تصريحات متباينة بشأن سورية: هل يعود الخلاف الروسي التركي؟

23 مايو 2020
خلافات بشأن مستقبل بشار الأسد (عمر حاج قدور/فرانس برس)
+ الخط -
أعادت تصريحات المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، والسفير الروسي في دمشق، ألكسندر يفيموف، فتح باب المناكفة الروسية – التركية في سورية، بعد أن هدأت بشكل جزئي وحذر، إثر توقف العمليات العسكرية وتوقيع اتفاق موسكو بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب أردوغان، في 5 مارس/ آذار الماضي، الذي أوقف المعارك في إدلب، بعدما شاركت فيها وحدات تركية.

وكشف قالن، خلال مشاركته في ندوة عبر الإنترنت، عن وجود اختلاف في وجهة النظر التركية مع إيران وروسيا حيال مستقبل النظام السوري، وخصوصاً رئيسه بشار الأسد، قائلاً: "نعتقد أنّنا لا نراه زعيماً"، مشدداً على أهمية أعمال لجنة صياغة الدستور، وكذلك أهمية انتخابات قانونية ونزيهة في سورية.

وتابع المتحدث باسم الرئاسة التركية قائلاً: "أصحاب المصالح ينظرون لسورية وفق مصالحهم الضيقة، لا أحد يعتبر سورية موحدة، ولا يعير أي اهتمام للشعب السوري"، مضيفاً: "علاوة على ذلك بعض الدول تبحث عن سبل إبقاء قواعدها العسكرية في سورية، وأخرى عن السيطرة على آبار النفط، هذه الحسابات الصغيرة، تزيد من صعوبة إيجاد حل مستدام للاشتباكات في سورية".
التصريحات التي أطلقها قالن، يوم أمس الجمعة، ربما قد تكون في معرض الرد على تصريحات أخرى للسفير الروسي ألكسندر يفيموف، وإن كانت في سياق مختلف، لكنها تصب جميعها في نطاق التفاهم أو التباين بين روسيا وتركيا في سورية.
ورداً على سؤال ضمن مقابلة أجرتها معه صحيفة "الوطن" الموالية للنظام، حول وجود "الكثير من الخروقات لاتفاق وقف إطلاق النار في إدلب، من التنظيمات الإرهابية. وأن اتفاق موسكو لم ينفذ بشكل كامل، وتعثر في تسيير الدوريات المشتركة، إضافة إلى معلومات عن تحركات وحشود تركية في شمال البلاد"، ردّ السفير قائلاً "لدينا (الروس) انطباع بأن الإرهابيين المسيطرين على إدلب، مثل (هيئة تحرير الشام) والتجمعات المشابهة ليسوا راضين بأن موسكو ودمشق تنفذان التزاماتهما بدقة ولا تسمحان باستئناف العنف في (إدلب الكبرى)، وهذا الأمر تحديداً يدفع الإرهابيين لمواصلة محاولاتهم زعزعة الوضع، واستفزاز الجيش العربي السوري ودفعه لرد فعل عنيف في إدلب، حيث سيشكل ذلك ذريعة لهم لشن الحملة (التشويهية) الجديدة ضد الجيش العربي السوري، على أمل تدخل رعاتهم الأجانب بشكل أو بآخر".
ومضى قائلاً: "من ناحية أخرى فإن الأراضي التي تحت سيطرة (المتطرفين) في إدلب تتقلص مساحتها، على حين تحشد هناك العصابات المسلحة المختلفة الانتماءات بما فيها الأجنبية، وعندما لا ينجحون في المعارك ضد الجيش العربي السوري، ينزلقون إلى الخلافات والاقتتالات الداخلية، ويرهّبون السكان المحليين، كما يتلاعبون بالمساعدات الإنسانية، وفي الوقت نفسه يطردون المنظمات الإنسانية الحقيقية، وعلى رأسها الهلال الأحمر العربي السوري".
ولوّح السفير بإمكانية استئناف المعارك لاستعادة كامل إدلب، قائلاً: "كل هذه الحقائق معلنة ومعروفة للجميع، وتدل بكل وضوح على أن إدلب ليست ما يسمونها (الملجأ الأخير للمعارضة المعتدلة)، ولكنها معقل الإرهابيين والمجرمين الذين لا يجوز التسامح بوجودهم إلى الأبد. ننطلق من أن اتفاقات وقف إطلاق النار في إدلب أياً كانت لا تلغي ضرورة مواصلة محاربة الإرهاب بلا هوادة فيها، وإعادة الأراضي المذكورة تحت سيادة السلطات السورية الشرعية في أسرع وقت".


في المقابل، تولي تركيا أهمية بالغة لإبقاء وجودها في إدلب أو "منطقة خفض التصعيد" بعد إدخال قواتها إليها، على أساس تفاهمات أستانة في مايو/ أيار 2017، ودعمت في سبيل ذلك قوات المعارضة أمام تقدم قوات النظام ومليشيات محسوبة على روسيا وإيران، ومن ثم تدخلت بشكل مباشر بإطلاق عملية ضد قوات النظام، نهاية فبراير/ شباط الماضي، قبل أن تتوقف العملية باتفاق وقف لإطلاق النار، لم تتطرق بنوده للكثير من التفاصيل المتعلقة بمستقبل المنطقة.

غياب التفاصيل عن اتفاق موسكو الذي جاء عبر ثلاثة بنود فقط (وقف إطلاق النار، وإنشاء حرم على محيط الطريق الدولي حلب – اللاذقية "إم 4"، وتسيير دوريات مشتركة روسية – تركية على الطريق)، جعل من مستقبل النازحين المقدر أعدادهم بـ 1.7 مليون نازح غامضاً. واضطر هؤلاء للخروج من منازلهم في كل من ريف حماه الشمالي والغربي، وإدلب الجنوبي والشرقي، وحلب الغربي والجنوبي، بعد تقدم قوات النظام وحلفائها وسيطرتهم على عشرات القرى والبلدات في هذه المناطق التابعة لـ"منطقة خفض التصعيد"، التي طالما هددت تركيا قوات النظام بالانسحاب منها بشكل كامل وإلى ما وراء النقاط العسكرية التركية المحيطة بها، تمهيداً لإعادة النازحين، مع عدم استجابة من النظام وحلفائه إلى حد الآن.
إلا أن الأهم في مستقبل هذه المنطقة، يتمثل حول مصير تنظيم "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، الذي يتخذه النظام والروس والإيرانيون ذريعة للتقدم نحو إدلب ومحيطها، وقضم المساحات على حساب عمليات التهجير وارتكاب المجازر بحق السكان. وإلى الآن لا يزال مصير "الهيئة" غامضاً وسط تكهنات بإمكانية لجوء تركيا إلى الضغط على الفصيل لحله وصهره بباقي مكونات المعارضة المعتدلة، إلا أن الخلافات الأخيرة بين تركيا و"الهيئة" والتي تمثلت من خلال عرقلة الأخيرة لتنفيذ التفاهمات التركية، تفتح احتمال تعديل الخيارات التركية ليكون من بينها القيام بعمل عسكري لتقويض نفوذ "الهيئة" في إدلب وربما إنهاء وجودها بشكل كامل.


وتشير المعلومات القادمة من دوائر مقربة من الخارجية التركية، إلى أن الاجتماعات المقبلة بين الروس والأتراك حول إدلب، ستتركز بشكل رئيسي حول التعامل مع التنظيمات المصنفة إرهابياً، كـ "هيئة تحرير الشام" و"الحزب الإسلامي التركستاني" و"حراس الدين"، وسيكون ذلك ضمن الإطار العام لبحث وقف لإطلاق النار شاملٍ ومستدام، يقلل من إمكانية استئناف المعارك.

ولا شك في أن نجاح المباحثات المقبلة بين الروس والأتراك حول إدلب أو فشلها، سيؤثر بشكل كبير على كثير من الملفات العالقة بين الطرفين حول سورية من ضمنها الوضع في شرق الفرات، واللجنة الدستورية، بالإضافة لتحقيق الانتقال السياسي في مرحلة لاحقة وربما تكون قريبة، في ظل ضعف بنية النظام في الوقت الحالي ما يشير إلى اقترابه من السقوط، لا سيما مع دنو تطبيق "قانون قيصر" الأميركي، الذي سيعجّل من تهاوي نظام بشار الأسد، الذي يعيش اليوم أزمات داخلية غير مسبوقة، بالإضافة إلى ضغوط علنية من قبل حلفائه الروس.

المساهمون