تصعيد أمني ضد الحراكيين في الأردن لمنع تصاعد الاحتجاجات

06 يونيو 2019
السلطات تعمل على تخويف الحراكيين (صلاح ملكاوي/Getty)
+ الخط -
اتجهت السلطات الأردنية في الفترة الأخيرة إلى تشديد قبضتها الأمنية في مواجهة النشطاء والحراكيين، عبر قانون الجرائم الإلكترونية، في ظل خطاب جديد يحمل في طياته تهديداً، وتغييرات في الأجهزة الأمنية تصب في السياق نفسه. ووصل عدد معتقلي الحراك الأردني، خلال الأيام الأخيرة، إلى 19 شخصاً. وجرت بعض الاعتقالات عبر مداهمات أمنية فيها استعراض للقوة، تحت تهم مُختلفة، أبرزها "إطالة اللسان" أو "تقويض نظام الحكم"، وهما من القضايا التي تقع، في الأصل، ضمن حرية التعبير التي ضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المصادق عليه من قبل الأردن. واستهدفت هذه الإجراءات تخويف بعض الناشطين، لكنها على الجانب الآخر انعكست برفع سقف النقد الموجّه للسلطة بكل أدواتها، فيما الحكومة والأجهزة الأمنية توجّه المسارات الداخلية كما تريد. واتهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، في بيان صدر عنها أول من أمس الثلاثاء، السلطات الأردنية باستهداف النشطاء السياسيين ومناهضي الفساد بشكل متزايد أخيراً عبر توقيف عدد منهم بتهم "تنتهك حقهم في حرية التعبير". وقال نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في المنظمة، مايكل بيج، إن "على السلطات الأردنية معالجة السخط العام حول المشاكل الاقتصادية المحلية وسياسات التقشف، بإشراك المواطنين والاستماع لهم بدل القبض على منظمي الاحتجاج والمطالبين بالمساءلة العامة". وأضاف: "لا يمكن للحكومة الأردنية إسكات استياء المواطنين من حكومتهم بالاعتقالات والمضايقات".

وتعليقاً على ذلك، قال المفوض العام للمركز الوطني لحقوق الإنسان، موسى بريزات، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك تصعيداً في القبضة الأمنية، منذ إبريل/نيسان الماضي، والمركز منذ ذلك الوقت يتابع اعتقال العديد من الأشخاص والنشطاء السياسيين بسبب مواد، نشروها أحياناً قبل فترة طويلة". وأضاف أن "تهم تقويض نظام الحكم للنشطاء والحراكيين لا أساس لها. ولا نتحدث هنا عن المجموعات الإرهابية أو الأحزاب الممنوعة، فيما تُوجه تهمة إطالة اللسان في بعض الأحيان للنقد المباح".

من جهته، قال نائب الأمين العام لحزب "الشراكة والإنقاذ"، وأحد أبرز نشطاء الحراك الأردني، سالم الفلاحات، لـ"العربي الجديد"، إنه "ليس هناك أي نظام سياسي شمولي في العالم يتيح الفرصة للمواطنين المعترضين عليه، أو المطالبين بالتغيير، التعبير بحرية عن آرائهم"، مضيفاً أن "أي تضحيات تُقدّم من قِبل المطالبين بالإصلاح والتغيير، يجب ألا نراها كبيرة، حتى الوصول إلى ما وصلت إليه الشعوب الديمقراطية. فالشعوب الأوروبية، التي استطاعت الانتقال من الحكم الديكتاتوري والشمولي إلى دول ديمقراطية، قدمت تضحيات كبيرة". ولفت إلى أن "النظام الرسمي الأردني، يحاول التضييق على الحراكيين والنشطاء، وجعلهم يدورون في حلقة مفرغة، توحي للعالم بأن هناك ديمقراطية، لكن الحقيقة أن هؤلاء الحراكيين لا يُسمع أو يُنصت لهم، ولا يوجد أي تغيير سياسي حقيقي". وأضاف: "كلما زادت قدرة الحراكيين على إنجاز شيء، من المتوقع أن يزداد الضغط عليهم. كما أن هناك محاولات وقائية لمنع نمو الاحتجاج الشعبي المطالب بتغيير النهج وبدولة ديمقراطية، في وقت تحاول السلطة منعهم من التعبير".


وأشار الفلاحات إلى أن "السلطات تعمل على تخويف الحراكيين وأقاربهم بوسائل متعددة، ومنعهم من الوصول إلى الدوار الرابع (وسط عمان) والتعبير عن آرائهم"، متسائلاً: "ماذا بعد منع الناس من الوصول إلى المركز الوطني لحقوق الإنسان، ومنع الناس من الوصول إلى السفارة الأميركية، والوصول إلى مقر رئاسة الوزراء؟". وطالب "بتغيير العقلية الأمنية بالتعامل مع المواطنين من قبل صاحب القرار، واللاعبين الأساسيين في الدولة وتغيير منهجيتهم في التعامل مع الشعب، الذي يسعى عبر الوسائل السلمية إلى التغيير الديمقراطي"، معتبراً أنه "إذا استمر هذا التعامل الأمني، فلا أحد يعلم ماذا سيحدث، لكن الجميع يتمنى من النظام الاستجابة لمطالب الحراكيين الذين يضعون مصلحة الوطن هدفاً لهم".

من جهته، قال الرئيس السابق للجمعية الأردنية للعلوم السياسية"، خالد شنيكات، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "السماح بالتعبير عن الرأي يُبقي على التوازن في العلاقة بين المعارضة والسلطة. بمعنى إمكانية الحفاظ على استقرار مجتمعي، ما دام خيار التعبير عن الرأي مُتاحاً للمعارضة والموالاة". ولفت إلى أن استخدام القبضة الأمنية لن يؤدي بالضرورة إلى نتائج إيجابية، وربما يؤدي في مرحلة معينة إلى حالة من عدم الاستقرار، مضيفاً أن "عدم السماح للمعارضة بالتعبير عن آرائها، قد يدفع المعارضين، أو جزءاً منهم، لاستخدام العنف على المديَين المتوسط والبعيد. والتجارب في بعض الدول العربية ماثلة أمام الجميع". وشدد شنيكات على أن "الحفاظ على حرية الرأي والتعبير، هو في مصلحة السلطة والمعارضة؛ وبالتالي إبقاء الخطوط مفتوحة مع المعارضة، والسماح لها بممارسة حرية التعبير، يحفظان استقرار الدولة، ويدفعان صُنّاع القرار إلى اتخاذ القرارات المناسبة، التي تأخذ في الاعتبار مطالب المعارضة وهواجسها. ما يعني أن القرارات السياسية تلبي رغبات الغالبية، ولو بالحد الأدنى".

ولفت إلى أن "المعارضة السياسية في كل دول العالم ظاهرة صحية، وهي الأوكسجين لأي نظام سياسي، وبالتالي في النُظم الديمقراطية المجالُ واسعٌ لها للتعبير عن رأيها، والوصول إلى السلطة. وقد يصبح مَن في السلطة هو المعارضة إذا ما فازت المعارضة بالانتخابات، وتنتقل السلطة بشكل سلمي". وأشار إلى أنه "في حالة النظام الأردني تاريخياً، تم التعامل مع المعارضة بشكل سلمي، وهو نهج يختلف عن كثير من الأنظمة العربية، عبر احتواء المعارضة وأحياناً إشراكها في الحكم، أو السماح بحرية التعبير، أو الاستجابة لبعض المطالب، واتضح ذلك مع فترة الربيع العربي"؛ لكنه رأى أنه "في ظل حكومة عمر الرزاز تغيرت المعادلة، والأمر قد يكون مرتبطاً بنهج تفكير رئيس الحكومة، والتعامل مع ظرف دولي دقيق، وإمكانيات محدودة جداً للاستجابة لمطالب المعارضة". وشدد على أن "الطريقة الأفضل في التعامل مع المعارضة هي السير بعملية الإصلاح السياسي وفق الرؤى الملكية حول التأسيس للحكومات البرلمانية، وإدخال المعارضة في السلطة"، مشيراً إلى أن "المعارضة الأردنية مرتبطة بمصالح الدولة بمجملها وليس لها خطوط خارجية أو برامج تقوّض الاستقرار".

المساهمون