02 نوفمبر 2024
تشريع العنصرية والتمييز على أساس ديني
ينسج اليمين الأشد تطرّفا في الدولة العبرية صورة لها على هواه، وعلى مقاسه، وفي اجتراءٍ لا مثيل له على التاريخ والواقع والوقائع، وهو ما يستدل به من مشروع "قانون أساس" لتمليك تاريخ فلسطين للحركة الصهيونية، وللشعب الذي نشأ عن تجمعات الاستيطان في أرض فلسطين الانتدابية، وحيث يسَّر الانتداب البريطاني للحركة الصهيونية إقامة دولةٍ على أرض فلسطين، وعلى حساب شعبها، وهو ما يصوّره الصهاينة حركةً استقلاليةً من دون أن يُعرف عن أي أحدٍ أو جهةٍ تم هذا الاستقلال المزعوم، سوى ما تبيّنه الوقائع الثابتة من انفصال مجموعات يهودية عن الشعوب التي تنتمي إليها هذه المجموعات، وعن الأوطان التي انتسبت إليها قروناً طويلة.
تم تمرير المشروع لدى حكومة بنيامين نتنياهو، كما جرى تمريره في الكنيست بقراءة أولى، وهو يرتقي، في عُرف واضعيه، إلى منزلةٍ دستوريةٍ، تعلو على أي قانون آخر. وقد بدأ العمل على هذا المشروع منذ زهاء ثلاث سنوات، بعد وصول اليمين الأشد تطرّفا إلى الحكم، وفي غمرة الإجهاز على كل فرصةٍ لإبرام سلامٍ مع ممثلي شعب فلسطين. وهي الفترة نفسها التي بدأ فيها نتنياهو الاشتراط على الجانب الفلسطيني الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، علماً أن الجانب الإسرائيلي لم يعترف، حتى الآن، بدولة فلسطين، واقتصر اعترافهم على منظمة التحرير فقط. ولم يسبق أن طالب الصهاينة مصر أو الأردن (وقد وقّع كل من البلدين اتفاقية سلام مع تل أبيب) بالاعتراف بإسرائيل دولة يهودية.
وإذ يقطع مشروع القانون الأساسي كل صلةٍ للعرب والفلسطينيين بأرض فلسطين، فإنه يهدّد
مواطنية العرب الفلسطينيين بوصف إسرائيل "بيتا للشعب اليهودي"، بما ينفي عن غير اليهود أية صلةٍ، وتالياً أية حقوقٍ في أرض آبائهم وأجدادهم. وتغدو الصفة الديمقراطية التي يشدّد الصهاينة على إلصاقها بدولتهم مجرّد حليةٍ حين يجري توظيفها لتنظيم العلاقات بين فئةٍ بعينها، هي فئة اليهود الوافدين من مختلف أصقاع المعمورة. ذلك أن المشروع، في حال تمريره بصفة نهائية في الكنيست، يجعل من يهودية الدولة ومواطنيتها فوق أي اعتبار قانوني أو سياسي أو معنوي آخر.
ويمتد خطر هذا المشروع الشوفيني ليهدّد الأراضي المحتلة منذ العام 1967، وذلك بالنظر إلى أن أصحاب المشروع من اليمين الأشد تطرفا، يشملون الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية بحدود الدولة الصهيونية، وتتصاعد، منذ عامين، الدعوات لضم الضفة الغربية إلى سلطة الاحتلال، والتمهيد لذلك بجعل التجمعات الاستيطانية جزءاً من الدولة العبرية وامتداداً لها. وقد انطلقت تحرّكاتٌ في أوساط الليكود، خلال الأيام القليلة الماضية، لجمع تواقيع على وثيقةٍ تدعو إلى ضم الضفة الغربية، لتسليم الوثيقة إلى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لدى زيارته المقرّرة هذا الأسبوع إلى تل أبيب. وكان نتنياهو قد دعا، في أول لقاء له مع ترامب في البيت الأبيض، إلى "البحث عن طرق جديدة للسلام"، والمقصود التحلل من مختلف الالتزامات، والتنكّر للقرارات الدولية، باسم البحث المزعوم عن طرقٍ أخرى للسلام المفترى عليه. وذلك ضمن حزمةٍ من التوجهات والتغييرات تشمل التحرّك نحو واشنطن لنقل السفارة الأميركية إلى القدس التي يجعل منها مشروع القومية اليهودية عاصمة للدولة العبرية. والدعوة إلى إلغاء القرار الدولي الخاص بإدانة الاستيطان، والذي صدر، في الأيام الأخيرة لعهد الإدارة الديمقراطية السابقة. يجري هذا التصعيد في وقتٍ لم تبلور فيه إدارة ترامب رؤيتها لحل الصراع، واستباقاً لأية مواقف أو تطورات محتملة، وفي ظرف تنشغل فيه واشنطن بالتعامل مع ملف كوريا الشمالية، ومع الملفين السوري واليمني، علاوة على تركيز الجهود باتجاه مكافحة "داعش".
يهدد الأفق العنصري الصارخ لمشروع الدولة القومية للشعب اليهودي كل فرصةٍ للتهدئة، ويحجب أية فرصةٍ لرؤية نهاية للصراع، وهو ما ينسجم مع التوجهات العقائدية الدوغمائية للأحزاب الدينية و"القومية" التي تملك مشروعاً واحداً، هو نفي غير اليهود من الاعتبار والاعتراف، والاستيلاء على كامل فلسطين إرثاً وأرضاً، وحتى لغةً (لن تعود العربية لغة رسمية ثانية حسب المشروع العتيد).. وبينما تتصاعد في أرجاء واسعة من العالم الدعوات والتحرّكات ضد الاتجاهات الشعبوية المتطرّفة هنا وهناك، فإن أصحاب المشروع القومي في تل أبيب يقدمون نموذجاً فاقعاً لأعتى أشكال الشعبوية الأصولية، وأكثرها انغلاقاً وعداءً للآخر (للأول في واقع الأمر)، وهو ما ينفي الادعاءات الصهيونية بانتماء دولتهم إلى "العالم الحر"، أو إلى الديمقراطيات الغربية، فلا مكان للعنصرية التي يفيض بها هذا المشروع في
الديمقراطيات الغربية المستقرة والعلمانية، رغم نمو العنصرية الملحوظ في أحشاء تلك المجتمعات، وعلى جنباتها. بينما الذي يحدث في الدولة العبرية أن أي تغيير أو مراجعة إنما يتم في اتجاهٍ واحد فقط، وهو تجذير العنصرية، وحصر الحقوق أكثر فأكثر بفئةٍ واحدة فقط، بما يهيئ أرضا خصبة لمختلف مظاهر التطرّف، وبالذات داخل المجتمع الصهيوني الذي لا يتوقف عن الانزلاق إلى مُنحنى جديد كل مرة. وكما هو حال مدمن المخدرات الذي ينزلق، مرة بعد مرة، إلى مزيد من الإدمان، والانقطاع عن العالم الخارجي، فيما يتوهم أنه يجد في اندفاعه هذا الترياق الشافي. هذا خلافا لدساتير أخرى في عالمنا تمنع المراجعة إلا باتجاه منح مزيد من الحقوق لعموم المواطنين، بصرف النظر عن انتمائهم الديني، كما هو حال الدستور الأميركي.
وإذ يشرعن مشروع الدولة القومية التمييز العنصري، ويبُث سموما صفراء من الكراهية، فإنه يُؤذن بجولاتٍ جديدة من الصراع، بدلاً من التماس الحلول، فالمشروع، على سبيل المثال، يغلق الطريق أمام عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، ولن تكون زحزحة هذا الواقع ممكنة إلا بالاعتصام الفلسطيني بحبل الصمود والثبات في الأرض، وانتقال المجتمع الدولي من سرد التحفظات والمؤاخذات على السلوك الإسرائيلي، إلى توقيع أشكالٍ متدرجةٍ من العقوبات ضد الدولة المارقة.
تم تمرير المشروع لدى حكومة بنيامين نتنياهو، كما جرى تمريره في الكنيست بقراءة أولى، وهو يرتقي، في عُرف واضعيه، إلى منزلةٍ دستوريةٍ، تعلو على أي قانون آخر. وقد بدأ العمل على هذا المشروع منذ زهاء ثلاث سنوات، بعد وصول اليمين الأشد تطرّفا إلى الحكم، وفي غمرة الإجهاز على كل فرصةٍ لإبرام سلامٍ مع ممثلي شعب فلسطين. وهي الفترة نفسها التي بدأ فيها نتنياهو الاشتراط على الجانب الفلسطيني الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، علماً أن الجانب الإسرائيلي لم يعترف، حتى الآن، بدولة فلسطين، واقتصر اعترافهم على منظمة التحرير فقط. ولم يسبق أن طالب الصهاينة مصر أو الأردن (وقد وقّع كل من البلدين اتفاقية سلام مع تل أبيب) بالاعتراف بإسرائيل دولة يهودية.
وإذ يقطع مشروع القانون الأساسي كل صلةٍ للعرب والفلسطينيين بأرض فلسطين، فإنه يهدّد
ويمتد خطر هذا المشروع الشوفيني ليهدّد الأراضي المحتلة منذ العام 1967، وذلك بالنظر إلى أن أصحاب المشروع من اليمين الأشد تطرفا، يشملون الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية بحدود الدولة الصهيونية، وتتصاعد، منذ عامين، الدعوات لضم الضفة الغربية إلى سلطة الاحتلال، والتمهيد لذلك بجعل التجمعات الاستيطانية جزءاً من الدولة العبرية وامتداداً لها. وقد انطلقت تحرّكاتٌ في أوساط الليكود، خلال الأيام القليلة الماضية، لجمع تواقيع على وثيقةٍ تدعو إلى ضم الضفة الغربية، لتسليم الوثيقة إلى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لدى زيارته المقرّرة هذا الأسبوع إلى تل أبيب. وكان نتنياهو قد دعا، في أول لقاء له مع ترامب في البيت الأبيض، إلى "البحث عن طرق جديدة للسلام"، والمقصود التحلل من مختلف الالتزامات، والتنكّر للقرارات الدولية، باسم البحث المزعوم عن طرقٍ أخرى للسلام المفترى عليه. وذلك ضمن حزمةٍ من التوجهات والتغييرات تشمل التحرّك نحو واشنطن لنقل السفارة الأميركية إلى القدس التي يجعل منها مشروع القومية اليهودية عاصمة للدولة العبرية. والدعوة إلى إلغاء القرار الدولي الخاص بإدانة الاستيطان، والذي صدر، في الأيام الأخيرة لعهد الإدارة الديمقراطية السابقة. يجري هذا التصعيد في وقتٍ لم تبلور فيه إدارة ترامب رؤيتها لحل الصراع، واستباقاً لأية مواقف أو تطورات محتملة، وفي ظرف تنشغل فيه واشنطن بالتعامل مع ملف كوريا الشمالية، ومع الملفين السوري واليمني، علاوة على تركيز الجهود باتجاه مكافحة "داعش".
يهدد الأفق العنصري الصارخ لمشروع الدولة القومية للشعب اليهودي كل فرصةٍ للتهدئة، ويحجب أية فرصةٍ لرؤية نهاية للصراع، وهو ما ينسجم مع التوجهات العقائدية الدوغمائية للأحزاب الدينية و"القومية" التي تملك مشروعاً واحداً، هو نفي غير اليهود من الاعتبار والاعتراف، والاستيلاء على كامل فلسطين إرثاً وأرضاً، وحتى لغةً (لن تعود العربية لغة رسمية ثانية حسب المشروع العتيد).. وبينما تتصاعد في أرجاء واسعة من العالم الدعوات والتحرّكات ضد الاتجاهات الشعبوية المتطرّفة هنا وهناك، فإن أصحاب المشروع القومي في تل أبيب يقدمون نموذجاً فاقعاً لأعتى أشكال الشعبوية الأصولية، وأكثرها انغلاقاً وعداءً للآخر (للأول في واقع الأمر)، وهو ما ينفي الادعاءات الصهيونية بانتماء دولتهم إلى "العالم الحر"، أو إلى الديمقراطيات الغربية، فلا مكان للعنصرية التي يفيض بها هذا المشروع في
وإذ يشرعن مشروع الدولة القومية التمييز العنصري، ويبُث سموما صفراء من الكراهية، فإنه يُؤذن بجولاتٍ جديدة من الصراع، بدلاً من التماس الحلول، فالمشروع، على سبيل المثال، يغلق الطريق أمام عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، ولن تكون زحزحة هذا الواقع ممكنة إلا بالاعتصام الفلسطيني بحبل الصمود والثبات في الأرض، وانتقال المجتمع الدولي من سرد التحفظات والمؤاخذات على السلوك الإسرائيلي، إلى توقيع أشكالٍ متدرجةٍ من العقوبات ضد الدولة المارقة.