد أكد، يوم الثلاثاء، أن بلاده "لن تتجاوز ما حدث في منى"، في إشارة إلى حادثة التدافع التي شهدها مشعر منى، العام الماضي، والتي أودت بحياة مئات الحجاج، منهم 464 إيرانياً، أبرزهم الدبلوماسي غضنفر ركن آبادي.
وقال روحاني في تصريحاته الهجومية على الرياض: "السلطات السعودية هي التي وقفت بوجه مشاركة الإيرانيين في حج هذا العام". كما اتهم السعودية بأنها "ترتكب جرائم في الإقليم وتدعم الإرهاب وتقصف المدنيين في اليمن"، على حد تعبيره.
وتعود جذور الأزمة السعودية ــ الإيرانية السياسية إلى الاختلافات الجذرية بين الرياض وطهران، في التحالفات الدولية، والتنافس على قيادة العالم الإسلامي. وكذلك إلى ما تعتبره الرياض "محاولات إيرانية لزعزعة استقرار المنطقة، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وتصدير الطائفية، ودعم المليشيات، في العراق وسورية واليمن ولبنان، علاوة على التدخل في شؤون مملكة البحرين".
من جهتها، ترى طهران أن ما تقوم به هو "مواجهة للنفوذ الغربي في المنطقة"، وتصدير لـ "ثورتها الإسلامية" ووقوف مع "الشعوب المظلومة"، وهي الشعارات التي يكررها السياسيون الإيرانيون منذ 1979، وأدت إلى وقوف دول الخليج العربي مع العراق، خلال حربها مع إيران.
هذا الخلاف الجذري بين البلدين على شكل المنطقة، لم ينفجر إلا على ضفاف حادثة التدافع، وإعدام الشيخ السعودي نمر النمر، واقتحام المقار الدبلوماسية السعودية في إيران، ومن ثم قطع العلاقات الدبلوماسية رسمياً بين البلدين، مطلع العام الحالي.
وقد بدأ خامنئي، هجومه على السعودية مع بدء موسم الحج، وردّ عليه ولي العهد السعودي، وزير الداخلية، محمد بن نايف، بتأكيده أن "الجهات الإيرانية هي التي لا ترغب في قدوم الحجاج الإيرانيين لأسباب تخص الإيرانيين أنفسهم، في إطار سعيهم لتسييس الحج وتحويله لشعارات تخالف تعاليم الإسلام وتخلّ بأمن الحج والحجاج".
واعتبر ولي العهد السعودي أن الطلبات الإيرانية " تخالف قدسية المكان والزمان، والسعودية لن تسمح بأي حال من الأحوال بوقوع ما يخالف شعائر الحج ويعكر الأمن ويؤثر على حياة الحجاج وسلامتهم من قبل إيران أو غيرها".