مأزق التقاعد المبكر بالأردن...تصاعد النفقات يهدد مؤسسة الضمان الاجتماعي

19 فبراير 2018
تحذيرات من تزايد البطالة حال رفع سن التقاعد (Getty)
+ الخط -
بدأ القلق يسيطر على المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي في الأردن، لتساورها المخاوف على مستقبلها المالي، في ظل تزايد حالات التقاعد المبكر في القطاعين العام والخاص وارتفاع النفقات التقاعدية خلال السنوات الأخيرة.
وتحاول المؤسسة إيجاد مخرج من هذا المأزق عبر تعديل القانون المنظم للتقاعد المبكر، وتحفيز المتقاعدين للعودة للعمل، خاصة بعد إحالة موظفي القطاع العام والعسكريين إليها.

ويسمح القانون لمن أكمل 50 عاماً للرجل و45 عاماً للمرأة، الحصول على راتب تقاعدي من الضمان الاجتماعي، ضمن متطبات وفترات اشتراك محددة بنظام التقاعد.
وقال موسى الصبيح، المتحدث الرسمي باسم مؤسسة الضمان الاجتماعي في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن عدد المتقاعدين مبكرا وصل إلى أكثر من 98 ألف متقاعد بما نسبته 47% من العدد الإجمالي لمتقاعدي الضمان، الذين بلغوا نحو 208 آلاف متقاعد من مختلف القطاعات ودرجات الرواتب، فيما يبلغ عدد المشمولين تحت مظلة الضمان الاجتماعي حوالي 2.3 مليون شخص من القطاعين العام والخاص.

وأضاف الصبيحي أن تزايد حالات التقاعد المبكر يؤثر سلباً على الأوضاع المالية للمؤسسة، مشيرا إلى أن عدد الذين عادوا للعمل بعد حصولهم على التقاعد المبكر بلغ فقط 448 متقاعداً، مشيرا إلى أن مؤسسة الضمان تحاول تحفيز الحاصلين على التقاعد المبكر لضمان عودتهم للعمل، خاصة إذا ارتبط الأمر بتحسين أوضاعهم المعيشية ورفع مقدار التقاعد لاحقا والحد من فاتورة التقاعد المبكر.
ولفت إلى أن إجراء تعديل على قانون الضمان الاجتماعي لسنة 2014، أجاز للمتقاعد المبكر، الذي لم يكمل سن الستين بالنسبة للرجل أو الخامسة والخمسين بالنسبة للمرأة الجمع بين جزء من راتبه التقاعدي مع أجره من العمل عند عودته لعمل مشمول بأحكام قانون الضمان الاجتماعي، وذلك ضمن شروط وضوابط حددها هذا القانون.

وقال إنها المرة الأولى التي يسمح فيها تشريع الضمان بهذا الجمع، في حين كانت التشريعات السابقة للضمان تنص على وقف الراتب المبكر وقفاً كاملا عندما يعود صاحبه للعمل المشمول بالضمان، وهو لا يزال دون سن الستين بالنسبة للرجل ودون الخامسة والخمسين بالنسبة للأنثى.
وحسب المتحدث الرسمي باسم مؤسسة الضمان الاجتماعي فإن هذا التعديل يعد تطورا مهماً وتعزيزا للحماية الاجتماعية من خلال إتاحة الفرصة لمتقاعدي المبكر لتحسين رواتبهم التقاعدية مستقبلا وتشجيعهم على العودة إلى العمل لتحسين أحوالهم المعيشية.

وأنشئت مؤسسة الضمان الاجتماعي عام 1978 بهدف توفير الحماية الاجتماعية للعاملين في القطاع الخاص، لكنها توسعت في التسعينيات لتشمل العاملين في الجهاز العسكري، بعدما واجهت الحكومة أعباء كبيرة في النفقات التقاعدية، لكنها رحلتها إلى الضمان. والمؤسسة تدار من قبل مجلس إدارة يرأسه وزير العمل، وتخضع لسيطرة كاملة من قبل الحكومة، رغم أن موجوداتها من أموال العاملين.
وتملك المؤسسة أكبر صندوق استثماري في الأردن، حيث قالت سهير العلي مدير إدارة أموال الضمان الاجتماعي إن موجودات الصندوق تبلغ حوالي 12 مليار دولار، لكن تزايد النفقات على التقاعد المبكر بات يمثل تهديدا لأصول المؤسسة.

وقال شرف المجالي، المتخصص في شؤون الضمان الاجتماعي، إن مؤسسة الضمان الاجتماعي تدرس إجراء تعديلات جديدة على قانون المؤسسة أبرزها إلغاء التقاعد المبكر وإلغاء الاستثناءات الواردة في قانون الضمان لسنة 2014.
إلا أن ناديا الروابدة مدير عام مؤسسة الضمان الاجتماعي، قالت في تصريحات صحافية، أمس، إن المؤسسة لم تبدأ بدراسة أية تعديلات على قانون الضمان الاجتماعي، بهدف رفع سقف سن تقاعد الشيخوخة أو إلغاء التقاعد المبكر.

لكنها قالت إن المؤسسة تعتزم إجراء دراسة مالية لوضع المؤسسة بالتعاون مع منظمة العمل الدولية، وسيتم تسلم التوصيات الأولية نهاية شهر مارس/ آذار المقبل.
ووفق الخبير المجالي، فإن الدراسة التي ستقوم بها مؤسسة الضمان الاجتماعي، ستتناول رفع سن التقاعد الوجوبي من ستين إلى الخامسة والستين، محذرا من هذه الخطوة حيث أن الشارع الأردني لن يقبل بمثل هذه التعديلات، خاصة ما يتعلق برفع سن التقاعد وتخفيض المنافع.

وقال فتحي الجغبير رئيس جمعية الصناعات الصغيرة والمتوسطة لـ"العربي الجديد"، إن القطاع الخاص كما القطاع العام يواجه إشكالية كبيرة فيما يتعلق بالتقاعد المبكر من حيث تسرب الكفاءات والخبرات وسعيها للحصول على التقاعد مبكراً وفقا لما نص عليه القانون.
وأضاف أن العامل أو الموظف في سن 50 عاماً يكون في أوج عطائه وتراكمت لديه خبرات واسعة في مختلف المجالات، لا سيما في الاختصاصات الفنية والمهنية ما يشكل خسارة للاقتصاد الوطني بشكل عام، داعيا إلى إيجاد حوافز للعمال والموظفين تضمن استمراريتهم في العمل، وفي نفس الوقت حقهم بتحسين أوضاعه المعيشية.

وقال الخبير الاقتصادي حسام عايش إن المشكلة تكمن في أن ارتفاع أعداد المتقاعدين مبكرا، سيؤدي إلى ارتفاع كبير في حجم النفقات التقاعدية لمؤسسة الضمان الاجتماعي، المطالبة اليوم بإعادة النظر في سياساتها الاستثمارية لزيادة التدفقات المالية للمؤسسة في مواجهة النمو المضطرد في فاتورة التقاعد.
وأضاف عايش لـ"العربي الجديد" أن من المهم أن تراعي الدراسة المالية التي تعكف المؤسسة على إجرائها، معالجة الاختلالات في التقاعد المبكر، وتوفير حوافز لمن يستمر في عمله في حال إمكانية تحقيق ذلك.
وتعاني المؤسسة من فشل بعض استثماراتها في عدة قطاعات وتحملها خسائر كبيرة من وراء بعض المشاريع.

وفي مقابل مقترحات إلغاء التقاعد المبكر أو رفع سن التقاعد، أكد رئيس المرصد العمالي أحمد عوض، أن مثل هذه المقترحات تتناقض مع السياسات والمساعي الحكومية لتخفيض معدلات البطالة التي شهدت ارتفاعاً كبيراً في السنوات الأخيرة.
وقال عوض لـ"العربي الجديد" إن الإبقاء على سن التقاعد سواء المبكر أو ما يسمى تقاعد الشيخوخة من شأنه توفير فرص عمل للأردنيين، وبعكس ذلك ستتراجع الفرص الناجمة عن الإحالات للتقاعد.

وأضاف أن الحكومة الحالية اتخذت قراراً منذ أكثر من عامين بإحالة كل من بلغ 60 عاما للتقاعد وعدم التجديد فوق هذا الحد إلا في حالات نادرة تخص أطباء الاختصاص العاملين في الميدان، وذلك بهدف توفير فرص عمل لغيرهم، مؤكدا أهمية أن ينسحب القرار على العاملين في القطاع الخاص، الذين يشكلون غالبية الخاضعين للتقاعد من قبل مؤسسة الضمان الاجتماعي.
وبحسب بيانات ديوان الخدمة المدنية فان عدد المتقدمين بطلبات توظيف يتجاوز 300 ألف طلب من مختلف الاختصاصات، فيما لا تتعدى الفرص المستحدثة في القطاع الحكومي سنوياً نحو 10 آلاف وظيفة معظمها لوزارتي التربية والصحة. كما تشير بيانات دائرة الإحصاءات العامة (حكومية)، إلى أن نسبة البطالة خلال الربع الثالث من العام الماضي بلغت 18.5%.
وشدد الأردن في السنوات الأخيرة من القيود ضد العمالة الأجنبية، لا سيما المخالفة منها، بهدف توفير فرص عمل للمواطنين.

ويقدر عدد العمال الوافدين بأكثر من مليون عامل، وأوقفت الحكومة العام الماضي 2017 استقدام الأيدي العاملة مع إعطاء خصوصية للقطاع الزراعي، الذي يعاني من نقص العمال وعدم قبول الأردنيين العمل فيه.
ووفق محللين فإن استمرار معدلات البطالة عند مستوياتها المرتفعة، يزيد من تفاقم الأعباء المعيشية في البلد الذي يواجه بالأساس صعوبات اقتصادية.

وأظهرت بيانات رسمية أن نسبة الفقر في الأردن قفزت إلى 20% خلال عام 2016، مقارنة بنحو 14.4% عام 2010، بينما توقع خبراء اقتصاد تخطي الفقر النسبة الأخيرة في ظل ارتفاع الضغوط المعيشية، لا سيما بعد سلسلة الإجراءات الحكومية التي تشمل زيادة الضرائب والأسعار.


المساهمون