لكي يدرك الآخرون وجودك لا بد أن تثير انتباههم. هذا ما فعله فنان الغرافيك ميشيل أشقر، في تقليد بدأه منذ عام 2014، استغل فيه توقيت حفل الأوسكار ونشر تصميماته لأفيشات بعض الأفلام المرشحة للأوسكار، والتي لاقت استحسان الكثيرين، حتى أن بعض المواقع والمجلات الأجنبية قامت بنشرها هي الأخرى مثل مجلة بلاستيك - Plastic، لما فيها من أصالة وخفة دم وفهم لروح الفيلم صاحب الأفيش.
نجده يحافظ على الحرارة والألم والمشاعر الموجودة في فيلم (هي – Her) فيستخدم الكثير من الأحمر والمحاط بالأزرق الداكن مع تمثيل لبورتريه خواكين فينيكس من الحجم المتوسط، يعبر عن قوة شخصية توم هانكس وسط المواقف الصعبة التي تعرض لها هو وركاب سفينته من هجوم القراصنة في (القبطان فيليبس – Captain Philips) فيرسمه بنظرة من مكان منخفض يعلو وجهه نظرة تملؤها الحسرة محاطة بالكثير من الأحمر المختلط بالأزرق، هذا لأوسكار 2014.
داوم ميشيل على هذا التقليد حتى أوسكار هذا العام، من خلال نافذة موقع سينموز المتخصص في السينما العربية، التي قامت بنشر أفيشاته من خلال صفحتها على موقع فيسبوك، ثم تداولها الآلاف من مريدي شبكات التواصل.
الملفت في تلك الأفيشات بالإضافة لجمال التصميم، هو خفة روح الترجمة، فـ فيلم دي كابريو The Revenant هو "راجع.. بإذن الله"، وفيلم مات ديمون The Martian هو "المرّيخي.. هيا إلى المنزل"، وفيلم داميان تشازل Whiplash هو "لاش الكرباج.. من طلب العلى سهر الليالي"، وفيلم إيناريتو The Bird man هو "الرجل العصفور.. الجهل نعمة"، والكثير من الدعابات التي تضيف روح مرحة للتصميم بالإضافة للجدية الواضحة في عملية الإخراج الفني للآفيش.
ميشيل أشقر هو مصمم غرافيكي لبناني يعيش في العاصمة بيروت، تخرج من كلية الفنون الجميلة وأحب التصميم الغرافيكي من بعدها، بدأ بالتعلّم وحيدًا، ثم احترف تصميم صفحات الويب والموبايل ألبيكيشن، ولكنه لم يستغن عن تصميم البوسترات أو التصميم الغرافيكي عمومًا لأنه كما يقول "أشعر فيه بقدر لا بأس به من الحرية".
الحرية التي يتحدث عنها أشقر تكمن في تمكّنه من الأدوات الكثيرة المتاحة للتصميم الغرافيكي، التي تتيح التماشي مع أية بيئة عمل أو أية تصميمات معقدة، كتلك التي ينفذها في أفيشاته المنشورة على شبكات التواصل الاجتماعي، والتي أساسها الابتكار الذي هو "عماد أي تميز فني".
لمجاراة الأحداث الحياتية المتسارعة، لا بد من سرعة في الأداء واختيار توقيت مناسب للتعليق على ما حدث، هكذا يفعل أشقر، الذي يستغرق منه تصميم الآفيش أقل من أسبوع واحد، وسط جدول انشغالاته المكتظ أصلًا بعمله في تصميم صفحات الويب والموبايل أبليكيشن.
اقتطع لنفسه بعض الوقت وشاهد الكثير من الأفلام التي تم ترشيحها للأوسكار ثم صمم بعضها، من الألف للياء؛ يرسم الشخصيات الرئيسية، مستوحيًا من موضوع الفيلم الطابع العام للآفيش، لكي يكون ذلك الآفيش ليس مجرد منشور دعائي، وإنما مراجعة نقدية، رؤية تشكيلية لأحداث الفيلم كما تخبرنا آفيشاته، بألوانها، وأسلوبها، وإخراجها الفني.
ولكي يصل المصمم الغرافيكي لتلك الجودة التي ألهمت الكثير ممن نشروا روابط تلك الصور، لا بد أن يتابع المنجز الغرافيكي العالمي وهو كثير جدًا ويتأثر بالمحلي، يحافظ على خصائص بيئته، كما فعل في آفيش فيلم (Arrival – الوصول) والذي ترجمه إلى "المجيء.. شو جابك عحينا" مع حفاظه على اللمسة النوستالجية للتصميمات العتيقة للأفلام الأميركية التي كانت منتشرة في شوارع المدن العربية.
الفضاء الإلكتروني هو مدينة المصمم، يتأثر بالعالمي بقدر تأثره بالمحلي، إن كانت جودته بالطبع عالمية، ويوجد الكثير من مصممي الغرافيك العرب وصلوا للعالمية كالمصري أحمد عماد الدين الذي صمم بوستر آخر ألبوم لفريق الروك العريق (Pink Floyd)، وبالنسبة لأشقر فلا بأس بمتابعة الإنتاج الفني المحلي أيضًا للا طلاع على ما وصل إليه من هم في محيط بيئته الاجتماعية، ربما يفتح أحدهم باب لأفكار أخرى جديدة، كما يؤكد ميشيل ضرورة ترك الباب مفتوح لأي إلهام من عمل مميز أو أسلوب يعجبه.
على الرغم من خفوت نجم تصميم الآفيشات باللغة العربية، فقديمًا كانت تُرسم وتُترجم من طرف الشركات المحلية الموزعة، إلا أن أشقر يسعى للوصول للعالمية من خلال تلك التصميمات كما هي، تلك النوستالجيا لزمن التصميم باستخدام الفرشاة والألوان الزيتية على ألواح خشبية أو على الواجهات الخلفية للبنايات الطويلة، وهي المعلم الرئيسي لأعمال ميشيل عن الأفلام التي يرسمها، وهي التي من خلالها لفت الانتباه له فورًا، لكنه لم ينغمس في التقليد، وإنما تشبّع بالمنجز السابق لكي يسبقه بخطوات.
على الرغم من إصرار أشقر على أن ما يميز التصميم الغرافيكي هو الحرية، إلا أن التابوهات الدينية والسياسية لا زالت حاضرة في ذهنه، فهو لم ينشر أو يصمم لوحات تعبر عن وجهة نظره في الأحداث الكثيرة الحاصلة سواء في وطنه لبنان أو في المنطقة العربية، ربما لأن الفنون أصلها لتحقيق التآلف لا للتفريق، وربما لأنه لا يريد الصدام بمجتمع يهوى الرذيلة ولكنه يخشى الفضيحة، أو ربما لأنه لم يجد ما يثيره إنسانيًا وفنيًا تجاه تلك الموضوعات، بالطبع له أسبابه، أو ربما كما يقول بأن كل شيء محسوم من قبل، لن يغير في الأمر شيء، وهي رؤية وإن كانت تشاؤمية، لكنها بها بعض الواقعية، فمجتمعاتنا لا نحركها نحن وحدنا وإنما تحركها أشياء كثيرة أهمها المصالح السفلية.